مكافأة لمن يدلي بمعلومات

مكافأة لمن يدلي بمعلومات

03 يناير 2017
تشييء للبشر وتسليع للقيم (رسلان رحمن/ فرانس برس)
+ الخط -

كثيرة هي الأساليب التي تعتمدها الشركات في العالم الرأسمالي واقتصاد السوق من أجل الخروج بإنتاج أكبر للعمال والموظفين. هي أساليب تُغلَّف بطابع الحقوق والتحفيز وتشجيع المبادرة الفردية. أقساها ما يتعلق بالحسم من الراتب وأعظمها المكافأة على الراتب. لكنّ الحالتين على حدّ سواء متشابهتان تماماً وليستا أكثر من تلاعب بهواجس العمال وأحوالهم.

"موظف الشهر" أسلوب معروف في هذا السبيل. هو أشبه ما يكون باليانصيب أو اللوتو. يجتهد 100 موظف ولو أضافوا على أنفسهم أعباء من خارج المسمّى الوظيفي من أجل نيل رضا الرؤساء والوصول إلى ذلك الشرف: "موظف الشهر". الأمر نفسه يفعله لاعبو اليانصيب إذ يدفعون من مالهم جميعاً من أجل نيل واحد فقط المبلغ كاملاً. في الحالتين لا ينتبه العنصر الأضعف، وهو الموظف والعامل، ولاعب اليانصيب، إلى الأرباح العظيمة التي حققتها الشركة أو الهيئة المنظمة للسحب. وهي أرباح متراكمة يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر بفضله وبجهده.

هو تشييء للبشر وتشييء للعلاقات في ما بينهم كما يصفها السوسيولوجي المجري المعروف بهذه النظرية وبغيرها جورج لوكاش. فتحوّل هؤلاء الموظفين إلى ما يشبه الآلات هو من صميم المنظومة الرأسمالية. ومهما كان الكلام عنه بعيداً زمنياً ونحن نستقبل العام 2017 فإنّ شيئاً من ذلك لم يتغير. التشيؤ حاصل في كلّ علاقة بيننا، حتى التحية الصباحية والمشاركة السياسية والرياضة... حتى الصلاة تأتي برعاية شركات متعددة الجنسيات، أو دول- شركات تساهم في تسليع كلّ قيمة.

التربية والتعليم ينالان نصيباً كبيراً من ذلك أيضاً، بل هو أساس زرع "النظام" في رأس كلّ طفل عبر أهله بقلة حيلتهم وبعفوية "ما وجدنا عليه آباءنا" أو عبر المدرسة بشكل مقصود يهدف كما يقول السوسيولوجي الآخر الفرنسي بيار بورديو إلى إبقاء الأمور على ما هي عليه، من خلال إعادة إنتاج الطبقات نفسها، المسيطرة والمسيطر عليها.

هذا التشييء في التربية والتعليم بارز أكثر في الدول الأكثر حظوة بالمديح على صعيد الأنظمة التعليمية المرتبطة بالسوق، مثل سنغافورة. مع ذلك هو حاصل أيضاً في الدول "المتخلفة" لكن السائرة على نفس الخط التطوري، أي على نفس الأسس المنهجية التي تجهز التلميذ للدخول إلى سوق العمل الرأسمالي نفسه، فهو محكوم بالنظام المتحكم في رقبة بلده بكلّ ما فيه.

مثل هذا المواطن المتشيّئ تمسك الأنظمة بأزراره. تتحكم به تماماً، فإذا أعلنت الشرطة عن "مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن فلان مع المحافظة على السرية التامة" انبرى -في كثير من الأحيان- لتقديم تلك المعلومات، ولو كان المطلوب من أقرب المقرّبين إليه... فالمال أهم الأشياء.