حنّاء عُمان زينة ودواء

حنّاء عُمان زينة ودواء

22 ديسمبر 2016
تحيّة عُمانيّة مخضّبة بالحنّاء (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

حنّاء سلطنة عمان ليست موضة حديثة بل تضرب في تاريخها لتؤكد أنّها الأكثر جودة في محيطها والأكثر ثباتاً.

للخضاب، أي عجين الحنّاء، في سلطنة عُمان حكاية مغرقة في القدم وضاربة في الجذور التاريخية لهذه البلاد. يذكر الكثير من المصادر أنّ خضاب عمان كان الأفضل، والأقوى صبغةً، والأثبت لوناً، وكان الناس من عمق الجزيرة العربية يطلبونه. كان التاجر العماني يحمل ما تيسر له من الحنّاء واللومي (الليمون اليابس) والتمور والبخور من سهل مرباط في محافظة ظفار، وينطلق بقافلته إلى عمق الجزيرة وصولاً إلى بلاد نجد والحجاز. يبيع بضاعته إلى قبائل العرب من بني تميم، وقريش، وكنانة، وتغلب، وعلى رأس تلك البضائع مدقوق الحنّاء.

لم يقتصر حضور الحنّاء في الثقافة العمانية على أغراض الزينة فحسب، بل كانت تستخدم كإشاراتٍ دالةٍ على المنزلة والمكانة للنساء في المجتمع. وشملت في دلالاتها التفريق بين المتزوجة وغير المتزوجة. وكانت تقدم زهورها وأوراقها إلى الإله "باجر أو باحر" ما قبل الإسلام في طقس التقديس الوثني السنوي. كذلك، ذهب كثير من العرّافين (المعلّمين في المحلية) إلى استخدام رموزها في كشف الطالع والتنجيم وفكّ أعمال السحر، وكتابة الطلاسم.

وفي نبش للذاكرة، تفرد السبعينية سليمة الغيثي من ولاية إزكي، ما تيسر لها من ذاكرة حيّة عن القيمة الرمزية التي أولتها المرأة العمانية لمدقوق الحنّاء: "في ما مضى كنّا نقطف أوراق الحناء، ونجففها ثم نطحنها ونغربلها. وعندما نرغب في استخدامها نخلطها مع مدقوق اللومي اليابس والماء".

تضيف أنّ مخلوط الحنّاء كان يجهز قبل أيامٍ من استخدامه، وبخاصة في أيام الأعياد: "قبل العيد بأيام، كانت النسوة يعجنّ الحنّاء، وقبله بيوم يخضّبن الصغار من الجنسين في اليدين والقدمين قبل النوم، وكذلك تفعل الأمهات. لم تكن الحنّاء على أيامنا كالحنّاء اليوم، فلم تكن هناك رسوم أو أشكال". تضيف أنّ المرأة المتزوجة كانت تتحنّى لزوجها الغائب عندما يعود، وكان خضاب الحنّاء يوزع على الحضور يوم ختان الأولاد الذكور في احتفال يجمع كلّ أهل القرية. كذلك تُعلّق أغصان الحنّاء على البيوت مع سعف النخيل لاستقبال العائدين من الحج.




من جهتها، تقدم المعالجة الشعبية فضلة خودا بخش البلوشي لـ"العربي الجديد" الكثير من أسرار مهنتها ومهنة جداتها. تؤكد أنّ مدقوق الحنّاء علاج من المس والسحر: "الجنّ يكره رائحة الحناء. كذلك، تتحنّى النساء لطرد العين الحاسدة، ويتحنّى الذكور صغاراً وكباراً لردّ الضرر". تؤكّد أن هذه فائدة واحدة ولا يمكن قياسها بعشرات الفوائد التي يمكننا الحصول عليها من استخدام الحنّاء المعجونة: "توضع على جبهة الرأس لعلاج الصداع، وعلى القدمين لعلاج التشقق وقتل الفطريات وتجفيف الدمامل". تذهب البلوشي إلى اعتبار أوراق شجرة الحنّاء أشبه بصيدلية منزلية، في أوراقها تجد لكل داءٍ دواء، فيستخدم مغلي أوراقها لعلاج الإسهال، بينما يستخدم الورق المدقوق الجاف لعلاج الحروق. تقول: "أضعها على الجزء المصاب بالحرق فتلتصق به وتشكل طبقة لا تمكن إزالتها عن الجلد إلاّ في حال جفاف الحروق وعودة الجلد إلى طبيعته، وهي بذلك تحمي المصاب من الالتهابات والتلوث".

كذلك، تؤكد أنّ أوراق الحنّاء تشفي من كلّ سقم وتحمي من كلّ عين وتجلب الرزق. توصي بها كلّ من يشكو من التهابات وأوجاع في الفم أو الحلق أو اللثة، فمنقوعها بعد المضمضة فيه ينظف الفم من الالتهابات. وتؤكد أنّ معجون الحنّاء إذا وضع على الرأس لمدة طويلة فإنه يمتص الحرارة منه، لذا ينفع في علاج ضربات الشمس. وتنصح النساء والرجال على حدّ سواء باستخدام الحنّاء لعلاج قشرة الرأس، والنزيف أو الجروح العميقة.

الحنّاء في الحياة العمانية ما زالت حاضرة بقوة. وما زالت ليلة الحنّاء للعروس والعريس من أهم مظاهر الزفاف. ولا بدّ من تجهيز الحنّاء قبل يوم الجلوة بحسب لطيفة الوهيبي. تقول لـ"العربي الجديد": "الجلوة مادة تجميلية مكونة من مساحيق طبيعية مثل الصندل والزعفران وجوزة الطيب وقشر البيض والأرز المطحون، تخلط المكونات جميعها بماء الورد. وبعد تجهيز الخليط، يدهن به جسم العروس، ثم توضع الحنّاء على القدمين واليدين، وبذلك تصبح العروس جاهزة ليوم الزفاف". تضيف أنّ هذه العملية قد تأخذ من يومين إلى ثلاثة، وتحضر النساء والفتيات لمباركة العروس، والغناء لها، ونثر النقود على رأسها. جميع هذه المراحل الاحتفالية من أجل الوصول إلى ليلة حنّاء السّر، وفيها تجتمع قريبات العروس لإكمال نقش الحنّاء استعداداً لليلة حنّاء الظاهر". تتابع: "أمّا ليلة حنّاء الظاهر فهي أهم الليالي التي تسبق العرس. وفيها يجب أن تخرج العروس في أبهى زينة وأجمل منظر في الملابس، والحنّاء، والبخور، والذهب، وشكل الحجلة (المكان المخصص لجلوسها). وتغطي العروس كامل وجهها وجسدها فلا يظهر منها سوى القدمين. تجلس المحنّية إلى جوارها وأمامها وعاء مليء بالحنّاء والشموع والبخور، فتنقش على قدمي العروس". توضح أنّ هذا التقليد يترافق مع تقديم الطعام للمدعوات، وترديد الأهازيج الشعبية.