فرار من هنا

فرار من هنا

10 يوليو 2019
في إحدى التظاهرات (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
كنّا في السيّارة حين قال لي إنّه لا بد من إثارة مشكلة ما. وسارع إلى التوضيح أنّ المشكلة ليست بيننا، بل يجب أن نخوضها معاً ضد أصحاب المسابح الخاصة، الذين يفرضون أسعاراً مرتفعة كبدل دخول، ويمنعون على الأهل إدخال الطعام إليها. وقرّر أن يقاطعها. سألني عن بديل، فأخبرته أنّ هناك شواطئ نظيفة نسبياً لكن بعيدة.

سبع سنوات من العيش في لبنان كانت كافية بالنسبة إليه لاتخاذ موقف من قضية/ إشكالية أساسية في لبنان. وهذا لم يأتِ من فراغ. لم ينتهِ الحديث هنا، ووجدتني أشجّعه على ضرورة التفكير في بديل، أي بلد بديل. وبيننا، بين أمّ وطفل لم يتجاوز السبع سنوات من العمر، كان هناك نقاش حول أي بديل عن لبنان، يحترمه كإنسان، ويؤمّن له الحق في مساحات وبيئة نظيفة.

أخبرته عن حياة اختبرتها لأيام في إيرلندا وبرشلونة وألمانيا. هناك، حيث تكون قادراً على رؤية السماء، والاكتفاء بالصمت لبعض الوقت، وحيث الناس يقودون سياراتهم من دون إطلاق أبواق سياراتهم.

وسألني كثيراً عن العقوبات... أو ماذا لو؟

بيروت. لبنان. بات ثمّة حاجز بيننا. لا أراها إلّا سحابة تُخفي وراءها الكثير من البؤس، وإن كان المشهد على وسائل التواصل الاجتماعي مختلفاً. صور ضاحكة وساهرة وراقصة والكثير من "السيلفي" و"الشيك إن". لكن لبنان هو البلد الذي لا يمكن للمرأة المطلّقة فيه تسجيل ابنها على اسمها على لائحة الضمان الاجتماعي، قبل الحصول على شهادة من المحكمة تنصّ على حقّها في الحضانة وتولّيها النفقة، وهو المكان نفسه الذي لا يتردّد أي رجل في إطلاق السباب ضد المرأة أو وصفها بـ "المجنونة"، إذا ظنّ أنّها "أخطأت" أثناء القيادة، وهو البلد الذي لا يمكن السباحة في بحر مدينته.



مجموعة من الكليشيهات. هي كذلك. كليشيهات. يردّدها اللبنانيّون منذ سنوات طويلة، طويلة جداً. وحتّى اليوم، الوضع على حاله وربّما أكثر سوءاً.

ثمّة غمامة تغطّي بيروت. إنها موجودة وإن قال كثيرون إنّها غير مرئية. أزمة النفايات مستمرة وربّما تستمرّ سنوات طويلة. نفايات ومياه وروائح كريهة وتلوّث والكثير غيرها. هل أُخطئ حين أشجّعه على الفرار؟ إنّه فرار من واقع سيجعله يعيش توتراً دائماً. فرارٌ من أشخاص يراقبون بعضهم بعضاً والآخرين طوال الوقت، ويمارسون النميمة...

نميمة والكثير من الأخبار. هل من بديل غير الفرار؟ النضال. ربّما. لكنّ المناضلين ما زالوا في الشوارع، ويرددون المطالب منذ ما قبل الحرب وبعدها. هنا، يولد أطفالنا قبل أن ندفعهم للهرب إلى الخارج.

دلالات

المساهمون