روسيا لم تعد تجذب المهاجرين

روسيا لم تعد تجذب المهاجرين

28 سبتمبر 2018
عائلة قرغيزية في روسيا (ألكساندر ريومين/ Getty)
+ الخط -
مع تشديد قوانين الهجرة، تزامناً مع الأزمات العاصفة بالاقتصاد الروسي منذ عام 2014، تظهر بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" تراجعاً كبيراً في عدد الأجانب الوافدين إلى عموم روسيا بمقدار الربع تقريباً، باستثناء العاصمة موسكو التي وصل إليها نحو 45 ألف أجنبي في النصف الأول من العام الجاري، أي بزيادة نسبتها 36 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2017.

ولمّا كانت قطاعات عدّة في الاقتصاد الروسي تعتمد على اليد العاملة الرخيصة الوافدة من جمهوريات آسيا الوسطى، وفي مقدّمتها طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان، ثمّة تساؤلات تُطرح حول قدرة روسيا على الاستغناء عن خدمات هؤلاء الشباب وحول قدرة أوطانهم على استيعابهم وسط تردي الأوضاع الاقتصادية.




في هذا الإطار، يشير عثمان باراتوف، وهو رئيس منظّمة "وطندوش" التي تجمع أبناء الجالية الأوزبكية في روسيا، إلى أنّ تراجع معدّلات تدفق المهاجرين من آسيا الوسطى إلى روسيا يعود إلى مجموعة من العوامل، محذّراً من أنّ عودتهم إلى بلادهم قد تفاقم الأزمات الاجتماعية فيها بسبب صعوبة العثور على فرص عمل هناك. ويقول لـ "العربي الجديد": "منذ عامَي 2012 و2013، ينتهج الكرملين سياسة مناهضة للمهاجرين الوافدين، وقد شُدّدت قوانين الهجرة وأُلزم الأجانب على تسجيل أنفسهم في أماكن إقامتهم فور وصولهم. كذلك أُدرج نحو مليونَي أجنبي على قوائم الممنوعين من دخول البلاد. أضف إلى ذلك تهاوي قيمة الروبل تحت وطأة العقوبات الغربية في عام 2014، ما تُرجم انخفاضاً في قيمة تحويلات المغتربين بنحو 50 في المائة".

وفي ما يتعلّق بالأوضاع المزرية التي بات يعيشها قطاع عريض من المهاجرين في روسيا، يقول باراتوف :"إذا كان راتب عامل نظافة نحو 400 دولار أميركي شهرياً، فإنّه لا يستطيع أحياناً تحويل حتى 100 دولار لأسرته، بعد خصم كل النفقات. وثمّة مهاجرون لا يجدون عملاً ولا يملكون موارد مالية لشراء تذكرة العودة، عدا عن تعرّض آخرين إلى الاستغلال من قبل أرباب العمل وعدم صرف مستحقاتهم. وقد شهدت موسكو عملية انتحار أحد المهاجرين".

ولا يعاني المهاجرون في روسيا من سوء الأوضاع المادية والمعيشية فحسب، بل يواجهون عنصرية متزايدة. وقد يوقفهم رجال الشرطة للتحقّق من أوراقهم في أحيان كثيرة، بينما يرفض أصحاب أملاك تأجيرهم بيوتهم، إذ إنّهم يشترطون أن يكون المستأجر سلافياً أي من أصل روسي أو بيلاروسي أو أوكراني. ويسأل باراتوف: "لماذا تعمل الشرطة بعنصرية؟ حتى جمهورية جنوب أفريقيا انتصرت على نظام الأبارتايد (الفصل العنصري)، لكنّه بات قائماً وسط موسكو. أمّا موقف السكان، فيعتمد على ما تروّجه وسائل الإعلام".

ومع ارتفاع عدد المهاجرين في روسيا، تحوّل هؤلاء إلى ورقة بيد السياسيين. عمدة موسكو سيرغي سوبيانين على سبيل المثال، أعرب قبيل انتخابات رئاسة بلدية العاصمة الروسية موسكو في عام 2013، عن عدم ترحيبه بتوطين المهاجرين وضرورة حصر دورهم بالأعمال الموسمية، داعياً إلى الاعتماد على العمالة الناطقة باللغة الروسية. كذلك فإنّ زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي فلاديمير جيرينوفسكي اعتاد على تبنّي لهجة معادية لغير الروس في خطابه السياسي.

وفي الوقت الذي تعتمد فيه اقتصاديات بلدان آسيا الوسطى على تحويلات المغتربين من روسيا، يحذّر باراتوف من عواقب وخيمة قد تترتب على عودتهم. ويقول: "بمجرد نفاد مواردهم المالية، سوف يحدث انفجار اجتماعي، إذ إنّ هؤلاء سوف يتوجّهون إلى الميادين، ما يمهّد لثورات وإراقة دماء"، لافتاً إلى أنّ ذلك "سوف يخلق مناطق توتر في جوار روسيا". ويتابع أنّه "من الأفضل القيام بأعمال النظافة في موسكو بدلاً من العمل على إسقاط الأنظمة في بلدانهم، وقرغيزستان على سبيل المثال سبق أن غيّرت رئيسها مرتَين".

وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، لا يجد ملايين الشباب بديلاً عن التوجه إلى روسيا بحثاً عن مصدر رزق وحياة أفضل، مستفيدين من إمكانية السفر بلا تأشيرات دخول. مع ذلك، تُعَدّ أوضاع المهاجرين من قرغيزستان وكازاخستان أفضل ممّا هي عليه في غيرهما، نظراً إلى عضوية بلدَيهم في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو ما يتيح لهم العمل في روسيا من دون ترخيص، بينما يحتاج مواطنو طاجيكستان وكازاخستان إلى تراخيص للعمل والبقاء على الأراضي الروسية لأكثر من 90 يوماً.




ويوضح باراتوف أنّ "هذا الوضع أدى إلى بقاء مواطني أوزبكستان في روسيا بصورة غير شرعية"، مقدّراً عددهم بـ"نحو مليون شخص سقطوا من الإحصاءات الرسمية". ويشير إلى أنّ "عدد المهاجرين النظاميين من أوزبكستان يبلغ نحو 1.8 مليون، والرقم قابل للارتفاع إلى 2.8 مليون في أشهر الصيف".