طلاب مصر... النظام يعيّن الاتحاد عبر انتخابات

طلاب مصر... النظام يعيّن الاتحاد عبر انتخابات

19 ديسمبر 2017
طلاب جامعة القاهرة في تظاهرة سابقة (الأناضول)
+ الخط -

نتائج انتخابات الاتحادات الطالبية التي أجريت الأسبوع الماضي في مصر، حُسِمت لصالح مرشّحي الدولة. وهي لم تأتِ مفاجِئة للمراقبين، ولا سيّما أنّ طلاب المعارضة لجأوا إلى مقاطعة العملية الانتخابية.

أُسدِل الستار على انتخابات اتحادات طلاب مصر، وسط مقاطعة واسعة ترشّحاً وانتخاباً، في 24 جامعة على مستوى مصر، الأمر الذي أدّى إلى تشكيل معظم الاتحادات إمّا بالتزكية أو بالتعيين. وفي جامعة الزقازيق مثلاً، حسم التمثيل الطالبي في الاتحاد بالتزكية في 13 كلية، ولم تُجرَ الانتخابات إلا في أربع كليات فقط. يُذكر أنّ نتيجة واحدة من بينها حُسِمت بالتعيين، لعدم اكتمال النصاب القانوني للناخبين. والمشهد نفسه تكرّر في عدد كبير من الجامعات والكليات الأخرى.

جامعة الإسكندرية كذلك، شهدت تراجعاً كبيراً في نسبة المشاركة في الانتخابات، وقد ترشّح 1561 طالباً وطالبة في 27 كلية، ليبلغ عدد المقبولين بعد فحص الطلبات 1397 طالباً وطالبة، في حين استُبعد 162 وتنازل 10 آخرون. وقد تلقّت اللجنة المشرفة 10 طعون من الكليات، ثلاثة من الهندسة وثلاثة من العلوم وطعناً واحداً من الطب البيطري وثلاثة من كلية الزراعة في سابا باشا. إلى ذلك، حُسِمت بالتزكية انتخابات 14 كلية، في حين لم يكتمل النصاب القانوني في ثماني كليات، فتقرر اختيار مجلسها بالتعيين. والكليات هي التجارة، والحقوق، والعلوم، والهندسة، والصيدلة، وزراعة سابا باشا، والفنون الجميلة، والطب البيطري.

وفي جامعة طنطا، شهدت الانتخابات إقبالاً ضعيفاً من قبل الطلاب للإدلاء بأصواتهم، وجرت المنافسة بين 979 طالباً وطالبة للفوز بـ798 مقعداً، هي إجمالي أعضاء 13 اتحاداً في الجامعة بواقع اتحاد في كل كلية. وقد حُسِم عدد من مقاعد اللجان في بعض الكليات بالتزكية، بسبب عدم ترشّح أكثر من طالبَين اثنَين، كذلك لم يترشّح أيّ طالب في بعض اللجان.

ويوم الخميس الماضي، أُعلِنت نتائج انتخابات الاتحادات الطالبية ولجان الأنشطة في كلّ من جامعة القاهرة وجامعة عين شمس وجامعة حلوان. وبيّنت النتائج في جامعة القاهرة فوز كلّ من شادي عبد الرحمن بمنصب رئيس اتحاد طلاب الجامعة بالتزكية، وحامد محمد حامد بمنصب نائب رئيس الاتحاد. كذلك أسفرت الجولة الأخيرة من الانتخابات في جامعة عين شمس، عن فوز كلّ من أسامة محمود مرشدي برئاسة اتحاد طلاب الجامعة بالتزكية، وعمر يعقوب بمنصب نائب رئيس الاتحاد. أمّا في جامعة حلوان، ففاز محمد عبد الكريم بمنصب رئيس اتحاد الطلاب بالتزكية، ومصطفى فريد عبد المنعم بمنصب نائب رئيس اتحاد الطلاب بالجامعة.

طلاب وعناصر أمن أمام الجامعة (محمد حسام/ الأناضول)


وكانت جامعات مصر قد أعلنت أسماء المرشّحين لانتخابات اتحادات الطلاب لهذا العام، بعد استبعاد معظم الطلاب الذين لا يُعرَف انتماؤهم والذين لا يعلنون صراحة ولاءهم وتأييدهم للسلطة. واستخدمت الجامعات لتنفيذ ذلك اللائحة التي أقرّتها الحكومة والتي تتيح عرض أوراق الطلاب المرشّحين على جهات أمنية، في حالة الشك في "نوايا المرشح" أو "كونه يروّج لأفكار سيئة"، وذلك عقب تقديم طعن كتابي بخط اليد من زملائه. وحدث ذلك بالفعل في أكثر من 14 جامعة حكومية على مستوى مصر، إذ قُبِلت طعون كثيرة ضدّ طلاب مرشّحين، وفي جامعة القاهرة على سبيل المثال قُبِل 51 طعناً. وكانت مصادر في رئاسة الجمهورية قد أكّدت لـ"العربي الجديد"، أنّ مدير مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعمل بحرص على أن تخرج نتائج انتخابات اتحادات طلاب مصر مثلما خطط لها، لا سيّما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها بعد نحو أربعة أشهر، وذلك للحصول على أكبر تأييد ممكن في الأوساط الطالبية، حتى وإن لم يكن حقيقياً.

وبحسب ما يرى مراقبون، فإنّ اعتقال طلاب التيارات الإسلامية والمدنية أدّى دوره في سيطرة الدولة التامة على الجامعات، لكنّه في الوقت نفسه دفع في اتجاه عزوف الطلاب عن المشاركة في الانتخابات الطالبية عموماً. ففشلت الدولة بالتالي في ملء الفراغ الذي تركه الطلاب المعتقلون.

تجدر الإشارة إلى أنّه في عام 2015، جرى تجميد الاتحادات الطالبية من قبل وزير التعليم العالي السابق، الدكتور أشرف الشيحي، بسبب وصول رئيس اتحاد طلاب طنطا عمرو الحلو إلى منصب نائب رئيس اتحاد طلاب مصر، بعدما تفوّق على مرشّحي الوزارة. والمعروف أنّ الحلو عضو في حزب "مصر القوية" التي يرأسه القيادي الإخواني السابق والمعارض المصري البارز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، كذلك هو صاحب موقف واضح من قضيّة حبس الطلاب ومشهور بمواقفه المعارضة للدولة.


وبعد عامَين من التجميد، أُجريت الانتخابات في ظلّ مقاطعة الطلاب المحسوبين على المعارضة، نظراً إلى سرعة إجرائها وعدم مشاركة هؤلاء في وضع اللائحة. وفاز الطلاب المختارون بعناية من قبل مكاتب رعاية الشباب التي تشرف عليها الأجهزة الأمنية، بعد استبعاد كلّ طالب ليس تابعاً لها أو للكيان الجديد الذي ظهر في عدد كبير من جامعات مصر تحت اسم "من أجل مصر" والذي يضمّ طلاباً تربطهم علاقات بأجهزة الأمن والمسؤولين التنفيذيين في المحافظات.

ويفيد طلاب وأساتذة استطلعت "العربي الجديد" آراءهم، بأنّ إضافة شرط النصاب القانوني للمشاركة في الانتخابات وهو 20 في المائة أو ألف صوت، أمر مستحيل في كليات ذات أعداد كبيرة مثل التجارة والآداب، بالإضافة إلى إجراء الانتخابات في نهاية الفصل الدراسي الأول بعدما كانت تجري في السابق في بداية العام، كلّها عوامل أدّت إلى فوز طلاب الدولة إمّا بالتزكية أو بالتعيين.

بالنسبة إلى وكيل مؤسسّي نقابة علماء مصر، الأستاذ في كلية التربية في جامعة الإسكندرية، الدكتور عبد الله سرور، فإنّ الأنشطة الطالبية تجمّدت تماماً وأنّ ما يجري في الجامعات مجرّد "فرقعة إعلامية". وقال في تصريحات صحافية سابقة إنّ "ما تشيعه بعض الجامعات الظلامية عن ملاحقات وتضييقات أمرٌ تسبّب في تخويف الطلاب، فضلاً عن تحذير الطلاب من القيام بأيّ عمل سياسي". أضاف أن "سبب العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية واللجوء إلى اختيار اللجان بالتعيين، هو إقرار وزارة التعليم العالي اللائحة الطالبية التي لا يعلم عنها الطلاب أو حتى الأساتذة شيئاً ولم تصل إلى الجامعات المصرية، وإعلان الوزير عن إقامة الانتخابات وفتح باب الترشّح من دون إعداد مسبق، وخصوصاً أنّ الانتخابات لم تجرِ منذ فترة طويلة".

أمّا الدكتور محمود خليل، فإنّ سبب إحجام الطلاب عن المشاركة بالنسبة إليه يعود إلى "حالة الضجر واليأس التي تسيطر على الشباب، بالإضافة إلى حالة الجفاف السياسي التي ضربت المجال العام في مصر خلال السنوات الأخيرة".

خلال اليوم الأوّل من الانتخابات الأخيرة (العربي الجديد)


ويرى مراقبون أنّ الجامعات كانت خارج السيطرة الأمنية حتى بدأت خطّة التحكم فيها أمنياً وإدارياً وقانونياً، إذ تعاقدت جامعات القاهرة مع شركة الأمن التابعة للمخابرات العامة المصرية وهي "فالكون" لتأمين الكليات، كذلك وضعت وزارة التعليم العالي مادة جديدة في قانون تنظيم الجامعات تعطي لرؤساء الجامعات حقّ فصل الطلاب بصورة نهائية من دون انتظار قرار مجلس التأديب، وهو الأمر الذي كان من اختصاص هيئة عليا تمنح الطالب المعاقَب فرصة أخرى قبل فصله نهائياً. وهي المادة التي أدّت إلى معاقبة عدد كبير من الطلاب وتخويف الآلاف من العقاب ذاته.

وكان 11 اتحاد للطلاب على مستوى الجامعات المصرية بالإضافة إلى لجان طلاب في أحزاب سياسية مصرية معارضة، قد أصدرت بياناً مشتركاً عن اللائحة الطالبية الجديدة التي أصدرتها الحكومة، جاء فيه: "رسخت شكوكنا بخصوص أهداف الوزارة محاولة استعادة أوضاع ما قبل 2011 وفقاً للائحة 2007 سيئة السمعة والمعروفة بلائحة أمن الدولة، وهو ما رفضه بعض رؤساء الجامعات. لكن تم تمرير أشهر بنودها وهو شرط النصاب (الأغلبية المطلقة في اليوم الأول و20 في المائة أو 1000 طالب في يوم الإعادة)، وتعيين الاتحاد من قبل الإدارة في حالة عدم تحقق الشرط إلى جانب إلغاء اتحاد طلاب مصر".

وعن جدول الانتخابات، ذكرت الاتحادات واللجان نفسها أنّه "لا يحتاج خبيراً في الأحوال الجامعية ليؤكّد أنّه تمّ وضعه بعناية فائقة ليتناسب مع عمل انتخابات بدون طلاب، فأولاً تُعقَد مع نهاية الفصل الدراسي الأول وبدء غياب معظم طلاب الكليات النظرية للاستعداد للامتحانات، وانشغال طلاب الكليات العملية بامتحانات أعمال السنة، وهو ما يتعارض مع مبرّر دفاع الوزارة عن شرط النصاب بأنّه يهدف إلى توسيع المشاركة في الانتخابات الطالبية. وثانياً ينطلق الجدول كقطار فائق السرعة فتتمّ الانتخابات على مستوى الدفعات والإعادة ولجان الكليات ورئيس ونائب الكليات ولجان الجامعة ورئيس ونائب الجامعة في خمسة أيام فقط، مقابل يوم واحد فقط للترشح ومثله للدعاية".

وتابعت الاتحادات واللجان نفسها في بيانها: "يبدو أنّ التزكية تحصل على معظم المقاعد، فالدفعات ليست كافية لتفريغ العملية من مضمونها، ولكن يجب أن تستعاد أجواء ما قبل 2011 بحذافيرها لتكون النتيجة النهائية هي التعيين".

المساهمون