عمالة الأطفال "مبرّرة" في مصر

عمالة الأطفال "مبرّرة" في مصر

01 مايو 2015
يشتاقُ محمد إبراهيم (الصورة) إلى مدرسته (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يكترثُ بعض المصريّين بقانونٍ يُجرّم عمالة الأطفال في مصر. وفي ظلّ البطالة والفقر والأوضاع الاقتصادية الصعبة، يبدو أن عمالة الأطفال لم تعد مشكلة أصلاً في هذا البلد، أو أنه لا ينظر إليها على هذا النحو.
في السياق، بيّن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالي عدد الأطفال العاملين في مصر يتجاوز مليوني طفل (ما بين 5 و17 عاماً)، مشيراً إلى أن 87.4 في المائة من الأطفال العاملين يعطون أولياء أمورهم المال الذي يحصلون عليه.
ويشيرُ التقرير إلى أن نسبة الإناث تصل إلى 23 في المائة من الأطفال العاملين، في مقابل 77 في المائة من الذكور. ويتركّز 42.7 في المائة منهم في ريف الوجه القبلي، في مقابل 40.8 في المائة في ريف الوجه البحري.

ينظر البعض إلى هؤلاء الأطفال باستعلاء، فيما يشفق عليهم آخرون. وفي الآونة الأخيرة، يمكن القول إن عمالة الأطفال باتت واقعاً اعتاد عليه الناس، وخصوصاً بعدما عملت الحكومات المتعاقبة على تبريرها. وعادةً ما تستحضر المؤتمرات مشكلة عمالة الأطفال وتناقش أبعادها الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها النفسية على الأطفال، من دون أن تقدّم أي حلول. وتخلص إلى أن هذه المشكلة قد تستغرق وقتاً طويلاً، ولا مانع من عمل الأطفال لتأمين لقمة العيش.
يحكي محمد إبراهيم (12 عاماً) قصته. يقول إن والده كان يملك "توك توك" (عربة)، وقد تعلم قيادته للترفيه عن نفسه حين كان ما زال في الصف الخامس ابتدائي. يتابع: "بعدما صرت أجيد القراءة والكتابة، راح يطلب مني قيادته في الفترات التي يكون فيها مشغولاً في أعمال أخرى". يضيف: "أخرجني من الصف السادس وبدأت العمل معه بشكل رسمي. صار يعطيني عشرين جنيهاً (نحو دولارين) في اليوم. في البداية، فرحت بترك المدرسة والمال. لكنني أشعر بالندم اليوم بعدما أدركت الفرق بين المدرسة والعمل".

في السياق، تشير أستاذة علم الاجتماع في جامعة القاهرة، نسمة أحمد، إلى أنه "لا يمكننا الحُكم على ظاهرة عمالة الأطفال في ظل الجهل والفقر وتدهور الوضع الاقتصادي وتزايد الضغوط الاجتماعية. مع ذلك، لا يمكن للدولة أن تتخلى عن مسؤولياتها وتجبر الأطفال على العمل. يجب أن تؤدي دورها أيضاً في مراقبة أعمالهم".
تتابع: "إذا كان عملهم ضرورة اجتماعية، يجب أن يكون مراقباً من الدولة، ومناسباً لأعمارهم. يمكنهم العمل في الصيد والغزل والنسيج وتدوير القمامة وتنسيق الحدائق وتلميع الأحذية والمطاعم والحلاقة والزراعة وغيرها".

في المقابل، ترى أستاذة علم النفس التربوي في كلية البنات في جامعة الأزهر، أمينة كامل، أن "عمالة الأطفال جريمة، والدولة مسؤولة عن حماية حقوقهم. لا يمكن إنكار الاستغلال الدائم للأطفال والضرر الذي يقع عليهم جسدياً ومعنوياً، حتى لو كانت الأعمال بسيطة". تضيف أن "أي عمل يتناقض مع حقوق الطفل، خصوصاً أنه يحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي". وتوضح أن نص الاتفاقية العربية رقم 18 لعام 1996 يُلزم الدولة بإجراء دراسات حول أسباب عمالة الأطفال، وقد حظرت عمل من هم دون الثالثة عشرة، مع مراقبتهم وحمايتهم والتأكد من أنهم في صحة جيدة. وتلفت إلى أن الاتفاقية "منعت تشغيل الأطفال في الأعمال الخطيرة أو المضرة بالصحة قبل بلوغهم الثامنة عشرة".

ولاء سعد أيضاً حرمت من طفولتها على غرار إبراهيم. كانت تريد حياة مختلفة غير التي تعيشها اليوم. تركت المدرسة لتعمل في تنظيف الشوارع وتساعد أسرتها، علماً أن أجرها لم يكن يتجاوز الـ58 جنيهاً (نحو ثمانية دولارات) شهرياً. تخاف الفتاة الشارع بسبب كل ما تعرضت له من تحرش وإذلال من قبل المارة. تضيف: "بعدما تركت المدرسة، كنت أرى زملائي يمرون من أمامي وهم يرتدون الزي المدرسي، فيما أرتدي اللباس الخاص بالتنظيف، وأجوب الشوارع".

أيضاً، تحكي أمّ، رفضت الكشف عن اسمها، قصة ابنها الذي بدأ العمل في مخبز وهو في الثالثة عشرة من عمره. تقول إن ابنها لم يعمل بسبب الفقر "بل ليتحمل المسؤولية". تضيف أننا "كنا ندخر له كل ما يكسبه. مع الوقت، ندمنا كثيراً. فبعدما كان متفوقاً في دراسته، صار يرسب". أكثر من ذلك، تقول إنه "في الشارع، عادة ما يلتقي الأطفال بأصدقاء السوء. وهذا ما حصل مع ابني الذي بات يتعاطى المخدرات، ولم يعد عقابنا له يجدي نفعاً".
وفي وقت تقف فيه الحكومات عاجزة عن حل مشكلة عمالة الأطفال، تحاول بعض الجمعيات الأهلية إطلاق مبادرات لحل الأزمة.