مدرّسون مدمنون على المخدرات

مدرّسون مدمنون على المخدرات

09 يونيو 2015
ثلاثة ملايين أفغاني يتعاطون المخدرات (فرانس برس)
+ الخط -
يواجه الشعب الأفغاني ملفاً ساخناً آخر، مع ارتفاع أعداد متعاطي المخدرات من قبل المدرّسين. وتشير التقارير الحقوقية والإعلامية إلى أنّ العشرات من المدرسين في شمال أفغانستان، وتحديداً في المناطق الحدودية المتاخمة لدول آسيا الوسطى يدمنون المخدرات. وهو ما يؤثر سلباً على تعليم الأطفال، وعملية التدريس ككل.

كما تشير التقارير إلى أنّ الظاهرة باتت تؤثر على سلوكيات التلاميذ، فقد دخل بعضهم إلى سلك التعاطي اقتداء بمدرّسيه.

من جهتها، تقول إدارة التعليم المحلية في إقليم بدخشان إنها أحصت خلال الأشهر الأخيرة نحو 160 مدرّساً بدأوا بتعاطي المخدرات، في أربع مديريات هي دواخان وشكاشم وزيباك وشغنان، الواقعة على الحدود مع طاجكستان. ولعل السبب هو أنّ هذه المناطق تعد معقل تجار المخدرات الذين يهربونها من أفغانستان إلى دول آسيا الوسطى.

في المقابل، يقول الزعيم القبلي ونائب رئيس المجلس الإقليمي، طالب الدين مير، إنّ "الظاهرة مثيرة للقلق، لكنها ليست غريبة أو جديدة". يتابع: "منذ سنوات نسمع عن بعض الأساتذة الذين يتعاطون المخدرات، من دون أن تتخذ الحكومة أو المجتمع المدني أي خطوة لمنع ذلك". لكنّ المثير للقلق في رأيه هو الارتفاع المفاجئ في عدد المتعاطين، وامتداد الظاهرة إلى التلاميذ، خصوصاً أنّ الأطفال والمراهقين يتأثرون بسرعة بأساتذتهم.

من جهة أخرى، يؤثر التعاطي على المسيرة التعليمية. فمعظم المدرّسين المتعاطين لا يحضرون إلى الفصول إلا نادراً. وإذا حضروا لا يفيدون تلاميذهم بشيء، بحسب أحد خريجي الثانوية العام الماضي عبد المحسن الذي رسب في امتحان القبول في الجامعة. ويضيف أنّ المدرّسين الذين يتعاطون المخدرات "عندما يأتون إلى المدرسة، ينامون في إحدى زوايا الفصل، ولا يدركون ما يدور من حولهم، فكيف يستفيد منهم الطلاب؟".

وفي هذا الإطار، يتبين من أرقام العام الماضي أنّ ثماني مدارس ثانوية في المديريات الأربع المذكورة، لم ينجح فيها أيّ طالب وطالبة في امتحانات القبول للجامعات. ويعتبر مير أنّ تعاطي المدرسين للمخدرات أحد أهم أسباب ذلك الفشل. وهو ما يؤدي إلى حرمان الطلاب من الانتساب إلى الجامعات الحكومية، وبالتالي حرمان معظمهم من التعليم الجامعي.

وبسبب غياب المدرّسين المدمنين على المخدرات عن فصولهم، يزداد الضغط على باقي المدرسين. في هذا الإطار، يقول إكرام الله وهو أحد الأساتذة الثانويين في إقليم بدخشان إنّ "من واجب الحكومة أن تفصل جميع الأساتذة المدمنين، بعد أن أصبحوا عبئا على المدارس والأساتذة وإدارة التعليم". يشير إكرام الله إلى أنّ الأزمة "ليست وليدة اليوم بل هي موجودة منذ عشرة أعوام تقريباً، لكنّ الحكومات الأفغانية المتعاقبة لم تقم بدورها الحقيقي، لتستفحل الظاهرة يوماً بعد آخر".

غير أنّ المسؤولين يرفضون الاتهامات الموجهة إليهم. ويقول مسؤولون في الحكومة المحلية إنّها أجرت إحصاء في المديريات الحدودية، وأحالت عددا كبيراً من الأساتذة إلى مراكز علاج المدمنين، لكنهم بعد تلقي العلاج عادوا إلى ما كانوا عليه. ويقول مسؤول إدارة التعليم المحلي شمس الله شمس، إنّ "الحكومة شكلت لجنة من الخبراء والمدرسين لمعرفة وإحصاء عدد المدرسين المدمنين، وسيتم علاجهم في المرحلة الأولى، لكن في المرحلة الثانية ستلجأ إدارة التعليم إلى إقالة جميع المدمنين".

في المقابل، يرى رئيس نقابة العمال سيد إنعام الدين أنّ "إقالة المدرسين المدمنين خطوة غير حكيمة، وستؤدي إلى خلق أزمة أخرى. لذا فمعالجة هؤلاء وتغيير أماكن عملهم، بالإضافة إلى بث الوعي بشأن أضرار المخدرات هي الخطوات المطلوبة".

تجدر الإشارة إلى أنّ الظاهرة لم تنحصر على بعض المناطق، أو في إقليم من دون آخر، بل باتت منتشرة في جميع مناطق البلاد. لذا قررت الحكومة الأفغانية إجراء مسح مدني لمعرفة أعداد المدرسين الذين يتعاطون المخدرات، واتخاذ خطوات مناسبة بشأنهم.

ويؤكد ارتفاع أعداد هؤلاء أنّ الأمر لا يحتمل التهاون والتقصير. وتقع المسؤولية على الحكومة والمجتمع المدني لتولي علاج المتعاطين، ووضع حد لهذه الظاهرة.

وتشير الإحصائيات الأخيرة التي أجرتها إدارة مكافحة المخدرات الأفغانية بالتعاون مع المؤسسة التي تعني بالقضية إلى أنّ ثلاثة ملايين من سكان أفغانستان (نحو 32 مليون نسمة) يتعاطون المخدرات بصورة أو بأخرى، مقارنة بمليون ونصف عام 2012. وهو ما يشير إلى خطورة الأزمة، وفشل الجهود المبذولة بهذا الشأن، بكلّ ما فيها من أموال ضائعة أنفقها المجتمع الدولي في أفغانستان، خلال العقد الماضي، في حملات مكافحة المخدرات.

إقرأ أيضاً: مليون ونصف مليون مدمن في أفغانستان