غزة لا تتمنى للعالم عزلاً تعرفه

غزة لا تتمنى للعالم عزلاً تعرفه

30 مارس 2020
لهو قبل الحجر (محمد الحجار)
+ الخط -

في شهر يونيو/ حزيران المقبل، يدخل الغزّيون عامهم الـ14 من الحصار الإسرائيلي على القطاع الذي عزلهم ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً عن العالم الخارجي، باستثناء أعداد قليلة استطاعت الخروج بشكل دوري للعلاج أو غير ذلك. في المقابل، على خلفية الوباء العالمي الجديد، تعيش اليوم معظم الدول نوعاً من العزلة بعدما منعت الحكومات السكان من التنقل الداخلي والخارجي، وعلّقت حركة الطيران والنقل البري. بدأت قيود التنقّل تُفرض على الغزيين بعدما سيطر الاحتلال الإسرائيلي على معابر قطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية عام 2000، وتدمير مطار غزة الدولي الذي افتتح عام 1998 في ديسمبر/ كانون الأول عام 2001. وعلى الرغم من توقيع اتفاقية المعابر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 2005، إلا أن الحصار الإسرائيلي في صيف عام 2007 عزلهم عن العالم.

في الشوارع الغزية اليوم، يقول البعض إن العالم يعيش حصاراً يشبه حصار غزة. وبعد إعلان عدد من الإصابات بفيروس كورونا الجديد في غزة، شعر البعض بالخوف، في وقت لم يبالِ آخرون بالأمر، هم الذين عايشوا تلك الظروف خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع، وخلال القصف الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة حتى إعلان هدنة وقف إطلاق النار، كما يقول أحمد الحواجري (40 عاماً). يضيف لـ"لعربي الجديد": "أمر محزن أن نرى العالم يعيش جزءاً مما عايشناه طوال السنوات الماضية، عندما أتيحت لي فرصة عمل في إحدى الدول الخليجية ولم أستطع السفر، إضافة إلى فرص أخرى خسرتها لأنني أعيش في سجن غزة. وفي الوقت الذي كنت أرغب فيه بالخروج من غزة من أجل الحياة والعمل، يعيش الآن سكان معظم دول العالم في سجن مفروض عليهم في منازلهم لحماية أنفسهم من مرض".

ويلفت الحواجري إلى أنّ الغزيين يتخوّفون من تفشي الفيروس، خصوصاً بعد إعلان وجود حالات إصابة بسبب عدم توفر إمكانات طبية بالمقارنة مع دول متقدمة في هذا المجال. "لكنّهم في الوقت نفسه، يتابعون آخر مستجدات انتشار الفيروس عبر وسائل الإعلام، إلا أنهم عالقون في الحصار وفي معاناة مستمرة منذ 14 عاماً. في المقابل، فإن سكان عدد من الدول يشعرون بحصار مرضي لم يتجاوز الشهر، ويكادون ينفجرون". في الوقت نفسه، يشعر بالحسرة بسبب كيفية التضامن العالمي مع مصابي الفيروس بالمقارنة مع قلة التضامن مع غزة، على الرغم من الضجة الإعلامية التي أثارتها وسائل الاعلام في كثير من مناسبات، منها خلال اشتداد الحصار الإسرائيلي، إلا أنهم اكتفوا بتضامن ومساعدات ليست مطلوبة". ويخشى أن ينتشر الفيروس في غزة من دون أن ينظر أحد إلى الغزيين، على غرار الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت في حقهم خلال الحروب الثلاث الأخيرة.



أما الحاج أبو أسامة حمدان (70 عاماً)، فيشعر بالحزن على الشعب الإيطالي بشكل خاص، بسبب ارتفاع عدد الإصابات اليومية ونسبة الوفيات. هو يحب الشعب الإيطالي ويعتبره قريباً وصديقاً للفلسطينيين، وأحبه أكثر منذ تتويج المنتخب الإيطالي بكأس العالم عام 1982 في إسبانيا، ومنحه الكأس لمنظمة التحرير الفلسطينية للفت النظر إلى القضية الفلسطينية. يقول لـ"العربي الجديد": "الفرق أننا عشنا في سجن كبير محاصرين من كل الاتجاهات ومراقبين من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية. لكن العالم اليوم يحاصره فيروس صغير يحرمه من الاختلاط. واليوم، لا يكترث كثيرون بالإصابة بالفيروس لأننا عشنا ظروفاً أكثر صعوبة منه، لكننا لا نريد لأحد أن يعيش ما نعيشه".

حرص على التعقيم (محمد الحجار) 

جاره فهمي النجار (65 عاماً) لا يكترث بالإصابة بالفيروس على الرغم من أنه يعي تماماً أنه خطير على كبار السن، فهو يرى أنهم عاصروا أزمات لم يعرفها غالبية سكان العالم، الى جانب أنهم واجهوا أمراضاً كثيرة وارتفاع معدلات الاصابة بالسرطان في مجتمع لم يسلم يوماً من القصف الإسرائيلي والموت. يتعجب وهو يشاهد الناس منفعلين من كورونا، ويقول لـ"العربي الجديد": "يريد الفيروس قتلنا مثلاً، فليقتلنا، كثيرون منا أصلاً ميتون، يعدون الأيام بالفقر والمرض والجوع والخوف من القادم، نحن في غزة كل يوم معرضون للموت منذ أن أغلقت علينا كل الأبواب خلال الحصار، جميعنا لدينا مرض نفسي، لكننا تعايشنا مع كل هذه الأمراض".



وتتذكر فدوى خطاب (35 عاماً) والدتها التي توفيت نتيجة إصابتها بمرض سرطان الرئة، لأن الحصار الإسرائيلي لم يسمح لها بالعلاج في مستشفيات الضفة الغربية بسبب الرفض الأمني قبل أربع سنوات، ووجدت صعوبة في السفر إلى مصر بسبب إغلاق المعبر حينها. ونتيجة اشتداد مرضها، توفيت قبل ثلاثة أعوام ونصف العام. تراقب خطاب كيف يحاول كثير من الدول الإسراع في إنتاج لقاح للفيروس. في المقابل، فإن كثيراً من الأدوية المتوفرة في العالم لا تدخل قطاع غزة، علماً أن بعض المرضى هم في أشدّ الحاجة إليها. تقول لـ"العربي الجديد": "محاصرون بسبب الفيروس؟ فما بالك بأن تكون مريضاً مقيّد الحرية ومحروماً من الدواء والرعاية السليمة في أشدّ الأوقات؟ على الرغم من هذا ومن عدم وجود قوى عالمية تدخلت لإنقاذ الغزيين في أشد أزماتهم، لا نتمنّى أن يعيش العالم ما عشناه، خصوصاً أن الفيروس وصل بالفعل إلى قطاع غزة".