عراقيات يروينَ ما تعرّضنَ له من عنف

عراقيات يروينَ ما تعرّضنَ له من عنف

25 نوفمبر 2018
حملة مناهضة للعنف ضد المرأة بالعراق (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

كثيرات هنّ النساء العراقيات اللواتي يفضّلنَ تحمّل مختلف أنواع العنف على أن يصرنَ ضحايا نظرة دونية، في مجتمع سادت فيه الأعراف والتقاليد التي تمنع المرأة من البوح بما تتعرّض له من عنف، قد يرتكبه في حقها أقرب الناس إليها. وفي غياب البيانات الخاصة بالعراق، إشارة إلى أنّ هيئة الأمم المتحدة للمرأة (هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة)، كانت قد أوضحت أنّ نسبة العنف ضدّ النساء في بعض البلدان تبلغ نحو 70 في المئة، في حين أكدت أنّ 37 في المئة من النساء في العالم العربي تعرّضنَ لعنف جسدي أو جنسي لمرة واحدة في حياتهن على أقل تقدير. أضافت أن النسبة قد تكون أعلى في الواقع، إذ إن عدم توفر الإحصاءات القادرة على توثيق كل الحالات قد يغيّر النتيجة.

أبرار (19 عاماً) أرملة وأم لطفل يتيم، تعيش في إحدى قرى محافظة ديالى. هي ما زالت تحلم بإكمال دراستها التي تركتها مضطرة قبل أكثر من أربعة أعوام، في المرحلة المتوسطة. تخبر "العربي الجديد": "تركت دراستي بعد الإذعان لرغبة والدي الذي أجبرني على الزواج وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وفي السادسة عشرة، أنجبت طفلي. بعد ذلك، خُطف زوجي في أثناء توجهه إلى عمله في أحد المقالع الواقعة شماليّ بلدة المقدادية. حينها، عدت إلى والدتي التي هجرها والدي بعدما أخذ معه كل أوراقنا الثبوتية". تضيف أبرار: "كنّا عاجزين عن القيام بأي شيء، ولا سيّما أننا لم نكن نملك المال ولا نعرف كيفية إنجاز معاملات في الدوائر الحكومية. وكان والدي يصعّب الأمور علينا كلما قصدناه، ويرفض مساعدتنا ويتهمنا بالجهل والتخلف ويهزأ بعدم قدرتنا على القيام بأي شيء أو تقديم شكوى".

تتابع أبرار أنه "في أحد الأيام، احتجت إلى استصدار بطاقة وطنية للتقدم إلى الامتحان الوزاري بهدف إكمال دراستي المتوسطة، وكان لا بدّ لي من الحصول على شهادة الجنسية. لكنّ والدي رفض تسليمها لي، فاتجهت إلى مركز للاستماع والإرشاد الاجتماعي والقانوني للمرأة لعلّني أحصل على مساعدة. أخبرتني المحامية هناك بأنها على استعداد لمساعدتي مجاناً، وطلبت منّي تقديم شكوى ضد والدي وإخباره بذلك قبل القيام بذلك الإجراء، لعلّه يسلّمني الأوراق المطلوبة. وبالفعل خشي ذلك بعدما تأكده من إمكان تقديمي شكوى ضده، فسلمني ما أحتاج إليه".




تشير أبرار إلى أنه "في محافظة ديالى وفي أخرى تُعَدّ منغلقة على نفسها ومحافظِة، ثمّة نساء وفتيات كثيرات تعرّضنَ إلى العنف (بأشكاله) من المحيطين بهنّ، غير أنّ أحداً لم يستمع إليهن وإلى معاناتهن. في الغالب، لا توجد حلول جذرية، في حين أنّ كثيرات يخشينَ الوصول إلى المحاكم أو المراكز المختصة لتقديم شكوى. فذلك بحسب الأعراف المتبعة يدين المرأة أكثر مما ينصفها". وتمنّت أن "تتبدل الأحوال وتُنصَف المرأة وتُحترَم، في ظلّ قوانين تحميها من عنف أسرتها والمجتمع".

تقول النائب في البرلمان العراقي هيفاء الأمين لـ"العربي الجديد"، إنه "إلى جانب الفعاليات التي نشارك فيها لمناهضة العنف ضد المرأة، نحن في صدد إعادة العمل بقانون مناهضة العنف ضد المرأة، إذ إن تشريع هذا القانون لم يكتمل في دورة البرلمان السابقة". وتشدّد على "حاجتنا إلى توعية كل فرد من المجتمع العراقي، وإلى تسليط الضوء على هذه القضية من الإعلام. فالعنف قد يطاول طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً، بغضّ النظر عن كون المستهدف رجلاً أو امرأة. العنف ليس ضدّ المرأة فقط". تضيف الأمين، أن "ثقافة المجتمع العراقي تمنع وصول الأفراد المعنفين إلى محاكم الأسرة، بينما لا تتوفّر مراكز إيواء لهؤلاء"، موضحة أن "الأرقام الرسمية لا تعكس حقيقة الأمر، نظراً إلى قلة المتقدمين بشكاوى ضدّ مرتكبي العنف".

الضرب المبرح والعمل الشاق هما ما تعانيه مديحة رسول (36 عاماً)، وتقول: "أستيقظ باكراً كل يوم، سواء كنت مريضة أو متعبة. لا يمكن لشيء أن يخفّف من أعبائي اليومية، وهي أعمال منزلية وأخرى في مزرعتنا الواقعة عند أطراف العاصمة بغداد". وتخبر "العربي الجديد": "لديّ ثلاثة أطفال في المرحلة الابتدائية من تعليمهم، وجميعهم في حاجة إلى مصاريف ووجبات يومية. أما زوجي فيجبرني على العمل الشاق في المزرعة بدلاً منه، فيما كل ما يقوم به هو الصراخ والشتائم والضرب المبرح لي ولأطفالنا من دون أيّ سبب. وعند مطالبتي إياه بالقيام بعمل وتأمين المال لكونه الرجل المسؤول عن أسرتنا، يزداد غضبه ويعلو صوته بالصراخ ويجبرني على العمل أكثر". تضيف مديحة، أنها حاولت طلب الطلاق في أكثر من مرة، "لكنني كنت أسأل نفسي: أين أترك أطفالي الثلاثة؟ ومن يعيلهم؟ فزوجي هددني بأخذهم مني في حال طلبت الطلاق مرة أخرى. استشرت محامية أخبرتني بأن الأطفال من حق الأم، لكن خوفي من تهديدات زوجي جعلتني أتخلّى عن موضوع الطلاق". وتشير إلى أنه "في إحدى المرات، ضربني زوجي بشدّة، لدرجة أنّ عيني اليمنى أصيبت بجروح، فلجأت إلى بيت أهلي الذين كانوا لي خير معين. حاولوا التخفيف عن كاهلي ومساندتي، وطلب والدي من أهل زوجي إقامة جلسة ردّ اعتبار. فتعهّد بعدم ضربي وتعنيفي من جديد، وبأنه سوف ينجز هو العمل خارج البيت. ومنذ ذلك الحين، تغيّر زوجي نوعاً ما وصار يخشى أن أشكوه لأهلي في حال ضربني مرّة أخرى". وتؤكد مديحة: "تعلمت من تجربتي ألا أسكت عمّا أتعرض له من ظلم في أيّ مجال، وأنه لا بد من أن يقف أحد إلى جانب المظلوم، فالسكوت عن الظلم والعنف هو عنف آخر أشدّ قساوة".




تفيد بيانات غير رسمية بأن ستّ نساء من كل 10 معنفات، لا يخبرنَ أي جهة بما يتعرّضنَ له من عنف، في حين أنّ النساء الباقيات يتحدّثنَ عن الأمر للعائلة والأصدقاء لا للشرطة. عن ذلك تقول الباحثة الاجتماعية رؤى الجبوري لـ"العربي الجديد" إنّ "نساءً كثيرات يكتمنَ ما يتعرّضنَ له من عنف، خصوصاً إذا كان عنفاً نفسياً أو تحرّشاً جنسياً. هنّ يرين أنفسهنّ مجبرات بشكل أكبر على كتمان الأمر خوفاً على سمعتهن أو على حياتهن، في حال لم تصدّق العائلة روايتهن. كذلك فإنّ العائلة تلقي اللوم غالباً على المرأة المعنّفة، على الرغم من أنها الضحية". وتشير الجبوري إلى أنه "في مركز الاستماع والإرشاد في ديالى، تصلنا يومياً ما لا يقلّ عن حالة أو اثنتَين لنساء تعرضنَ للعنف بمختلف أنواعه. فالمركز خاص بالنساء ولا يرتاده الرجال، وهذا أمر يبعث الطمأنينة في نفوس النساء المعنّفات. ونحن بدورنا نعمد إلى مساعدتهن بما يمكننا تقديمه من مشورة قانونية أو دعم نفسي وتوجيههنّ إلى أشخاص من ذوي الخبرة في إمكانهم تفهّم أمرهنّ ومساندتهنّ".

المساهمون