من مغاور إدلب إلى مسارح دمى ألمانيا

من مغاور إدلب إلى مسارح دمى ألمانيا

07 اغسطس 2016
يبتسمان دائماً (العربي الجديد)
+ الخط -

يعيش الفتيان محمد العثمان وخلدون العبد الله وهما لاجئان سوريان في مقاطعة تورنغن. الأوّل لم يتجاوز الخامسة عشرة والثاني السابعة عشرة من العمري، بالتالي هما قاصران بحسب القانون الألماني. تعرّفا إلى بعضهما خلال طريق الهجرة إلى ألمانيا، ليكتشفا أنّهما من القرية نفسها وأنّ قواسم عدّة تجمع بينهما.

عرف محمد وخلدون الحرب في الوطن، وحين اشتدّ القصف والقتال اختبآ في مغاور الجدّ. على الرغم من كلّ ما قاسياه، إلا أنّهما مبتسمان دائماً ومتفائلان ويحبّان المزاح، وكذلك نشيطان يعبّران عن بساطة ابن الريف ومحبته. وهما أيضاً قادران على الانفتاح على الآخر بكلّ ثقة وودّ.

كثيراً ما يتحدّث الفتيان عن والدتَيهما، وعن أيام الدراسة الصعبة في سورية، ويتحسّران على ما كان. يقول خلدون: "يا ليتني استطعت تحصيل البكالوريا قبل المجيء إلى ألمانيا". أمّا قسوة الأمّ أيام الدراسة، فتصبح ذكراها رحمة في الغربة. كذلك الأمر بالنسبة إلى ذكريات المغارة التي احتضنتهما طويلاً، إذ يصبح لها معنى آخر.

وجد الفتيان طريقهما إلى الاندماج في ألمانيا، من خلال مسرح الدمى، وكانت لهما تجربتهما الخاصة. رحّب العاملون في مسرح الدمى في مدينة سالفيلد بهما، وأخذوا على عاتقهم تعليمهما فنّ التحريك. يقول بيتر - خمسيني - الذي وجد في الشابَين ضالته، "نحن في حاجة إلى شباب يافعين يحرّكون الدمى. إنّها ثقيلة ونحن نتقدّم في السنّ، بالتالي يصبح تحريكها مع الزمن أمراً صعباً علينا". يضيف لـ "العربي الجديد": "لم نجعل اللغة حاجزاً بيننا. فنحن نعلمهما اللغة وتحريك الدمى في وقت واحد". في البداية، يطلب بيتر من محمد وخلدون أن يستخدما الدمى في مشهد تمثيلي عربي، حتى يعتادا عليها. فيستهلان حواراً بسيطاً أساسه الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من خمسة أعوام، ويسيران بالدمى على طول المسرح وعرضه، ويوازنان بين مشيتهما ومشية الدمية.




خلال التدريبات، يوجّه بيتر محمد وخلدون، قائلاً: "محمد! عندما تحرّك الأمير، عليك أن تشعر بأنّك هذا الأمير، وأن تتقمّص شخصيته وتصبّها في الدمية. وأنت يا خلدون، عندما تحرّك الشريرة صاحبة العصا، عليك أيضاً أن تخرج كلّ الشرّ الذي في داخلك وتصبّه في دميتك". ويوضح: "نحن نلعب الأدوار أولاً، قبل تحريك الدمى، حتى نتمكّن من تمثيل المشهد بطريقة صحيحة"، مشيراً إلى أنّ الذين يعملون في ذلك هم مجموعة من الهواة الذين قرروا منح جزء من وقتهم للهو والمرح بعيداً عن جديّة الحياة وصعوبة العمل. وهم يجسّدون قصص الأطفال العالمية".

في أوّل عرض مسرحي شارك فيه الفتيان، كان الأمر سهلاً عليهما. كان ذلك عرضاً راقصاً، ومهمتهما تحريك الدمى من دون كلام. يقول خلدون: "رقص الجاز ليس أمراً سهلاً. كان علينا تحريكها بسرعة وبأسلوب متناسق مع المجموعة". يضيف أنّ "المخرج طلب منّا جميعاً ارتداء قمصان بيض وسراويل سود. فقد سبق العرض بالدمى، مشهد مسرحي لنا. شعرنا بالخجل قليلاً. من مغاور إدلب إلى المسرح هنا، نقلة كبيرة على مستويات عدّة. من جهة، محاولة نسيان الحرب، ومن أخرى مواجهة الجمهور". ويتابع: "علينا أن نتحلّى بالشجاعة، وأن نكسر الصورة النمطية المأخوذة عن اللاجئ".

من جهته، يقول محمد: "عاملنا أعضاء الفرقة كأنّنا من أبنائهم. وصبروا على عجزنا عن التحدّث باللغة الألمانية، ورافقونا خطوة خطوة قبل العرض الأول". يضيف: "أريد أن أصبح ممثلاً كوميدياً. وأرى أنّ عليّ البدء منذ الآن بالتدريب. أمّا خلدون، فيجد في تحريك الدمى "فرصة للاندماج والتواصل مع الألمان ونسيان الآلام في وقت واحد".

تجدر الإشارة إلى أنّ الدمى التي يحرّكها محمد وخلدون، يقارب عمرها مائة عام. بعد خسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية، هرب صاحب الدمى من مدينة سالفليد في تورنغن إلى مدينة أخرى. وبعد بناء جدار برلين، وجد نفسه في غرب ألمانيا، فيما أصبحت مدينته في شرق البلاد. توفّي الرجل وظنّ الأبناء والأحفاد أنّ الدمى اختفت، فأصبح بالتالي مصيرها مجهولاً. لكنّ المفاجأة كانت بعد انهيار جدار برلين، إذ أعيدت هذه الدمى إلى سالفيلد إلى ابن صاحبها الأصلي، وهو الوريث الشرعي لها. وتحظى الدمى باهتمام بالغ من قبل القيّمين عليها، ويُصار إلى ترميمها من حين إلى آخر، حتى تبقى صالحة للاستخدام في العروض. وهي تُعدّ معلماً هاماً من معالم المدينة وموضوع جذب، لا سيّما مع تاريخها وحكايتها.

المساهمون