جمعيات إسلاميّة.. هذه تداعيات العمليات الإرهابية في فرنسا

جمعيات إسلاميّة.. هذه تداعيات العمليات الإرهابية في فرنسا

07 ديسمبر 2015
أثارت الاعتداءات موجة عالمية كبيرة من التعاطف (فرانس برس)
+ الخط -
وسط تخوّف من تكرار مشهد الاعتداءات الأخيرة في فرنسا، تقرّ جمعيات عربيّة إسلاميّة بأن "العيب فينا أيضاً". وتشير إلى أنها لم تعرف كيف تضبط الخطر وامتداده، مشددة على رفض الإرهاب

أتت الهجمات الإرهابية الأخيرة صادمة بالنسبة إلى جمعيات الجالية العربية الإسلامية ومنظماتها في فرنسا، لتدين جميعها ما جرى إدانة مطلقة. هي رأت في تلك الهجمات مَساً بمجموع مكوّنات المجتمع الفرنسي وتنوّعه، وتحديداً بالمواطنين الفرنسيين المتحدرين من ثقافة عربية وإسلامية. لكن قراءتها للحدث وتداعياته تختلف من جمعية إلى أخرى، لاعتبارات أيديولوجية وسياسية.

للاطلاع على آراء تلك الجمعيات، توجهت "العربي الجديد" إلى قيّمين على بعضها. عبد الرحيم بركاوي من مؤسسي "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" والمحاور الإسلامي الرسمي للسلطات الفرنسية، ويترأس اليوم جمعية "تجمع المسلمين في منطقة لانغدوك - روسيون" (وسط جنوب فرنسا). يقول إن "إدانة ما جرى مسألة مبدئية ومصيرنا في هذا البلد مرتبط بها". لكنه يعبّر عن أسفه لفشل المساعدة المفترضة على "الحدّ من التطرّف، ولانصراف الشباب وهم الفئة الأكثر هشاشة والتي تعاني من عدم الاستقرار إلى الإنترنت ليلتقوا بالوحش الداعشي". ويرى بركاوي أن "العيب فينا أيضاً. ونحن نتقاسم الخطأ لأننا لم نعرف كيف نضبط هذا الخطر وامتداداته في الوقت المناسب، أي قبل أن نبلغ هذه المآسي".

أما إبراهيم المالكي وهو القيّم على "جمعية الرقي والعمل" في مدينة مونبولييه، فيرى أن "العمل الجاد مع السلطات الفرنسية المختصة من أجل استئصال هذا التطرف ضروري، وهو الدليل على مواطنتنا". يضيف أن "سياسة النعامة يجب أن تتوقف، فغول التطرف يتهددنا جميعاً، ولن ينجح العيش المشترك ما دامت جاليتنا تفرّخ هذه الوحوش". ويؤكد المالكي على أن "كثيراً من العمل ينتظرنا، لإعادة بناء الثقة مع مكوّنات المجتمع الفرنسي الأخرى. وإذا كان المسؤولون السياسيون، لحسن الحظ، يدركون أننا في المَركب نفسه، فإن الفرنسي العادي يمكنه أن يسقط بسهولة في شرك التحليلات السهلة والبسيطة وفي الخلط الذي لا يخدم الأمن والأمان".

من جهة أخرى، ولمعرفة رأي بعض الجمعيات ذات التوجّه "العلماني" والتي تنشط تحت سقف "المواطنة"، سألت "العربي الجديد" الأكاديمي سمير البقالي وهو مؤسس جمعية موزاييك ورئيسها. والجمعية التي تتخذ شعار "العيش الأفضل معاً، في كنف الجمهورية"، تحدد أهدافها بوضوح: احترام قيم الجمهورية الفرنسية، والانخراط ضد كل أشكال العنف وضد كل أشكال التطرف، أكان سياسياً أم دينياً أم أيديولوجياً، ومن ثم الانخراط في حماية الحريات والنموذج الديمقراطي. يقول البقالي: "تعزز هذه المآسي الأخيرة من قناعاتنا المبدئية في العمل مع مجموع الفرنسيين، من الأعراق والديانات والمرجعيات كافة. وحينما كنا نشدد على مقاومة كل أشكال التطرف، كنا نعي حجم التطرّف الذي ينخر الجالية العربية الإسلامية، لذا حاولنا الانفتاح على كل المواطنين الفرنسيين. لا يعقل أن يعيش أفراد الجالية العربية الإسلامية معزولين عن الآخرين". يضيف: "ولعلّ تأكيدنا على دور الجمهورية الكبير ينبع من أنها تحضن الجميع. وهذه هي الحقيقة التي يتهرّب منها كثيرون، في حين يُفترض أن يقبلها الجميع، حتى نعيش معاً في وئام وأمان في هذا البلد". ويلفت البقالي إلى أن "ما حدث، سيدفع بكثيرين من أبناء الجالية إلى الانضمام إلى جمعيات تحثّ على المواطنة والحداثة والاختلاط، لأن فرنسا تحتاج جميع أبنائها ولأن التطرف لا مستقبل ولا حاضنة له. وهو ببساطة، لا يزرع سوى الموت".

بالنسبة إلى الأكاديمي حسين الرايس وهو من معهد الغزالي التابع لمسجد باريس، فإن "الأوان قد آن حتى يتخلص الفرنسيون المسلمون من جرثومة التطرف التي عمّرت طويلاً بينهم، وأن يقاوموا بكل ما يملكون مختلف أشكال التطرف، وأن تكون علاقاتهم مع الجمهورية الفرنسية واضحة لا لبس فيها". ويقرّ بأنه "لا يمكن لأحد أن يجد الأعذار لأي فعل إرهابي متطرف"، داعياً إلى "فهم حقيقي للقلق الذي يشعر به الفرنسيون، وإلى العمل على حصر كل المتطرفين وتخليص البلد منهم".

أما محمد زروليت وهو رئيس "فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا"، فيعبّر عن تقديره للدور الذي لعبته الأجهزة المغربية في تعقب الإرهابيين الوافدين من بلجيكا. ويشدّد على أن "الأمر يتجاوز الجاليات العربية الإسلامية في فرنسا وأوروبا، من هنا تناشد فدرالية الجمعيات المغربية في أوروبا، بتنسيق كل الجهود الدولية، أوروبية ومغاربية، لمحاصرة هؤلاء الإرهابيين". ولم يستثن زروليت أفراد الجالية الإسلامية من المسؤولية، قائلاً: "نحن مواطنون في فرنسا وأوروبا وعلينا أن نكون أوفياء لبلداننا الأوروبية، خصوصاً وأن الشرور، للأسف، تخرج من بين جموعنا". وعن التأثير على الجالية الإسلامية، يقرّ بأنه "على الرغم من أن أداء السياسيين الفرنسيين، حكومة ومعارضة، كان موفّقاً في التمييز بين الأغلبية الإسلامية المندمجة والمتضامنة مع شعبها وبين عصابة إرهابية شاذة، إلا أن علينا الأخذ بعين الاعتبار القلق المشروع الذي يعبّر عنه الفرنسيون بأكثريتهم، هؤلاء الذين لا يعرفون الفرق ما بين الإسلام والإسلاموية".

إلى ذلك، كان أثر الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس، كبيراً على الجالية العربية الإسلامية في فرنسا. من منطقة سين - سان - دوني التي تعدّ خزاناً للبؤس بسبب الفقر والبطالة وغياب الدولة، انطلقت العصابات الإرهابية لارتكاب فعلتها. في هذه المنطقة تقع مدينة إيبيناي - سور - سين، مقرّ جمعية "الاندماج الإسلامي في إيبيناي - سور - سين" التي يرأسها حميد بوشاكي، والتي تعمل على محو أمية النساء وتعلميهن بعض الحرف التي تمكّنهن من الحصول على حريتهن، من طهو وخياطة وتدرّب على الحاسوب وغيرها. تجدر الإشارة إلى أن أحزمة البؤس هذه في ضواحي باريس والتي كان للحزب الشيوعي الفرنسي تأثيره فيها على مدى عقود قبل أن يسعى اليمين واليسار الاشتراكي إلى تقاسمها بعد انهيار الحزب وغيابه شبه التام عن المشهد السياسي الفرنسي، تثير قلقاً لدى السلطات الفرنسية. وسكانها إلى جانب الفرنسيين الأصليين، هم من الفئات الفقيرة والهشة من عرب وأفارقة وآسيويين.

عن الدور الذي تلعبه المراكز الثقافية الإسلامية والجمعيات في فرنسا، يقول بوشاكي: "لا يجب أن يكون دينياً وتعبدياً فحسب. نحن لسنا جزيرة معزولة في بحر الشعب الفرنسي. نحن مواطنون فرنسيون، ويجب أن نعمل لفائدة مجتمعنا، فهمومنا واحدة مشتركة. صحيح أن لكل جماعة تاريخها وجذورها الخاصة، إلا أن المصير واحد وهو مصير الأمّة الفرنسية، وكذلك الأخطار التي تتهددها واحدة". ويسأل بوشاكي: "أليس محبطاً للآمال أن يقدّم المواطنون الفرنسيون في كل استحقاق انتخابي لمرشحيهم طلبات لبناء مدارس ورياض أطفال وطرقات وإنارة وحدائق، في حين يأتي بعض ممثلينا بطلبات لبناء مسجد؟ ألسنا معنيّين برفاهية أحيائنا التي نتقاسمها مع مواطنين فرنسيين آخرين غير مسلمين، وحدائقنا ومدارسنا؟ ألسنا معنيّين أيضاً بالجمال؟". وبحزن يضيف بوشاكي أن "كثيراً مما شيّدناه يبدو وكأنه تهدّم. هذا العيش المشترك في البيت الفرنسي نفسه. كنا نرى هذا السرطان، التطرّف الذي يبدأ من الانزواء مروراً بالتكفير انتهاءً بالقتل، ورحنا نحذّر منه السلطات والمواطنين. لست وحدي من يقول إن أكثر ضحايا هذا الإرهاب هم فرنسيون من أصول إسلامية". ويشدّد: "عبّرنا عن إدانتنا للإرهاب قبل هجمات شارلي إيبدو (يناير/كانون الثاني 2015) وبعدها. موقفنا الرافض للإرهاب مبدئيّ ونحن اكتوينا منه على الأرض".

ورداً على سؤال حول هذه الفوضى وحول كيفيّة استعادة الثقة، يقول بوشاكي: "نحن أوّل من شجّع أطفالنا على قراءة التاريخ المشترك الذي يوحّد الفرنسيين جميعاً. من هنا، كانت زيارتنا لمدينة فردان حيث امتزج دم الفرنسيين بدماء مسلمي المغرب العربي وأفريقيا الذين جاؤوا للدفاع عن فرنسا ضد الغزو الألماني". ويشير إلى أن بعد أيام "سننظم لقاءً يجمع فعاليات فكرية وروحية عربية وفرنسية في محاولة للإجابة عن أسئلة المرحلة". ويشدّد: "نحن متفائلون، لأننا متسامحون".

اقرأ أيضاً: قلق في أحياء باريس العربيّة