ليبيون يعدلون عن الإنجاب خوفاً من المجهول

ليبيون يعدلون عن الإنجاب خوفاً من المجهول

22 سبتمبر 2019
الأطفال مسؤولية كبرى (Getty)
+ الخط -

إنجاب الأطفال مسؤولية كبرى، فتربيتهم تستوجب جهداً خاصاً لا سيّما في ظروف غير سويّة من قبيل الحروب وغيرها. وهذا ما يدفع أزواجاً ليبيين إلى تأجيل ذلك.

ستّة أعوام مرّت على زواج معمر المهدي، وهو ما زال منذ ذاك الحين يسكن وزوجته في غرفة واحدة مع أهله، الأمر الذي جعله يتّخذ قراره بعدم الإنجاب. ويبرّر المهدي قراره لـ"العربي الجديد" متسائلاً "كيف أفكّر بالإنجاب وأين يعيش أطفالي فيما أسكن في حجرة مع أسرة بكاملها"، لافتاً إلى أنّه كان يفكّر دائماً بطريقة تمكّنه من "الاستقلال سريعاً في بيت خاص، لكنّ طموحي اصطدم بواقع الأزمات في البلاد. وأنا أحد ضحاياها". المهدي ليس حالة معزولة في ليبيا، ما يدفع الباحث الاجتماعي عبد الرزاق مخلوف إلى التحذير من تحوّل ذلك إلى ظاهرة في المستقبل القريب. ويشير مخلوف بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "تلك الظاهرة منتشرة في بلدان غير بلادنا، ويبدو أنّ الانفتاح على الغرب هو الذي تسبب في تسرّب مثل تلك القناعات إلى الأزواج الجدد". وبينما يقرّ مخلوف بـ"القصور على مستوى الدراسات التي من شأنها مواكبة المشكلات المجتمعية ودراستها ومحاولة علاجها"، إلا أنّه يؤكد "رغبة الليبيين بمعظمهم في زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة. هذا هو السائد في بلادنا حتى اليوم".

بدوره، اختار الطاهر قرافه قناعة المهدي نفسها، ويقول لـ"العربي الجديد": "أتهرّب من إلحاح والدتي بشأن إنجاب طفل آخر. والعدول عن فكرة الإنجاب يعود إلى الأوضاع المعيشية في ظل ظروف النزوح التي نعانيها". وقرافه يعيش مع أخته ووالدته في شقّة مستأجرة في حيّ النجيلة بطرابلس، بعد نزوحه من سبها (جنوب). ويخبر: "نزحت لأسكن بالقرب من أحد أقربائي هنا بهدف البحث عن وسيلة فضلى للعيش، لكنّني اليوم أعاني مضاعفات النزوح وعدم قدرتي على العودة إلى مدينتي. وهذا ما جعلني أقرّر عدم إنجاب أكثر من طفل". يضيف أنّ "والدتي تلحّ عليّ للإنجاب مرّة ثانية كوني أنجبت ابنة في الأولى. لا بدّ لي من إنجاب طفل ذكر، بحسب رأيها وبحسب رغبة زوجتي كذلك".

 هل من سأل عن مستقبلها؟ (جايلز كلارك/ Getty)

لا يرفض مخلوف تبرير أسباب تأجيل الإنجاب بسوء الأوضاع المعيشية، لكنّه يرى أنّ "انتشار الفكرة سبق الأزمة الراهنة". ويوضح أنّ "فكرة تحديد النسل رائجة منذ نحو عقدَين بسبب ثقافات غير واعية. والفكرة في أساسها سليمة وصحية غير أنّها تحتاج إلى توطين واعٍ وتهيئة الأزواج الجدد للسير وفقها بشكل صحيح وعلى الأقلّ من الجهة الطبية"، مشيراً إلى أنّ "اتخاذ مثل هذا القرار بطريقة عشوائية ومن دون الرجوع إلى الأطباء ذوي الاختصاص قد تترتب عليه سلبيات تطاول الأزواج أنفسهم". بالنسبة إلى مخلوف، فإنّ تقبّل مثل تلك الفكرة في إطار غير واعٍ هو من ارتدادات فترة سبعينيات القرن الماضي التي شهدت نسباً عالية في الإنجاب، وقد وصل متوسّط عدد أفراد الأسرة الواحدة إلى عشرة أفراد. حينها، سُجّلت معاناة اقتصادية في ظلّ ظروف سياسية معيّنة، الأمر الذي أدخل فكرة تحديد النسل في أذهان أفراد تلك الأسر، وقد راحوا يطبّقونها عند بلوغهم سنّ الرشد وتأسيس أسر خاصة بهم". ويؤكد مخلوف أنّ "المجتمع الليبي في أساسه يقبل فكرة تحديد النسل"، مستنداً إلى مثل محلي شائع يقول "خير الذرية ولدَين وبنيّة"، ما يعني ابنَين ذكرَين وابنة واحدة.

من جهته، يؤيّد صالح د. فكرة تأجيل الإنجاب وتحديد النسل، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أتممت خطوبتي قبل أربعة أعوام وكنت أنوي الزواج مباشرة، إلا أنّني أجّلت ذلك بسبب العسر المادي الذي أعانيه. وحتى اليوم ما زلت أسدد ديون بناء بيتي". ويتساءل: "كيف أفكر في احتمال إنجاب الأطفال وأنا في هذه الحالة؟ الفكرة مؤجّلة بالتأكيد". ويؤكد صالح: "أشعر بخوف من المجهول في ما يخصّ مستقبل البلاد. ثمّ، ما ذنب الأطفال المحتملين حتى يعيشوا النزوح والحرب والآلام يومياً؟ إنجاب الأطفال في هذا التوقيت فكرة غير صائبة".




أمّا نسيبة ن. فتعبّر عن خشيتها من "ارتفاع نسب الطلاق كواحد من تأثيرات الأزمات القائمة في البلاد". وتقول لـ"العربي الجديد": "أعرف حالات كثيرة هرب في خلالها الشاب من المسؤولية أو قُتل في إحدى المعارك أو هاجر من دون أيّ خبر. بالتالي، فأنا أؤيّد كلياً فكرة تأجيل إنجاب أطفال إلى حين تستقرّ أوضاع البلاد". وتذكر نسيبة "امرأة شابة تعاني من جرّاء تربية ثلاثة أطفال بعدما طلّقها زوجها هرباً من المسؤولية بعد عجزه عن مواجهة الظروف المادية وتراكم الديون عليه"، مضيفة أنّ "أهل تلك المرأة يعانون ثقل مصاريف أطفالها. فلماذا أعرّض نفسي إلى مثل تلك المخاطر؟ وهذا ما دفعني إلى إقناع زوجي بتأجيل فكرة الإنجاب، وقد نجحت".