مخابز خيرية لفقراء اليمن

مخابز خيرية لفقراء اليمن

27 يناير 2019
ينتظرون الحصول على الخبز (العربي الجديد)
+ الخط -

تنتشر المخابز الخيرية في اليمن لتمثّل حلاً لعائلات فقيرة كثيرة في البلاد، وخصوصاً تلك التي ساء وضعها من جرّاء الحرب المستمرة منذ نحو أربع سنوات، علماً أن بعضها اضطر إلى الإغلاق.

انتشرت أخيراً مبادرات مجتمعية لإنشاء أفران تقدّم الرغيف مجاناً للعائلات الأشدّ فقراً والنازحة في اليمن، ولا سيما بعد انقطاع الغاز المنزلي، وارتفاع أسعار الدقيق في ظل انهيار العملة الوطنية (الريال اليمني) أمام العملات الأجنبية. ويقول نائب المدير التنفيذي لمؤسسة زاد الخيرية حسين أبو طالب، وهي منظمة أسّسها شباب يمنيون مغتربون في الولايات المتحدة الأميركية، إن مجموعة من الشباب تبنوا مبادرة مجتمعية لتأسيس مخبز خيري في صنعاء من أجل توفير الخبز للمحتاجين والفقراء وعابري السبيل. يضيف أن أول مخبز خيري أُنشئ بداية عام 2018، ويؤمّن الخبز لأكثر من 500 أسرة فقيرة في المنطقة، من خلال بطاقات مُنحت للعائلات من أجل تسلّم حصصهم اليومية، لافتاً إلى أن هناك خطة لافتتاح أكثر من مخبز في مناطق أخرى في اليمن خلال الفترة المقبلة، لتغطية أكبر قدر ممكن من الأسر المحتاجة والمتضررة من الحرب.

ويشير أبو طالب إلى أنّ المبادرة استهدفت أيضاً 1200 تلميذ وتلميذة في ثلاث مدارس حكومية، ووفرت لهم وجبة إفطار مكونة من الخبز والجبن يومياً، بهدف تغطية 10 آلاف تلميذ وتلميذة في مدارس العاصمة صنعاء مستقبلاً. ويوضح أنّ الوضع الإنساني في اليمن يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، من جراء تداعيات الحرب التي انعكست سلباً على أحوال معظم العائلات اليمنية التي فقدت مصادر دخلها.




في هذا السياق، يؤكد محمد مهدي، المشرف على مخبز خيري في مدينة زبيد التابعة لمحافظة الحديدة غرب البلاد، أنّ الفرن يتولى توفير الخبز لـ 3600 أسرة من سكان المدينة الأشد فقراً، والنازحين وعابري السبيل بدعم من فاعلي الخير. ويقول مهدي لـ "العربي الجديد": "المخبز لا يتبع أي جهة حكومية أو سياسية، ويملك أكثر من 18 نقطة توزيع في مدينة زبيد القديمة، وهناك إقبال كبير عليه من السكان بسبب وضعهم المعيشي السيئ من جراء الغلاء، وعدم قدرة كثيرين على شراء الدقيق والغاز المنزلي". ويشير إلى أن بعض الأفران الخاصة لجأت إلى تقليص أحجام الخبز بسبب غلاء الموادّ الأولية. يضيف أن المخبز يستهلك في اليوم الواحد 8 أكياس دقيق (400 كيلوغرام)، وميزانيته التشغيلية تقدر بـ 40 ألف ريال يمني (80 دولاراً) يومياً، ويعمل فيه أكثر من 15 عاملاً، موضحاً أن سكان المدينة "يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة من جرّاء الحرب وتدفق النازحين من مناطق أخرى تابعة للمحافظة وضواحيها". ويدعو الجميع للتعاون مع المخابز الخيرية ودعمها، من أجل مساعدة أكبر قدر ممكن من الأسر المحتاجة والنازحة.

وتستفيد الكثير من الأسر من هذه المبادرات. من بينها أسرة أم عبدالله المقيمة في مديرية بني الحارث شمال صنعاء. تقول إنها تعتمد بشكل رئيسي على ما يقدمه فرن خيري في المنطقة، لإطعام أطفالها بعد وفاة زوجها. تضيف لـ "العربي الجديد"، أن لديها خمسة أطفال ولا تملك أي مصادر للدخل غير المساعدات التي يقدمها فاعلو الخير، مشيرة إلى أنها تتسلم ثلاثة أكياس خبز يومياً، وفي كل كيس ثمانية أرغفة.

متطوّعون يعدّون الخبز لمن يحتاجه (محمد حويس/ فرانس برس) 

من جهة أخرى، فإن مخابز خيرية أخرى أغلقت أبوابها وتوقفت مساعداتها، بعدما ساءت أوضاع من كانوا يتبرّعون لاستمرارها. في هذا السياق، يقول المواطن فاروق علي، القاطن في منطقة هبرة في مديرية شعوب التابعة لأمانة العاصمة، إن الفرن الخيري الذي كان في حيّهم توقف عن العمل، بعدما عجز المتبرعون عن تقديم التبرعات الشهرية. يضيف أنّ "القائمين على المبادرة كانوا يعتمدون على مساهمات الميسورين من سكان الحي. لكنّ أوضاع غالبيتهم المعيشية ساءت بسبب الحرب. لهذا، توقفوا عن دعم المبادرة فتوقفت مساعدات الفرن الخيري".

يضيف علي أنّ "المؤسسات الخيرية كانت تتعاقد مع أفران خاصة في الحيّ، ويحصل التوزيع من خلالها مرتين في اليوم صباحاً ومساءً، من خلال بطاقات تقدم للأسر". ويشير إلى أن عدد الأرغفة المخصص لكل أسرة يختلف بحسب عدد أفراد العائلة وحاجاتها". ويؤكد علي أنّ الأمور "كانت تسير بشكل جيّد، إلى أن جاءت الحرب وحرمت عائلات كثيرة من تلك المساعدات اليومية". يضيف: "بعض الجمعيات والمنظمات الإنسانية بدأت مؤخراً توفر الخبز مجاناً لبعض الأسر في المنطقة، إلا أن عملية التوزيع ليست شفّافة وتخضع للمحسوبية". ويلفت إلى أن غالبية الأسر في اليمن تعاني أزمة مالية صعبة، من جرّاء الحرب المستمرة منذ أربع سنوات، داعياً الجهات المعنية في الدولة والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني إلى إيجاد حلول للتخفيف من معاناة المواطنين، من خلال إيصال المساعدات إلى مستحقيها وصرف رواتب موظفي الحكومة".

وفي الحيّ نفسه، تقول أم ابتسام، إن القائمين على مبادرة توزيع الخبز غادروا اليمن هرباً من الاستهداف السياسي، مشيرة إلى أن معظم من كانوا يقومون على هذا المشروع ويجمعون التبرعات رجال دين. وتوضح أن "السلطات الحالية في صنعاء تعاملت مع الجمعية التي كانت توزع الخبز يومياً على أنها منظمة إرهابية".



ولا يتقاضى أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) رواتبهم منذ توقفها في سبتمبر/ أيلول عام 2016. ويعتمد سكان اليمن على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظّمات الدولية العاملة في المجال الإنساني منذ بدء الحرب في مارس/ آذار عام 2015، بحسب الأمم المتحدة. وتشير إلى أن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويحتاج 80 في المئة من سكانه (24 مليون شخص) إلى المساعدات الإغاثية العاجلة.