الزواج العرفي منتشر في موريتانيا

الزواج العرفي منتشر في موريتانيا

20 مارس 2017
الأعراف تحكم البلاد (Getty)
+ الخط -
في موريتانيا تغيب العقود الرسمية عن الزواج. معظم أبناء البلاد لا يملكون تلك الأوراق الصادرة عن المأذونين الشرعيين

جرت العادة في موريتانيا أن تعقد الزيجات بحسب الأعراف والتقاليد شفهياً، وفي أحسن الأحوال بخط اليد بحضور قاض أو رجل دين مقرّب من الأسرة توكل إليه مهمة تحرير عقد عرفي يتضمن جميع أركان وشروط الزواج. لكنّ العقود الرسمية الصادرة عن مأذونين شرعيين قلّما تكون حاضرة.

بذلك، فالزواج العرفي في موريتانيا منتشر وعلني عكس بلدان أخرى، وهو الزواج الرئيس في البلاد إذ يتضمن جميع بنود وشروط عقد الزواج كشهادة الشهود وحضور وكلاء الزوجين. وتعتمد هذه الزيجات بشكل كبير على الإشهار الذي يمنحها قوة ومصداقية تضاهي شرعية الزواج الرسمي، فلا يمكن لأحد أن يشكك في هذه الزيجات التي تمنح المرأة جميع حقوقها أثناء الزواح وفي فترة العدة وبعد الطلاق.

في الحالات التي يحضر فيها رجل الدين المكلف، يحرر عقد الزواج العرفي بكتابته في ورقة عادية تتضمن شروط الزوجة وحقوقها وتوقيع الشهود ووكيلي العروسين. ويحلّ هذا الاتفاق المكتوب بين الطرفين محل العقد الشرعي، ويمكن تقديمه لتأكيد العلاقة الزوجية، فالدوائر الحكومية تعتبره شرعياً ويترتب عليه ما يترتب على الزواج الشرعي، من نفقة ومتعة وإقرار البنوة وتسجيل الأولاد وجميع حقوق الزوجة.

لكنّ بعض الموريتانيين يضطرون إلى توثيق عقود الزواج في الدوائر الرسمية، إذ تفرض ذلك بعض الوحدات العسكرية وشركات التأمين ليستفيد الموظفون من بعض الامتيازات والتأمينات التي تمنح للزوجة والأطفال. كذلك، يفرض الزواج من أجانب توثيق العقد لدى الإدارة العامة للتصديق.

يقول الموظف في إحدى إدارات التوثيق الرسمية أحمد ولد لعريبي إنّ العسكريين والأجانب هم الأكثر إقبالاً على توثيق عقود الزواج بسبب حاجتهم إلى العقود الرسمية لتقديمها إلى الإدارات أو دوائر الأجانب. يعتبر أنّ تفضيل الموريتانيين الزواج العرفي على الموثق والرسمي يعود إلى الثقافة الشعبية التي ساعدت في انتشار هذا النوع من العقود حتى في معاملات البيع والشراء. يعتبر أنّ الوعي بأهمية توثيق العقود يتنامى بين الموريتانيين فقد أصبحت عقود البيع والشراء لا تجري إلا عن طريق موثق بعدما كانت الكتابة بخط اليد وشهادة الشهود تكفي. يؤكد أنّ الفترة الأخيرة تشهد إقبال الموريتانيين على توثيق عقود الزواج خصوصاً في أوساط الجيل الجديد المتأثر بمتطلبات الحياة العصرية.

تتعدد الأسباب التي تدفع الموريتانيين إلى تفضيل الزواج العرفي على الرسمي، فبالإضافة إلى الثقافة الشعبية التي ما زالت تعطي الأولوية إلى زواج الفاتحة وكتابة العقد يدوياً بحضور الشهود، يعتبر الموريتانيون أنّ الزواج العرفي أسهل وأقل كلفة من الزواج الرسمي الذي يحتاج إلى كثير من المستندات. وطالما إنّ في إمكانهم توثيق الزواج العرفي في ما بعد خصوصاً بالنسبة إلى العسكريين، فإنّه يظل أنسب وأسهل من الزواج الرسمي.

في المقابل، لا تخلو هذه العقود العرفية من بعض الأمور اللافتة. من ذلك أنّ بعضها يتضمن عبارة "لا سابقة ولا لاحقة، وإلا فأمرها بيدها" وهو شرط يلغي كلّ زواج سابق ويمنع أيّ زواج لاحق. وإذا تزوج الرجل من امرأة أخرى بات أمر الزوجة الأولى بيدها، فإمّا أن تقبل، أو ترفض فتحصل على الطلاق مباشرة.

ومن مساوئ الزواج العرفي تشجيع زواج القاصرات خصوصاً أنّ بعض الوسطاء يتخذونه تجارة ويشجعون الأسر على وقف دراسة المراهقات وتزويجهن لمساعدة تلك الأسر مادياً خصوصاً في الأرياف والبوادي.

في هذا الإطار، يعتبر الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد البوه أنّ عقود الزواج العرفي في موريتانيا ليست مشابهة لتلك المعروفة في الدول العربية: "الزواج العرفي في موريتانيا يتميز بالإشهار وشهادة الشهود لكنّه لا يكتب في الوثيقة الرسمية للمأذون أو غيره. إذاً، هو مختلف عن الزواج العرفي الذي تقوم فيه المرأة غالباً بتزويج نفسها من دون موافقة أو علم وليها وأهلها ويتسم بالسرية التامة".

يضيف ولد البوه أنّه إذا كان هناك اختلاف في مدى صحة الزواج العرفي في الدول العربية فليس هناك أيّ خلاف حوله في موريتانيا، إذ إنّ أسلوب الحياة الاجتماعية هو ما جعل الموريتانيين يفضلون الزواج العرفي على الموثق والرسمي. ويشير إلى أنّ المرأة التي تتقدم بعقد عرفي إلى القضاء تحصل على جميع حقوقها أثناء العدة وبعد الطلاق، ولا يوجد تمييز بينها وبين من تملك عقداً رسمياً. ويشير كذلك، إلى أنّ قوانين الأحوال الشخصية التي يجري تحديثها حالياً قد تحمل تغييرات إيجابية لتسهيل إبرام عقود رسمية.

المساهمون