مدارس كورونا... حالة طوارئ بسبب الوباء العالمي

مدارس كورونا... حالة طوارئ بسبب الوباء العالمي

15 مارس 2020
وقاية ما قبل الإقفال في اليابان (Getty)
+ الخط -

تتسارع أحداث وباء كورونا الجديد، حول العالم، ولا شكّ في أنّ إجراءات الدول في مواجهة الفيروس الخطير متفاوتة بتفاوت حالات الإصابة، خصوصاً مع عدم التوصل بعد إلى لقاح أو دواء، فما وضع التعليم في هذه الأزمة؟

تداعت دول العالم تباعاً لاتخاذ إجراءات عدة بهدف مكافحة تفشي فيروس كورونا الجديد، من قبل إعلان منظمة الصحة العالمية عنه جائحة، بما تعنيه من وباء عالمي. ولعلّ أبرز الإجراءات استهدف منع التجمعات، وأبرز هذه التجمعات على الإطلاق هي التجمعات التعليمية، في الحضانات والمدارس والجامعات والمعاهد والمدارس المهنية والفنية والتدريبية، وغيرها من مراكز التعليم الخصوصي. قد يكون هناك تفاوت بين دولة وأخرى، وبين مدرسة وأخرى في مستوى الاكتظاظ، إذ يصل عدد تلاميذ الصف الواحد في دولة معينة أو مدرسة معينة إلى 20 تلميذاً، بينما يرتفع العدد في بعض الدول والمدارس إلى 50 وربما أكثر، أما قاعات الجامعات ومدارجها فقد تضمّ في اللحظة نفسها أعداداً هائلة قد تصل إلى 300 طالب في بعضها.




هكذا، جاءت توصية منظمة الصحة العالمية في خصوص التجمعات، وبالرغم من أنّ إصابات الأطفال والمراهقين والشباب، وهم الفئة التي تتلقى التعليم، أقلّ بكثير من غيرهم، فإنّ المؤسسات التعليمية لا تضمّ هؤلاء فقط، بل كوادر تربوية وإدارية وعمالاً عاديين تجب وقايتهم، والاحتماء منهم في حال إصابتهم، بل إنّ الصغار، وإن كانوا أقل عرضة للإصابة - والمسألة فيها جدال كبير هنا أيضاً - فإنّهم ناقلون شرسون لأيّ فيروسات، ومن بينها كورونا الجديد.

الصين بدأت موجة إقفال المؤسسات التعليمية في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما بدأت فيها جائحة كورونا الجديد في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تبعتها مباشرة اليابان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، لتنتقل موجة الإقفال إلى الشرق الأوسط وأوروبا، وأخيراً أميركا الشمالية.

في اليومين الأخيرين فقط بدأت دول جديدة إقفال المدارس والجامعات، بعضها لأسبوعين، وبعضها الآخر لأجل غير مسمّى، فيما مددت دول أخرى الإجازة القسرية التي أعلنتها سابقاً. ومن دول الفريقين، هناك في الوطن العربي كلّ من مصر وسلطنة عمان ولبنان وسورية والعراق والمغرب والجزائر وليبيا وتونس، وسبقتها قطر والكويت والسعودية والبحرين والإمارات وفلسطين، أما اليمن فقد أنهى العام الدراسي بكامله. وكذلك، أعلنت في اليومين الماضيين كلّ من الولايات المتحدة، وفرنسا، وولايات ألمانية عدة، وتركيا وإستونيا وبلجيكا والبرتغال وإندونيسيا وأفغانستان والمجر وغيرها عن إقفال جميع المؤسسات التعليمية في البلاد، وسبقتها إسبانيا فيما تستعدّ بريطانيا للاحتمال.



لكنّ الإقفال يخلق أزمة في ظلّ عمل الأهل. وفي مثال على ذلك من اليابان، أظهرت دراسة استقصائية أجرتها وكالة أنباء "كيودو" أنّ مدارس عدة في المدن الكبرى توفر فصولاً دراسية مفتوحة للتلاميذ، بالرغم من قرار الحكومة بإغلاق المرافق التعليمية اعتباراً من 2 مارس/ آذار الجاري، مع المخاوف المستمرة من انتشار الوباء العالمي. وتبرير أولياء الأمور في إرسال أبنائهم إلى المدارس غياب أيّ طريقة أخرى لرعايتهم نهاراً بينما يواصلون هم أعمالهم. واشتكى الأهل في جميع أنحاء البلاد من ضيق الوقت للاستعداد لإغلاق المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، الذي جرى تنفيذه مباشرة بعد الإعلان عنه، ما دفع 77 في المائة من البلديات التي شملتها الدراسة وعددها 87 في مناطق حضرية، إلى توفير أماكن للأطفال الذين لا يتمكن أهلهم من أخذ إجازة عمل، لإمضاء الوقت إلى حين عودتهم، ومعظم هذه الأماكن هي المدارس نفسها التي يذهب إليها الأطفال عادة، لكن مع تعديل النشاط الذي يمارسونه في المدرسة ليصبح أقرب إلى الواجبات التي تقدم للتلاميذ الذين التزموا منازلهم. وقال الاستطلاع إنّ 29 بلدية من أصل 87 قالت إنّها لا تستطيع إغلاق المدارس، بناء على طلب الحكومة، لأنّها تحتاج إلى وقت طويل لضمان رعاية الأطفال بشكل صحيح، مشيرة إلى أنّه سيجرى تنفيذ إجراءات كافية لمنع العدوى في الفصول الدراسية. لكنّ بعض المسؤولين قالوا إنّ منع العدوى في هذه الحال هو التحدّي الأبرز. وقال مسؤول في حكومة بلدية هيميجي في ولاية هيوغو: "يمكننا توفير أماكن لإبقاء قسم من الأطفال، لكنّ توفير مرافق واسعة بما فيه الكفاية للجميع لمنع العدوى مسألة مختلفة". وطلبت بلديات عدة شملها الاستطلاع من الحكومة المركزية توفير كمامات كافية ومطهراً للتلاميذ غير القادرين على البقاء في المنزل وحدهم.




لكن، ماذا عن إقفال المدارس نفسه، هل هو قرار حكيم لمواجهة الفيروس؟ وما هي البدائل بالنسبة للتلاميذ؟ وما الآثار التربوية لتوقف التلاميذ عن الذهاب إلى المدرسة والاكتفاء بنشاطات منزلية؟

في هذا الإطار، تقول التربوية اللبنانية، المتخصصة في علم الاجتماع التربوي، لور رمال، لـ"العربي الجديد"، إنّ إقفال المدارس خطوة ضرورية، وتجد أنّها في لبنان مثلاً تأخرت (أقفلت في 28 فبراير/ شباط الماضي، وجرى التمديد، علماً أنّ الإصابة الأولى بفيروس كورونا الجديد في لبنان، سجّلت في 21 فبراير). وتشير إلى أنّ تأخير الإقفال كلّف أحد المعلمين حياتهم، في إشارة إلى إحدى الوفيات، وهي لمعلم في معهد مهني يبلغ من العمر 55 عاماً، توفي الأربعاء الماضي. تضيف أنّه بالرغم من أنّ وزير التربية والتعليم العالي، طارق المجذوب، أصدر تعميماً، قبل قرار الإقفال، بضرورة عدم إرسال التلاميذ من مخالطي الحالات المشتبه بإصابتها إلى المدارس، فالأهل غالباً لا يمكن أن يلتزموا ويتركوا أولادهم في البيت فيما المدارس مفتوحة "إذ لا نملك الثقافة اللازمة، والوعي الكافي بخطورة المرض، وهكذا كان الاستخفاف هو المسيطر، وما زال قائماً لدى البعض" بالرغم من اقتراب لبنان أمس من 100 إصابة، مع تسجيل 3 وفيات. تشدد على الإقفال: "البيئة المدرسية حتى لو طبقنا فيها أقصى درجات التعقيم لا يمكننا اكتشاف حالات التلاميذ الذين يحملون الفيروس حين يكون في فترة الحضانة، خصوصاً مع عدم ظهور أعراض على حامل الفيروس سريعاً، ما يتيح له وقتاً كافياً لنقل العدوى إلى زملائه الذين يجاورونه في الصف ويستخدم معهم أدوات مشتركة أحياناً، ومعلميه". تتابع: "العام المدرسي وكلّ شيء يمكن أن يعوَّض، إلّا الصحة، فالتلميذ ربما يتغلب على المرض لكنّ أهله وجده وجدته ممن يمكن أن ينقل إليهم العدوى، قد لا ينجون منه".



في المقابل، تشير رمال إلى أنّ الخسائر التربوية كبيرة، خصوصاً أنّ العام الدراسي لم يكن منتظماً في لبنان منذ البداية، فالمدارس الخاصة قدراتها كبيرة، ويمكنها أن تتابع التعليم عن بعد بطرق مختلفة، ربما، لكنّ إمكانات المدارس الرسمية محدودة في هذا المجال. تشير إلى أنّ من المفيد الطلب من التلاميذ أداء التمارين والواجبات، كي يبقوا في جو الدراسة ولا ينسوا ما اكتسبوه حتى الآن. أما عن طرق التعليم البديل، فتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه من الواجب أن تكون متعددة، ومنها استحداث قناة إعلامية لشرح الدروس، خصوصاً لصفوف الشهادات الرسمية (التاسع والثالث الثانوي في لبنان). وهو اقتراح يتوافق مع ما طالب به بعض البرلمانيين، خصوصاً لجهة تحويل "تلفزيون لبنان" الرسمي إلى قناة تعليمية تقدم المنهج للتلاميذ وهم في منازلهم. كذلك، تقترح رمال اعتماد المدرسين على موقع "يوتيوب"، خصوصاً أنّ الإنترنت متوفر والتلاميذ قادرون على مشاهدة الدروس عبر الموقع. وتلفت إلى أنّ المطلوب من المدارس التي تملك منصات إلكترونية خاصة بكلّ صف، أن تفعّلها وتقدّم شرح الدروس للتلاميذ من خلالها، من دون الاكتفاء بطلب الواجبات، كي لا يتكل التلاميذ على أهلهم وحدهم.




تجدر الإشارة إلى أنّ تعطيل المدارس، كإجراء احترازي، يضع مسائل عدة على طاولة البحث، من بينها قدرة التلاميذ على التحصيل السليم للدروس كما لو كانوا داخل المدرسة، مع تفاوت قدرات المدارس على إحاطتهم بالجو التربوي الملائم وهم في منازلهم. كذلك، تطرح مسألة أخرى مرتبطة بالتعليم المنزلي، الذي بات البعض يروج له كبديل من المدارس و"صفوفها ومقاعدها" المصممة أساساً لتلبية احتياجات المصانع في القرن التاسع عشر بالتزامن مع الثورة الصناعية، والتي "لم تعد ملائمة لعصرنا الحالي". وهناك مسألتان ماليتان على صلة بالمؤسسات التعليمية، إذ يصرّ كثير من الأهل على عدم دفع الرسوم في المدارس الخاصة طالما الدراسة متوقفة فيما تصرّ إدارات المدارس على طلب الرسوم. أما المسألة المالية الأخرى فهي ترتبط بالمعلمين والأساتذة المتعاقدين، الذين يتقاضون مستحقاتهم بنظام الساعة، فإن لم يؤدوا ساعات التعليم لن يتقاضوا المال ببساطة، وهو ما يرتب أزمة بدوره.

المساهمون