اعتداءات جنسية في مهرجانات صيف فرنسا

اعتداءات جنسية في مهرجانات صيف فرنسا

20 اغسطس 2019
من مهرجان هولي في نيم (Getty)
+ الخط -

مع المهرجانات الموسيقية الفرنسية، خصوصاً التي تنظم في الهواء الطلق، يعود الحديث بين الفرنسيين عن ازياد حالات التحرش والاعتداء الجنسي.

بدأت السلطات الأمنية في فرنسا في الانتباه إلى حالات التحرش والاعتداء الجنسي في المهرجانات الموسيقية التي تنظم صيفاً في البلاد، بعد تجاهل طويل. كذلك، فإنّ منظّمي المهرجانات باتوا يأخذون هذه الاعتداءات التي تصل أحياناً إلى حدّ الاغتصاب، في عين الاعتبار، ويفكرون في وسائل لردعها.

الشكاوى حول الاعتداءات تصل بصعوبة إلى المسؤولين عن هذه المهرجانات، المهووسين غالباً بإنجاحها في السنوات المقبلة. لكنّ هذه الحالات، التي تظهر إلى العلن، تبقى قليلة قياساً مع ما يحدث في الأساس، والسبب أنّ النساء الضحايا لا يرفعن شكاوى غالباً، كما أنّ التحقيقات طويلة ومرهقة، بالإضافة إلى صعوبة توفير الأدلة.

من حين إلى آخر، وبعد فوات الأوان تلجأ ضحية ما إلى شبكات التواصل الاجتماعي، للحديث عن الاعتداء الذي تعرضت له، بحثاً عن شهود من أجل تحديد الشخص الذي اعتدى عليها، كما لجأت إلى ذلك، يوم 29 يونيو/ حزيران الماضي، امرأة اعتدي عليها في مهرجان موسيقي في بلدة كليسون في إقليم لوار - أتلانتيك، بعدما جرى تخديرها. لكنّ منظمي هذا المهرجان اعترضوا على ما قالته السيدة، متذرعين بأنّ الضحية لم تتعرف على المعتدي ولم ترفع شكوى لدى الشرطة. ولأنّ القضية جدية، وتطرح في كلّ مهرجان موسيقي يشهد تدفقاً بشرياً، تأسست جمعية "كونسونتيس"، وهي جمعية مكافحة العنف الجنسي في الأوساط الاحتفالية، وتهدف إلى تشجيع ثقافة الجنس بالتراضي، كما تدعو إلى "إمكانية كلّ شخص، من دون تمييز مرتبط بالنوع الاجتماعي والسن والتوجه الجنسي والأصول الاجتماعية والإثنية والجسم والملبس، في أن يرقص بحرّيّة". تحاول هذه الجمعية توعية المنظّمين بتحمل مسؤولياتهم، أي عدم تجاهل هذه الشكاوى، وعدم ترك الضحايا وحدهن، منتقدةً موقف الجهات المنظّمة للمهرجان الموسيقي من هذه السيدة التي لجأت إلى شبكات التواصل الاجتماعي، باعتباره تملّصاً من المسؤولية ومحاولة لنزع المصداقية من رواية الضحية.




ويعترف "التجمع النسائي ضد الاغتصاب" من جهته، بأنّ ظروف عمله صعبة. ويشتغل هذا التجمع في ميدان مكافحة الاغتصاب وتشجيع الضحايا على الكلام، وهو يعترف بتلقي العديد من الشهادات لكنّ الضحايا يجري منعهن من تقديم الشكوى، غالباً، بسبب نعتهنّ بالكاذبات. ويظل السؤال المطروح في هذه القضايا: "هل المهرجانات مناسبة لهذه التصرفات المشينة في حق النساء؟".

كثيرون يلومون المنظّمين لمثل هذه الاحتفالات، كونهم يحرصون على شعبيتهم وسمعتهم، لأنّهم، بالرغم من تصديق الضحايا والتعاطف معهن، يختفون خلف الأدلة، وهو أمر ليس بالسهل، بسبب كثرة المحتفلين والنقص الكبير في عدد المتطوعين وأعضاء الجمعيات التي تكافح مختلف الاعتداءات الجنسية. وبسبب صعوبة تصديق اعترافات الضحايا، وصعوبة العثور على الأدلة، خصوصاً في المهرجانات الموسيقية التي يحضرها الآلاف، كشف استطلاع للرأي أجرته جمعية "كونسونتيس" سنة 2018، أنّ 57 في المائة من النساء يُبدين خشية من حضور مثل هذه المهرجانات، كما أنّ 60 في المائة ممن شملهن الاستطلاع، اعترفن بتعرضهن لاعتداءات جنسية.

تلعب المشروبات الكحولية والمخدرات دوراً في تشجيع كثير من الرجال على الاعتداء خصوصاً مع اضطرار كثير من النساء إلى التخفف من بعض ملابسهن بسبب الحرّ. وتعتبر جمعية "لنوقف التحرش في الشارع" أنّه في مثل هذه الحفلات، حيث يتكدس البشر، يجري تفسير كلّ حركة تقوم بها المرأة، مثل نزع قميصها بسبب اشتداد الحرارة أو قبول دعوة من رجل لشرب كأس نبيذ أو قبول مراقصته، كأنّها رضا بالعلاقة الجنسية.

وعياً منها بخطورة الأمر، بدأت بعض المهرجانات باللجوء إلى حملات وقاية وتوعية، عبر جميع وسائل الاتصال أثناء تنظيمها، وتركز على توعية المحتفلين بتجنب جميع أنواع العنف، أكان عنصرياً أم جنسياً ضد النساء أو المثليين. وتنظم بعض المهرجانات معارض داخلية، لحث الحضور على احترام بعضهم البعض، وقد تميّز من بينها معرض "من دون موافقتي، لا"، وهو ما يعني أنّ للمرأة الحرية والحقّ في قبول أو رفض من تشاء.

ليس الأمر مأساوياً، بالكامل، إذ إنّ كثيراً من مهرجانات فرنسا بدأت تأخذ بعين الاعتبار هذه الاعتداءات الجنسية أو المعادية للمرأة، وكاميرات المراقبة باتت أساسية فيها، كما التعاون والتنسيق مع الجمعيات، بالإضافة إلى بدء تقبل اعترافات الضحايا وعدم تكذيبها.




تجدر الإشارة إلى أنّه في عام 2017، رفعت أربع نساء دعوى بسبب تعرضهن للاغتصاب في مهرجان "برافالا" الموسيقي، فيما اشتكت 23 امرأة من اعتداءات جنسية فيه، واعتقل كثير من الشبان هناك، فجرى إلغاء المهرجان في السنة التالية. وما تريده مختلف الجمعيات، التي تركز على الوقاية والتوعية، قبل الجزاء والعقاب، هو تكريس عدد أكبر من المتطوعين، لمنع وقوع اعتداءات جنسية أثناء هذه المهرجانات، وتعزيز الميزانية المخصصة لمثل هذه المهمة. وتعوّل جمعيات نسائية كثيرة على الندوة الكبرى التي دعت إليها سكرتيرة الدولة للمساواة بين النساء والرجال، مارلين شيابا، يوم 3 سبتمبر/ أيلول، والتي سيحضرها وزراء ومختصون وجمعيات، بحضور شركاء إعلاميين، للخروج بخطوات ملموسة حول العنف الذي تتعرض له النساء في فرنسا عموماً.