عين الصفراء الجزائرية... قهوة وكتاب

عين الصفراء الجزائرية... قهوة وكتاب

29 يوليو 2016
ينتقون ما يُقرأ قبل طلب ما يُشرب (العربي الجديد)
+ الخط -
ما زالت مدينة عين الصفراء على الحدود الجزائرية المغربية، محافظة على تميّزها الثقافي على الرغم من العوامل الموضوعية التي أدّت إلى خفوت الفعل الثقافي في الشارع الجزائري وغرقه في الثقافة الاستهلاكية، هو الخارج من حرب أهلية دامت عقداً من الزمن.

إلى آثارها الموغلة في التاريخ ومنها مقبرة العماليق ورسومات ما قبل التاريخ في واحة تيوت، عُرفت عين الصفراء بمقاومتها الشعبية للاحتلال الفرنسي، ولعلّ أبرز المقاومين هو الشيخ بوعمامة (1881-1909). كذلك، احتضنت شخصيات عالمية من أمثال المستكشفة والكاتبة السويسرية إيزابيل إيبرهارت التي توفيت فيها غرقاً في عام 1904، وأنجبت أسماء أدبية من أمثال الشاعرة والكاتبة صافية كتو التي قضت انتحاراً في عام 1989. يُذكر أنّ جمعية تحمل اسمها تعمل على تخليد ذكراها وإحياء تراثها الشعري.

والجمعية التي تُعدّ من أكثر جمعيات المدينة نشاطاً وتجمع كتاباً وإعلاميين وطلاباً، عجزت عن إيجاد مقرّ لها، بحسب ما يقول المترجم بوداود عميّر. وبعد محاولات كثيرة باءت بالفشل، لجأ أفرادها ومعجبوها إلى مقهى شعبي يديره شاب سافر إلى بقاع مختلفة في العالم، واتخذوا منه مقراً للقاء والنقاش وتبادل الأفكار. يضيف عميّر أنّ "تزويد المقهى بمكتبة كان من بين المشاريع المعروضة للنقاش. لم يحظَ بالإجماع في البداية، بسبب النظرة المسبقة إلى الإقبال على القراءة في البلاد. وكان الاعتراض يأتي من واقع أنّ الكتاب يعاني في المكتبات، فكيف يكون الحال في مقهى شعبي يقصده مرتادوه أصلاً لتناول المشروبات والأحاديث". لكنّ "روح الإصرار غلبت في النهاية، وأطلقنا المشروع في الثالث من مايو/ أيار 2016 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. حصلنا على بعض الكتب من نخبة المدينة، وبعض آخر وصلنا كهدايا من مثقفي الجزائر في الداخل وفي المهجر بعد الإعلان عن الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي". ويشير إلى أنّ "مجلات منوّعة وصحف يومية وأسبوعية أضيفت إلى الكتب بهدف التنويع والاستعانة بمواد قراءة خفيفة ومشوّقة لجعل الأمر عادة مقبولة في الفضاء".



من جهته يتحدث الشاعر شيخ ضيف الله عن تقبّل الزبائن للفكرة، مشيراً إلى أنّ "البداية كانت مثيرة للدهشة وكان سؤال عن الجدوى، ليس من قبل مرتادي المقهى العاديين فحسب، بل أيضاً على مستوى بعض المثقفين". يضيف أنّ ذلك أتى على خلفيّة "الحكم الجاهز بأنّ الجزائري لا يقرأ، والذي بات مهيمناً وغير قابل للنقاش، على الرغم من أنّه لا يستند إلى دراسات وعمليات سبر آراء علمية دقيقة". ويتابع أنّ "همّنا كان كسر الحاجز بين الكتاب والقارئ المحتمل. في البداية يراه، ثم يلمسه قبل أن يتصفحه جزئياً، وصولاً إلى القراءة التامة. وهذا ما حدث مع عشرات، باتوا يسألون عن جديد الكتب، وينتقون ما يُقرأ قبل أن يطلبوا ما يُشرب".

صلاح الدين (27 عاماً) واحد من هؤلاء، يقول: "أعترف أنّني سخرت من الفكرة. لم أتعوّد على رفوف الكتب لا في البيت ولا في المدرسة. فقط المسجد يخصص الرفوف للمصاحف. بالتالي، فإنّ رؤيتها في مقهى نقصده لنستريح من عناء العمل، أو للهروب من الفراغ والبحث عمن نمضي معه وقتاً من الأصدقاء، لم يكن أمراً عادياً". يضيف أنّ "وجود كتب أدبية ودينية مشوّقة، جعل الفكرة مقبولة لدى البعض، قبل أن تتحوّل إلى عادة".

وكان كمال بوعزيز صاحب المقهى، قد رحّب بالفكرة بمجرّد أن طرحها أعضاء "جمعية صافية كتو". يقول: "مشكلتنا أنّ كثيرين باتوا يحكمون على الإنسان الجزائري، من غير معرفة عميقة به. هل وفّرنا أسباب القراءة في يومياتنا حتى نقول إنّها غير مطلوبة؟ سافرت كثيراً حول العالم، وأثارت غيرتي مشاهد القراءة في كل مكان. وها قد تحققت أخيراً في مقهاي".

يشير بوعزيز إلى أنّ سمعة المقهى شاعت بعدما بات يوفّر كتباً، وأن الآباء والأمهات باتوا لا يستنكرون تأخّر أبنائهم فيه، لعلمهم بأنّهم في فضاء محترم لا يحرّض على ما يسيء إليهم. يضيف: "ربما لم أستفد مادياً من المشروع، لكنّني استفدت معنوياً وإنسانياً وفكرياً". ويدعو "القهوجي المثقف" كما يناديه أبناء المدينة، وزارة الثقافة إلى معاينة المشروع، قصد تعميمه على مدن أخرى. يقول: "التجربة أثبتت أنّ المكتبات البلدية التي فتحتها الحكومة، بقيت خاوية على الرغم من أنّها مكيّفة وغنيّة بالعناوين. ما المانع من التعاقد مع نخبة من المقاهي لتزويدها بمكتبات صغيرة، في مقابل إعفاء جزئي من الضرائب؟ هكذا يصير الكتاب في متناول القارئ في أكثر لحظاته حميمية".