انتظارات المرضى... السلطة الفلسطينية توقف التحويلات الطبية لإسرائيل

انتظارات المرضى... السلطة الفلسطينية توقف التحويلات الطبية لإسرائيل

24 ابريل 2019
في إحدى مستشفيات القدس المحتلة (Getty)
+ الخط -
ينتظر عدد كبير من المرضى الفلسطينيين مصيرهم، بعدما اتخذت السلطة الفلسطينية قراراً بوقف التحويلات الطبية للمستشفيات الإسرائيلية. قرار وصفه بعض المواطنين بـ "المتسرّع"، لكن يبدو أنه لا رجعة عنه 

"لدى شقيقي محمد موعد بداية شهر مايو/ أيار المقبل، لمراجعة طبيبه الذي أشرف على عمليته المعقدة في الدماغ قبل شهرين في مستشفى إسرائيلي. لكن وزارة الصحة الفلسطينية رفضت منحه تحويلة طبية، بعد قرار وقف التحويلات الطبية للمستشفيات الإسرائيلية. هذه الزيارة حاسمة في رحلة علاجه الممتدة على مدى خمس سنوات. عائلتي تعيش ظرفاً صعباً، وتخشى أن يتعرض لانتكاسة كبيرة"، هذا ما يقوله محمود دياب من مدينة نابلس.

حال محمد كحال المئات الذين يحتاجون إلى مواصلة العلاج في مستشفيات الداخل المحتل. لكنها اصطدمت بقرار وزارة الصحة الفلسطينية وقف إرسال المرضى الفلسطينيين إلى هناك، رداً على اقتطاع الحكومة الإسرائيلية جزءاً من أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة.
محمود دياب ذهب مراراً إلى مقر وزارة الصحة الرئيسي في رام الله، في محاولة للحصول على تحويلة للموعد المرتقب، لكن الرد كان بالرفض المطلق، وأخبروه بالتوجه إلى مستشفى رفيديا الحكومي في نابلس. "نحن كالغرقى الذين يتعلقون بقشة. لا نريد لعذابات استمرت سنوات أن تعود. ذهبنا إلى المستشفى وأبلغناهم أن موعد المراجعة لشقيقي هو في الثامن من الشهر المقبل، فطلبوا أن يعاينه طبيب الأعصاب في المستشفى. ومن أجل تحديد موعد مع الطبيب، يجب حجز موعد في العيادات الخارجية، وهذه الإجراءات قد تستغرق أسابيع إن لم يكن أشهراً نظراً للاكتظاظ الشديد في عدد المرضى الذي يشهده هذا المستشفى، ويعدّ الأضخم في شمال الضفة الغربية".

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من المطلعين على ملف التحويلات لإسرائيل، هناك مئات المرضى الذين يحتاجون إلى مراجعات في مستشفيات الداخل خلال شهر واحد فقط، في حين كان مئات آخرون ينتظرون دورهم في الحصول على تحويلة مالية لأول مرة، لكن الجميع يواجهون اليوم جداراً صلباً من الرفض الحكومي.



رأي عام

امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالآراء حول القضية، وقالت معظمها إن قرار وقف التحويلات كان متسرّعاً، نظراً إلى عدم توفير وزارة الصحة بدائل. القطاع الصحي الفلسطيني بشقيه الحكومي والخاص غير مهيأ لاستقبال هذه الأعداد الإضافية الضخمة من المرضى، وكذلك لعلاج الحالات المستعصية التي تحتاج إلى أجهزة ومعدات متطورة.

من جهته، يقول الصحفي عميد دويكات: "زوروا المستشفيات الوطنية في نابلس لتروا الناس الذين يموتون قهراً وليس من المرض فقط، لأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولأن العلاج موجود ويحتاج إلى توقيع". يتابع: "كلنا مع توطين الخدمة الطبية، لكن يجب توفير البديل. إذا كان الهدف مقاطعة دولة الاحتلال، يمكن اتخاذ قرار بوقف استيراد البضائع الإسرائيلية ومقاطعتها، ووقف التنسيق الأمني وغيره".

ملايين الدولارات

تنفق السلطة الفلسطينية، بحسب تصريح سابق لوكيل وزارة الصحة أسعد رملاوي، نحو مائة مليون دولار سنوياً لعلاج المرضى في مستشفيات إسرائيل، والتي كانت تُحسم من فاتورة المقاصة (فاتورة لها علاقة بتحصيل قيمة الضريبة المضافة بين سلطة الضرائب الإسرائيلية والفلسطينية) من دون أي رقابة أو مراجعة للأسعار من الفلسطينيين. وتشير مصادر إلى أن أسعار الخدمة الطبية في إسرائيل تزيد بمقدار الضعف أو أكثر عنها في المستشفيات المحلية.
ويبدو الأمر جلياً من خلال مناشدة مدير عام مستشفى هداسا الإسرائيلي في القدس زئيف روتنشتاين، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعدم وقف التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية. وكشف روتنشتاين أن دخل مستشفى هداسا الذي يديره يبلغ أكثر من مئة مليون شيقل (نحو 27 مليون و800 ألف دولار) من جراء تحويلات وزارة الصحة الفلسطينية، والتي توقفت مؤخراً.

يتلقى العلاج (عباس موماني/ فرانس برس) 


وبحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، فإن المستشفيات الإسرائيلية تتخوف من دخول المستشفيات التركية على خط التحويلات الطبية الفلسطينية بحكم قدرتها على إجراء العمليات الجراحية، وبكلفة أقل بكثير مما يدفعه الفلسطينيون للمستشفيات الإسرائيلية. وتشير الصحيفة إلى أن أرباح المستشفيات الإسرائيلية ستشهد تراجعاً كبيراً في حال أوقفت وزارة الصحة الفلسطينية تحويل المرضى إلى المستشفيات الإسرائيلية.

قرار نهائي

الاهتمام بهذا الملف دفع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية للحديث في مستهل الجلسة الحكومية أول من أمس، عن قرار وقف التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية والتوجه إلى الدول العربية. وقال: "أرسلت وفود إلى مصر والأردن من أجل دراسة البدء بالتحويلات للدول العربية والاستغناء عن التحويلات إلى إسرائيل".

مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة الفلسطينية حمدي النابلسي، الموجود حالياً في الأردن، مكلّف من أعلى المستويات في الوزارة لمفاوضة المستشفيات الأردنية والبدء بوضع خطة تحويل للأردن. يقول النابلسي لـ "العربي الجديد: "على شعبنا أن يتفهم الحالة العامة التي نمر بها. هناك قرار سياسي بمقاطعة الاحتلال. طبياً، لن نقصر مع المرضى، ونسعى جاهدين للاستمرار في تقديم الخدمة الطبية، وقد نكون مضطرين في بعض الحالات بالغة التعقيد التحويل إلى إسرائيل". يتابع: "الأشقاء العرب أولى بأموالنا. نعرف أن السفر إلى الأردن أو مصر ليس سهلاً خصوصاً للمريض ومرافقه، لكن القرار سيادي ولا رجعة عنه".



التحويلات بالأرقام

الإحصائية المتوفرة للتحويلات خارج مرافق وزارة الصحة الفلسطينية تعود للعام 2017، وقد بلغ العدد الكلي لتحويلات شراء الخدمة من خارج مرافق وزارة الصحة 94.939 تحويلة، بزيادة مقدارها 3.3 في المائة عن العام 2016. وبلغت الكلفة الإجمالية لكل التحويلات 431 مليون شيقل (نحو 119 مليون و850 ألف دولار).

وعن شراء الخدمة من المستشفيات الخارجية (خارج فلسطين)، تشير الإحصائية إلى أنها تشمل المستشفيات في كل من جمهورية مصر والمملكة الأردنية، والمستشفيات الموجودة داخل الخط الأخضر. وتمّ إعطاء 17.602 تحويلة، ما نسبته 18.5 في المائة من مجموع تحويلات وزارة الصحة في عام 2017، وبكلفة إجمالية بلغت 124 مليون شيقل (نحو 34 مليون و484 ألفاً و212 دولاراً)، وتعادل ما نسبته 33 في المائة من إجمالي تكلفة شراء الخدمة.

حصة الأسد كانت للتحويلات داخل الخط الأخضر، إذ بلغت 16.269 تحويلة؛ أي 17 في المائة من مجموع حالات شراء الخدمة، بواقع 12.121 حالة من الضفة الغربية، وهو ما نسبته 16.3في المائة من تحويلات الضفة الغربية و4.148 تحويلة من قطاع غزة؛ أي 20.2 في المائة من تحويلات قطاع غزة. وبلغت كلفة التحويلات إلى داخل الخط الأخضر 193 مليون شيقل (نحو 53 مليوناً و674 ألفاً و477 دولاراً) ، أي 32.3 في المائة من مجموع كلفة العلاج خارج وزارة الصحة. وبلغ متوسط كلفة التحويلة الواحدة 8.558 شيقلاً (نحو ألفين و377 دولاراً).

المساهمون