أكثر من عمل للعيش في غزة

أكثر من عمل للعيش في غزة

27 فبراير 2018
يعمل في النجارة (محمد الحجار)
+ الخط -

لم يبق أمام موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة سوى البحث عن أعمال أخرى لإعالة أسرهم، حتى لو كانت تلك الأعمال من قبيل بيع السجائر على بسطات.

يوماً بعد يوم، تزداد معاناة موظّفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد قرار حسم 30 في المائة من رواتبهم بناء على قرار الرئيس محمود عباس في شهر إبريل/ نيسان من العام الماضي. وتتراكم الديون على الموظفين من دون أن يكونوا قادرين على سدادها. كما لا يتقاضى موظفو حكومة غزة السابقة رواتبهم منذ ثلاث سنوات، وعدد هؤلاء 110 آلاف موظف يعتمد على دخلهم أكثر من مليون وربع مليون مواطن غزي.

نسبة كبيرة من موظفي حكومة غزة السابقة والسلطة الفلسطينية في قطاع غزة يعملون في مهن مختلفة، حتى أنّ بعضهم يجلس على بسطات ويبيع المشروبات الساخنة أو السجائر. ولا يخجل هؤلاء من أن يراهم أي زميل لهم في العمل. كذلك، يعمل آخرون في منشآت تجارية أو صناعية أو مطاعم، ويتقاضون أجوراً بسيطة.

أبو طارق المنسي (41 عاماً) لا يخجل من عربته التي يبيع عليها المشروبات الساخنة على كورنيش بحر غزة، رغم أنه كان يعمل برتبة ملازم ثانٍ في أحد الأجهزة الأمنية قبل عام 2007. خلال عمله، يصادف زملاءه التابعين للسلطة الفلسطينية في غزة، والذين يشترون منه.

كغيره من الموظفين، حسم 30 في المائة من راتبه، فيما يدفع أكثر من 50 في المائة من الراتب المتبقي لتسديد قرض مصرفي ينتهي منتصف عام 2019. يقول لـ "العربي الجديد": "لا يبقى لي من راتبي إلا القليل. اضطررت إلى الاستدانة لشراء عربة وبيع المشروبات عليها حتى أتمكن من إطعام أسرتي، وتأمين احتياجات أطفالي المدرسية".


في عام 2012، ونتيجة أزمة مالية، عمل المنسي سائقاً في أحد مكاتب التاكسي في غزة. لكن صودرت السيارة التي كان يعمل عليها لأنه موظف حكومي. ومنذ أكثر من عام، يعمل في أحد المطاعم إضافة إلى عربة المشروبات، ما يساعده على إعالة أسرته المكونة من ثمانية أفراد.

من جهته، يبيع رشاد بكرون (37 عاماً) الساعات والحلي وغيرها للفتيات على بسطة صغيرة، وذلك في شارع عمر المختار وسط قطاع غزة. هو موظّف في إحدى الوزارات التابعة لحكومة غزة السابقة. وكغيره من أصحاب البسطات، يحاول رصد تجمعات الناس خلال أيام الإجازات في ساحات القطاع ليبيع على مقربة منهم، علماً أن شرطة البلدية تلاحق الباعة بسبب تواجدهم بشكل غير قانوني على المفترقات. ويقول لـ "العربي الجديد": "تحمّل كثيرون من موظفي حكومة غزة السابقة المأساة، وانتظروا حل أزمة الرواتب على مدار أكثر من عام ونصف العام. لاحقاً، اضطر كثيرون، وفي العلن، إلى العمل على بسطات أو في محال تجارية، أو حتى في مهن شاقة، لأن أسرهم تنتظر لقمة العيش". ويلفت إلى أن ما يبقى من الراتب هو لسداد ديون الطعام، موضحاً أنه يسعى من خلال عمله الجديد إلى حماية عائلته المؤلفة من سبعة أفراد، من الدخول في أزمة جوع.

يبيع البالونات (محمد الحجار) 

أما أحمد بشير (40 عاماً)، فيعمل بائع سجائر متجولاً في شارع النصر وساحة الجندي المجهول في غزة، إذ لا يبقى من راتبه أكثر من 100 شيكل (29 دولاراً)، علماً أنه موظف عسكري تابع للسلطة الفلسطينية برتبة جندي. يومياً، يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل ليتمكن من إعالة أسرته المكونة من ستة أفراد، منهم ابنته التي تعاني من إعاقة حركية. يقول لـ "العربي الجديد": "لا أحد يرحم الموظف في غزة. وحين أخبرت زوجتي أنني سأبيع الدخان، لم تصدق. لكنني أبيع الدخان اليوم، بعدما تراكمت علي الديون". ولا يهمه إن اعترض الجميع على عمله هذا كونه موظفاً حكومياً. 

إلى هؤلاء، يعمل أحمد أبو زكي (50 عاماً) في ورشة نجارة يملكها شقيقه منذ الساعة الثالثة من بعد الظهر وحتى التاسعة مساءً، علماً أنه شرطي تابع لحكومة غزة السابقة. وتعتمد أسرته المكونة من سبعة أفراد على عمله في النجارة، علماً أن نصف راتبه يذهب لتسديد الديون.


ومنذ عام 2009 وحتى عام 2016، يتعرّض موظّفو السلطة وحكومة غزة السابقة إلى ملاحقة أمنية، في حال اكتشاف عملهم في غير وظيفتهم الرسمية، ويصدر في حقّهم تحذير أو "لفت نظر"، وقد يحسم أحياناً من رواتبهم.

وفي 27 سبتمبر/ أيلول عام 2016، قرر مجلس الوزراء الفلسطيني منع الموظفين من العمل خارج إطار الوظيفة الحكومية، ويشمل القرار المدنيين والعسكريين. وجاء في نص القرار "تكليف رؤساء الدوائر الحكومية بعدم تجديد الموافقات الممنوحة للموظفين للعمل خارج إطار الوظيفة ابتداء من تاريخ 1/1/2017، لأن قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 4 لعام 1998 كان يمنح بعض الموظفين المدنيين العمل بشكل جزئي شرط الحصول على موافقة من الوزارة المتخصصة".

تجدر الإشارة إلى أنّ قانون الخدمة المدنية يمنع العمل المزدوج بهدف فتح المجال أمام الخريجين، لكنه لا يطبق حالياً في ظل الأزمة التي تعيشها الأسر الغزية.