مياه ملوثة وأمراض في تونس

مياه ملوثة وأمراض في تونس

19 يونيو 2020
من يضمن جودة تلك المياه؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

يُعَدّ تلوّث المياه سبباً أساسياً لأمراض مختلفة، وهذه هي الحال في تونس في بعض المناطق التي تعاني نقصاً بالمياه النظيفة.

ليس أمراً مستجداً تناول موضوع المياه الملوّثة والأمراض الناجمة عنها في تونس، في جهات عدّة لا سيّما الداخلية منها. ويأتي ذلك في المناطق التي تفتقر إلى قنوات توزيع المياه، ويستهلك سكانها مياها مجهولة المصدر أو من بعض الآبار الملوّثة أو الأنهر. وقد سجّلت البلاد في السنوات الأخيرة مئات الإصابات بالتهاب الكبد الفيروسي "أ"، خصوصاً في صفوف التلاميذ نتيجة استهلاك مياه ملوّثة وانعدام قنوات توزيع المياه في المدارس.

وفي الشهر الماضي، أصيب 47 شخصاً في قرية تنبيب التابعة لمحافظة قبلي (جنوب) بالحمى التيفية أو حمى التيفوئيد، من بينهم 17 طفلاً، ونقل عدد منهم إلى مستشفيات قريبة، بحسب ما يشير مدير الرعاية الصحية الأساسية في الإدارة الجهوية للصحة بقبلي، علي الطبال، لـ"العربي الجديد". يضيف أنّ "الإصابات قد تكون ناتجة من استهلاك مياه مجهولة المصدر تُباع في عربات متجوّلة في المنطقة، وقد عملت الإدارة الجهوية على تحليل مياه الحنفيات ومياهاً أخرى يستهلكها السكان لمعرفة مدى نظافتها". يُذكر أنّ إدارة الصحية الجهوية قد دعت سكان الجهة إلى ضرورة استهلاك مياه الحنفية أو المياه المعبأة المعروفة في الأسواق، مع الابتعاد عن تلك الموزعة على العربات التي تكون في الغالب مجهولة المصدر وتُنقل بطرق غير صحية.

تقول صبيحة وهي والدة أحد الأطفال المصابين بالحمى التيفية في المنطقة لـ"العربي الجديد" إنّ "الإصابات سُجّلت بمعظمها في الفترة نفسها، في حين أنّ الجهة تعاني مثل جهات عدّة في المحافظة من انقطاع مستمر في المياه يتواصل أحيانا أسبوعاً كاملاً، خصوصاً في فصل الصيف، الأمر الذي يدفع كثيرين من أهالي المنطقة إلى شراء مياه تباع على العربات المتنقلة أو البحث عن مياه في الأراضي الزراعية التي تحتوي على آبار". تضيف: "لم تُسجَّل سابقاً أيّ حالة مرضية بسبب تلوّث المياه هنا، لكنّ الأهالي ما زالوا يجهلون أنّ المياه تحديداً هي التي تسبّبت في المرض".



وفي محافظة قابس (جنوب شرق)، سُجّلت في خلال الشهر نفسه 62 إصابة بالالتهاب الكبدي الفيروسي "أ"، فجرى تحصين 95 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين عام واحد و 15 عاماً لوقايتهم من هذا المرض. كذلك تنوي الإدارة الجهوية للصحة في المحافظة تحصين الأشخاص المخالطين للمصابين. ويوضح المدير الجهوي للصحة رياض الشاوش لـ"العربي الجديد" أنّ "الإدارة الجهوية تواصلت مع كلّ مخالطي المرضى بهدف تزويدهم باللقاحات اللازمة وتقديم توصيات لسكان المنطقة حول ضرورة استهلاك مياه نظيفة والتقيّد بشروط النظافة في خلال الشرب أو غسل الخضراوات والغلال جيداً".

وكانت وزارة الصحة التونسية قد أعلنت أنّ مشكلة المياه في كلّ من قبلي وقابس ساهمت في انتشار حمى التيفية والتهاب الكبد الفيروسي "أ"، وأنّ الكوادر الطبية في كلّ من قابس وقبلي تنبّهت إلى انتشار المرضَين قبل تفشّيهما ووضعت خطة محكمة للتصدي لهما وعلاج الحالات التي سُجّلت. وأكد وزير الصحة عبد اللطيف المكي أنّ نقص المياه دفع الأهالي إلى استهلاك مياه غير مراقبة، وسيتمّ الاتفاق مع وزارتَي الفلاحة والبيئة لإيجاد حلّ لمشكلة المياه.



حاتم بن منير من سكان قابس وناشط مدني، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "قابس تُعَدّ من بين أكثر المناطق تلوّثاً نتيجة المجمّع الكيميائي وما ينتج عنه من مواد سامة أثّرت على الهواء والأرض وجودة المياه بشهادة كلّ الجمعيات البيئية، التي أكدت أنّ المياه الجوفية تضرّرت نتيجة المخلّفات الكيميائية التي تُلقى بطريقة عشوائية. وتلوّث المياه في الجهة بالتالي هو نتيجة ذلك". يضيف أنّ "السكان بمعظمهم غير قادرين على استهلاك المياه المعدنية المعبأة. كذلك فإنّ عائلات عديدة، خصوصاً في المناطق الريفية، تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب فتضطر إلى حلول بديلة كالآبار أو ابتياع مياه مجهولة المصدر من على عربات متنقلة، لا سيما في خلال موسم الحرّ".

من جهتها، أكدت إدارة حفظ الصحة التابعة لوزارة الصحة افتقار مناطق عدّة إلى المياه الصالحة للشرب واضطرار سكانها إلى شراء مياه توزّع في صهاريج أو في عبوات بلاستيكية تُنقل على عربات معرّضة للشمس. وقد أصدرت الإدارة بلاغات عدّة تحذر فيها المواطنين من استهلاك مياه من بعض الآبار، لا سيّما في المناطق النائية، من دون أن تكون قد خضعت للتحليل بهدف معرفة مدى صلاحية استهلاكها، أو من الإقبال على المياه التي تباع في الشارع.



تجدر الإشارة إلى أنّ عربات المياه والصهاريج تنتشر في معظم المناطق التونسية، حتى في تلك التي تتوفّر فيها مياه صالحة للشرب، ويقول بائعو تلك المياه إنّهم يجلبونها من الآبار أو الأعين في المناطق الريفية. وتلك المياه قد تكون صالحة للشرب، إلا أنّ طريقة نقلها وإبقاءها في عبوات بلاستيكية معرّضة للشمس وغير معدّة لنقل المياه سبب رئيسي في تلوّث المياه التي يُقبل عليها المواطنون نظراً إلى ارتفاع ثمن المياه المعدنية المعبأة. يُذكر في السياق أنّ فرق المراقبة الصحية التابعة لإدارة الصحة الوقائية في محافظة نابل (شمال شرق) عمدت في بداية الشهر الماضي إلى حجز 120 لتراً من المياه المعدّة للشرب، تمّت تعبئتها في عبوات بلاستيكية كانت قد استُخدمت في نقل سوائل تصفية الدم ومعروضة للبيع في محل تجاري.

دلالات

المساهمون