الأسباب القريبة - البعيدة لهجرة العقول

الأسباب القريبة - البعيدة لهجرة العقول

21 يناير 2015
طلاب يمنيون يحتجون على احتلال مسلحين لجامعتهم (فرانس برس)
+ الخط -
المؤكد أنّ الحروب المندلعة مع ما يرافقها من عنف أهلي ورسمي منفلت من عقاله، هو السبب الأكبر لنزيف هجرة الكفاءات القاتل اليوم. لكنّ الحروب لا تندلع على كل أرض عربية، كما هو معلوم ومعروف. ومع ذلك، فإنّ معظم أبناء الأقطار العربية تقريباً يرغبون في الهجرة، ويعملون من أجلها بمختلف السبل والأساليب.

حدث هذا قبل أن تندلع هذه الفوضى مع كل ما يتخللها. منذ عقد وأكثر كانت كل استطلاعات الرأي تؤشر بوضوح إلى رغبة فئات عمرية شابة متعلمة في مغادرة المنطقة.

يومها لم يكن العامل الأمني هو المقرر. مع ذلك ولدى التدقيق في أسباب هذه الرغبة، يتبين أن هناك عوامل طرد طاغية في المجتمعات العربية. بعض هذه العوامل سياسي، وبعضها الآخر قانوني، وثالث علمي، أو حتى مجتمعي، لمن يرغبون في تقدير كفاءاتهم أو متابعة أبحاثهم، والانضواء في المجتمع العلمي العالمي، في زمن باتت فيه المعارف والوظائف معولمة إلى هذا الحد أو ذاك.

يدخل في الأسباب طبعا الافتقاد إلى ظروف العمل والترقي المواتية واللائقة. فكلا القطاعين العام والخاص لا يعتمدان الكفاءة والمهارة في التعيين والتدرج.

والأفدح عربياً، يتمثل في غياب الحريات العامة والشخصية، واعتماد الأنظمة القائمة على شبكات استخباراتية في الإمساك بمقاليد الأمور، من دون حد أدنى من احترام حقوق الإنسان، وما تنص عليه القوانين العالمية والمحلية من ضمانات.

الآن، بات العامل الأمني أبرز مقرِر في الهجرة. والعامل الأمني لم يأت من فراغ، بقدر ما جاء من بنيات معطوبة للسلطات السياسية والمباني التي أقامتها في البلاد. لم يشعر العالم أو المفكر أو الأديب والشاعر والصحافي يوماً ما أنه في حمى القانون الذي يحقق له ما يصبو إليه من احترام لكرامته البشرية. بل بالعكس تماما، كان عليه أن يقدم ولاءه للحاكم علناً، ويقفل فمه عن الكلام غير المسموح به، وإلا كان مصيره غياهب السجون والإخفاء والمطاردة.

ما زاد الطين بلة، أنّ مثل هؤلاء الذين نجوا من خناجر الاغتيال والسجون سرعان ما وقعوا ضحية عنف المجتمع الأهلي عندما تسيبت الأوضاع. ألوف العلماء والفنانين والكوادر العلمية والأدبية تعرضت إلى ما يشبه حروب التصفية في العراق وسورية ولبنان. والذين لم تصلهم السكين أدركوا جيدا مضمون الرسالة وغادروا على عجل، فاستقبلتهم الجامعات ومراكز الأبحاث في البلدان المتقدمة. وهكذا ربحت هذه الدول أضعاف ما قدمته من أجور، بينما كانت البلدان العربية تدفع خسائر صافية من عقولها. السؤال الآن: ما هي مقدار الأكلاف التي دفعتها بلداننا نتيجة ذلك؟

(أستاذ في كلية التربية- الجامعة اللبنانية)

المساهمون