أحمد الجابري... حلمٌ بالتصوير والعودة إلى الوطن

أحمد الجابري... حلمٌ بالتصوير والعودة إلى الوطن

22 ابريل 2020
لا يستطيع وصف شعوره عند التقاط صورة (العربي الجديد)
+ الخط -

ما زال أحمد الجابري، البالغ من العمر 20 عاماً، يتذكّر لحظة خروجه مع عائلته من منزلهم في مدينة حريتان في ريف حلب الشمالي، شمال غربي سورية، بعد اشتداد وتيرة القصف على المدينة. كانت المرّة الأولى التي يرى فيها جثّة مرميّة على قارعة الطريق، فشكّل هذا المشهد الصدمة الأولى في وعي أحمد. حينها، كانت الأيام الأولى للقصف ولأصوات لم يسمعها من قبل.

يخبر أحمد "العربي الجديد": "كان ذلك منتصف عام 2012. لم أعد أذكر الشهر بالضبط، لكنّني لا أستطيع نسيان خوفي الشديد من القصف وكيف كان والداي يسعيان إلى إخراجنا من المنزل. كانت لحظات بدت كأنّها دهر. فكان ذلك اليوم طويلاً، وقد نزحنا خلاله إلى منزل جدي في مدينة حلب. كلّ ما حلمت به يومها هو الوصول بأمان والنوم، لعلّي أتمكّن من نسيان ذلك المشهد". ولأنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية في مدينة حلب لم تكن أفضل حالاً من مدينة حريتان، يقول أحمد "قرّرنا الانتقال مؤقتاً إلى تركيا. ظننّا أنّها فترة لن تطول، أسابيع قليلة ونعود إلى منزلنا الذي خرجنا منه". وحزم أحمد وعائلته أمتعتهم وانطلقوا في اتجاه الحدود السورية التركية، إلى مرحلة جديدة مجهولة العواقب. ويشير أحمد إلى أنّ "والدي حينها كان قد تواصل عبر الإنترنت مع عمّي المقيم في مدينة غازي عينتاب التركية لترتيب إقامتنا الجديدة هناك، حتى تستقر الأمور. لكنّنا لم نكن ندري أنّها ستدوم سنوات وتستمرّ حتى يومنا هذا".

يتابع أحمد السرد: "أقمنا مع أسرة عمّي في منزل مؤلّف من غرفتَين. كنّا 11 شخصاً، عائلتنا المكوّنة من ستّة أشخاص في غرفة، وعمي وأفراد أسرته وهم خمسة في الغرفة الأخرى. لم يكن كلّ شيء على ما يرام وكان المكان يضيق بنا، حتى قرّرنا استئجار منزل خاص بنا بعد أشهر". ثمّ راحت الأسرة ترتّب أمورها من أجل الاندماج والتأقلم مع الحياة الجديدة. فعاد أحمد إلى المدرسة من جديد. ويشير هنا إلى أنّه "في أثناء خروجي من مدينة حريتان، ألقيت على مدرستي نظرة لم أعلم أنّها الأخيرة. فقد دمّرت بفعل القصف الذي طاولها. وبعد عودتي إلى مقاعد الدراسة في تركيا، غمرتني السعادة على الرغم من الظروف القاسية".

وبهدف تعلّم اللغة التركية، التحق أحمد بمعهد لتعليم اللغات قبل أن يحصل على الشهادة الثانوية في عام 2018 ويبدأ فعلياً بالتحضير للمرحلة الجامعية. يقول: "كانت خطوات متتابعة بفاصل زمني قصير، انتقلت بها من مرحلة إلى أخرى، لكنّني أرى نفسي أقترب مما أريده. لم تكن سهلة وواجهتني صعوبات عدّة، لكنّني حاولت الثبات واستطعت تحقيق ذلك بدعم من والدَيّ".

وأحمد من هواة التصوير الفوتوغرافي، فأقنع والده بشراء كاميرا ليحقّق حلمه وينتقل من الهواية ويصبح "محترفاً" حسب تعبيره. وهذا ما دفعه للانتساب إلى كلية الإعلام ليدرس ما يحبّه بطريقة أكاديمية، فيكون بذلك قد تقدّم خطوة أخرى نحو هدفه: دخول عالم التصوير. وخلال دراسته الجامعية، كانت لأحمد تجارب عدّة في مجال التصوير واستطاع التقاط صور عدّة حازت على إعجاب كلّ من شاهدها. يقول في هذا السياق: "لا أعرف كيف أصف شعوري عند التقاط صورة ما، لكنّني أكون في أعلى درجة من السعادة، فأنا أقوم بما أحبّه".



ويلفت أحمد إلى أنّه "بهدف مراكمة الخبرة وتشكيل سيرة ذاتية تتيح لي أفضلية في الحصول على فرصة عمل، انتسبت إلى عدد من الفرق التطوعية. وبالفعل بدأت العمل وحازت الصور التي كنت التقطها على إعجاب الفريق، وحصلت على فرص عمل لكنّها كانت بشكل مستقل لمشاريع صغيرة مع منظمات عدّة". إلى جانب ذلك، راح يشارك في دورات وبرامج تدريبية لتطوير مهاراته ويتعلّم ما يجهله ويتقدّم في مجال الإعلام، ثمّ انتقل إلى مجال التصوير الإعلاني وتسويق المنتجات وهو المجال الذي أحبّه. هو رأى نفسه مبدعاً فيه ليبدأ في التفكير بإنشاء شركته الخاصة والدخول إلى سوق العمل. كذلك يتمنى أحمد أن يأتي يوم يعود فيه إلى منزله الذي غادره مكرها ويتجاوز المحنة، ويقول: "كم أتمنى أن تكون هذه الأيام شريط ذكريات أسترجعه وأنا في بلدي الذي يعمّه السلام والحبّ".

المساهمون