كراهية إيطاليا... استهداف للمهاجرين برعاية "رسمية"

كراهية إيطاليا... استهداف للمهاجرين برعاية "رسمية"

24 سبتمبر 2018
ماذا بخصوص وجهة الغد؟ (أنطونيو ماسييلو/ Getty)
+ الخط -
تتصاعد لهجة خطاب العنصرية في إيطاليا، مع إحكام بعض اليمين المتطرّف سيطرته في مناطق معيّنة من البلاد وتمدّده أكثر فأكثر. وهو أمر يدعو إلى القلق، بحسب الأمم المتحدة

تختزل مدينة سستو سان جيوفاني الواقعة إلى شمال شرق ميلانو، واقع إيطاليا الجديد المتوجّه نحو التشدد اليميني. في تلك المدينة، يعيش مئات العرب، رياض واحد منهم. هو وصل إلى المدينة في عام 1993 ويُعَدّ اليوم ناشطاً تونسياً اجتماعياً وحقوقياً في شمال البلاد، خصوصاً في مواجهة التمييز. ويتردد رياض قبل الحديث إلى "العربي الجديد"، خشية انتقام السياسيين المحليين ورجال الأمن الذين "يضيّقون الخناق على الناشطين" بحسب ما يقول، و"يعمدون إلى توقيف مهاجرين وتفتيشهم وإهانتهم وفبركة تهم لهم تؤدّي إلى ترحيلهم، على أقل تقدير عن المدينة، بعد اعتقال لأيام ومساومات غير لائقة".

وسستو سان جيوفاني التي كانت محسوبة على اليسار والتي كان يُطلق عليها اسم ستالينغراد نظراً إلى عدم قدرة اليمين على اختراقها، وقعت بقبضة اليمين المتطرّف، لا سيّما حزب "ليغا نورد" (رابطة الشمال) بصورة رئيسية، وبدعم من الحركة الفاشية "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا). أمّا بلديتها، فيترأسها منذ العام الفائت روبرتو دي ستيفانو من حزب رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني "فورتسا إيطاليا" (إلى الأمام إيطاليا). يُذكر أنّ دي ستيفانو تعهد قبل انتخابه بدعم من الطرفين الفاشي والمتطرف، بـ"الكفاح لمنع تحوّل سيستو سان جيوفاني إلى مغناطيس جاذب للإسلاميين في شمال إيطاليا". ويبدو أنّ تشكيل حكومة يمينية متطرفة بتحالف بين "ليغا نورد" و"موفيمنتو تشينكو ستيليه" (حركة النجوم الخمس) هذا العام، أعطى دفعاً قوياً لسياسة البلدية التي تتصدر قائمة بلديات الشمال الإيطالي في ملاحقة المهاجرين واللاجئين علنية، من خلال طرق استعراضية. ويشير رياض إلى أنّ "المعنيين يحتفلون بإنجازاتهم من خلال صور يلتقطونها في مكاتب البلدية، مع كعكة تحمل أرقاماً تشير إلى عدد الذين طردوهم من المدينة".

مهاجرون في سستو سان جيوفاني (Getty)













صورة مع الكعكة

في إحدى الصور الخاصة بـ"كعكات الاحتفال بالإنجازات"، ظهر أعضاء من المجلس البلدي، معظمهم من المتشددين، إلى جانب رجال شرطة، تتوسّطهم كعكة تحمل رقم 200. وقد نُشرت الصورة في 27 فبراير/ شباط الماضي، في تقرير صحافي تناول "إنجازات المجلس البلدي" التي أدّت إلى اعتقال وإبعاد 208 لاجئين من المدينة، معظمهم من الأفارقة. وأتى ذلك إلى جانب تفاخر كلاوديو داميكو أحد الوجوه الأبرز في "ليغا نورد". هو قال "لقد حرّرنا شوارعنا من 200 شخص كانوا بمثابة قنبلة جرائم موقوتة".

عدد الذين اعتقلوا وأُبعدوا منذ الاحتفال بالكعكة، تجاوز 300 شخص بحسب ما يقول رياض، موضحاً أنّ "بعضهم يقيم هنا منذ 20 عاماً. وأنا أعرف شخصياً ستّة أشخاص على أقل تقدير، كانوا يكدّون بالعمل في الأسواق المحلية، خصوصاً على بسطات الخضر". ولا يخفي رياض قلقه من أن يطاوله "الجوّ المشحون المخيف الذي يشبه الأجواء الفاشية، بعد التحريض العلني. وللأسف، ثمّة تأييد شعبي لذلك، بعد حملات التخويف التي تتوسّع مذ صار (ماتيو) سالفيني وزيراً للداخلية".

من جهته، يمضي دي ستيفانو بنشر الكراهية ضدّ المهاجرين، بحسب ما يقول نور سعيد، وهو ناشط حقوقي في منظمة إيطالية محلية، وزميل رياض. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ دي ستيفانو "جمّد بعد انتخابه في العام الماضي رخص بناء مسجد كان المجلس البلدي السابق قد أقرها، ومنع تنظيم أيّ احتفال للمسلمين في الأماكن العامة، وبدأ بسياسة طرد السكان المهاجرين من مجمّعات سكنية شعبية ومنع دخول المحجبات إلى مكاتب البلدية للمراجعة. كلّ هذا وأنت تعجز عن المواجهة بسبب الأجواء العدائية المنتشرة".

تجدر الإشارة إلى أنّ شرطة المدينة، وبحسب ما تفيد الصحافة المحلية وما يؤكده مهاجرون عرب يعيشون هنا وبعضهم متزوّج بإيطاليات منذ 10 أعوام، حصلت على تفويض بتوسيع نطاق "توقيف الأجانب للتحقق من هوياتهم بحجة البحث عن مهاجرين بلا أوراق (غير شرعيين)"، وفقاً لصحيفة "إل جورنالي". وقد عبّر دي ستيفانو في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام الإيطالية، منها "إل جورنالي" في أغسطس/ آب الماضي، عن "فخري بالانجازات التي تغيّر سان جيوفاني، ونأمل أن تتحول إلى مثال يُعمَّم على كلّ إيطاليا".




الأمم المتحدة على الخط
منذ انتخابات البرلمان الإيطالي في مارس/ آذار الماضي وتشكيل حكومة ائتلافية بين "ليغا نورد" و"موفيمنتو تشينكو ستيليه" وبدعم من "فراتيلي ديتاليا" في بداية يونيو/حزيران الماضي، باتت سياسات الهجرة المتشددة تشتمل على تصريحات عنصرية وممارسات عنفية تستهدف اللاجئين والمهاجرين. فتعهّد سالفيني بطرد نصف مليون أجنبي قبل الانتخابات ووقف دخول مهاجرين ولاجئين إلى البلد جعل الناشطين الحقوقيين يتخوّفون ممّا أطلقوا عليه اسم "تطهير عرقي"، لا سيّما أنّ الأمر استهدف كذلك إيطاليين من أصل غجري وأقليات أخرى تُحمَّل مسؤولية مشكلات المدن الإيطالية شمالاً وجنوباً.

والاستطلاعات الإيطالية حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، لا سيّما في ظل تشدد سالفيني الواضح، تشير إلى عدم تراجع شعبيّة اليمين المتشدد. نسبة مؤيّدي حزب "ليغا نورد" تضاعفت تقريباً بالمقارنة مع النسبة التي كانت قد سُجّلت في خلال انتخابات مارس/ آذار الماضي، وارتفعت من 17 في المائة إلى نحو 30 في المائة. في الوقت ذاته، تشير استطلاعات الرأي التي تناولتها مواقع إيطالية وأوروبية عدّة، إلى أنّ نسبة الذين يؤيّدون سياسات الحكومة المتشددة تجاه المهاجرين هي 60 في المائة. واللافت أنّ 10 في المائة من المستطلعين يؤيّدون الحركة الفاشية "فراتيلي ديتاليا".

ويُسجَّل قلق أممي إزاء تردّي أوضاع المهاجرين واتساع نطاق تأييد تحلل الائتلاف اليميني المتشدد من تعهدات إيطاليا والتزاماتها بمواثيق دولية حول التعامل مع الأقليات واللاجئين، الأمر الذي دفع مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، إلى التعبير عن قلق من جرّاء "التصعيد الذي ينذر بخطر مؤدّ إلى هجمات ضد اللاجئين". وقد أكّدت المفوضة في خطابها الأول بعد تنصيبها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أنّها تعتزم إرسال موظفين إلى كلّ من إيطاليا والنمسا للتحقيق في معاملة اللاجئين والمهاجرين، خصوصاً مع التقارير التي تفيد من بين أمور أخرى بزيادة حادة للعنف والعنصرية ضدّ الغجر والمهاجرين.

وبعد أشهر من التقارير والشهادات والكشف عن سياسات متعنتة إزاء سفن إنقاذ غير حكومية في البحر الأبيض المتوسط وسجالات كبيرة مع الاتحاد الأوروبي، ترى الأمم المتحدة أنّه من غير المقبول "ازدياد حالات الغرق في المتوسط على الرغم من تراجع نسبة المهاجرين الذين يعبرونه من ليبيا"، بحسب ما أكدت باشليه.

وأخيراً، في 14 سبتمبر/ أيلول، ردّت الحكومة الإيطالية بشكل عنيف على تقارير الأمم المتحدة ودعوات المفوضة السامية لحقوق الإنسان للتحقيق في الانتهاكات. وأصدرت وزارة خارجية روما بياناً رأت فيه أنّ الانتقادات التي وجّهت إلى إيطاليا ومخطط إرسال لجنة تحقيق أمران غير لائقَين وغير مبرّرَين وغير عادلَين. ومن جهته، عبّر سالفيني عن غضب واضح في ردّه، وكرّر أنّ إزاء ما استقبلته إيطاليا في خلال الأعوام الماضية "لم نجد أيّ تعاون من الدول الأوروبية الأخرى، بالتالي فإنّنا لن نقبل محاضرات من أيّ شخص كان، ولا حتى من الأمم المتحدة المتحيّزة والمضللة بالمعلومات وبتكلفة مالية ندفعها نحن". وحذّر سالفيني من أنّ بلاده قادرة على "التشاور مع الحلفاء لوقف مساهمتنا السنوية للأمم المتحدة المقدّرة بنحو 100 مليون يورو، المستخدمة بالاختلاس والتبديد"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "أنسا" الإيطالية.

شرطة ومهاجرون بعد عملية إخلاء (Getty)













واقع مزر

سيستو سان جيوفاني ليست سوى مدينة واحدة من مدن إيطاليا التي بات فيها الجو العدائي ضدّ المهاجرين أمراً "مشرّعاً"، و"الاحتفال بتطهير المدينة من المهاجرين" دليل واضح. وتتحدث التقارير الأوروبية عن "اتساع الهجمات العنصرية في خلال الأشهر التي تلت تأليف حكومة اليمين المتشدد، خصوصاً في الأشهر الثلاثة الماضية". وسجّلت التقارير الحقوقية المحلية والخارجية، 14 هجوماً مسلحاً ضد مهاجرين أدّت إلى مقتل اثنَين منهم، في حين كانت اعتداءات جسدية عنيفة على 56 لاجئاً ومهاجراً.

المنظمات غير الحكومية، من قبيل تلك التي تضم رياض ونور سعيد، تقدّم أمثلة كثيرة عن تصاعد العنصرية والهجمات. ولعلّ أبرزها حادثة 17 يوليو/ تموز الماضي، عندما أطلق رجل النار من على شرفة منزله ليصيب طفلة تبلغ من العمر عاماً واحداً. كذلك، شهدت مدينة لاتينا (جنوب) إطلاق نار على سيارة مهاجرين نيجيريّين، ومثلها شهدت مدينة فورلي (شمال) إطلاق سائق إيطالي النار على رجل أفريقي. ثمّة حوادث أخرى كثيرة مسجلة وغير مسجلة، وتُقدَّر بأكثر من 414 حادثة على خلفيات عنصرية في خلال الأشهر الماضية.

وفي فبراير/ شباط الماضي، سُجّل أعنف هجوم بالسلاح على مهاجرين أفارقة في ماكيراتا (وسط) ارتكبه الشاب لوكا تريني، بعد وفاة شابة واتهام نيجيري بقتلها. ولم تتردد أوساط اليمين المتشدد في التعبير عن تضامنها مع مرتكب العنف الذي نقل وكيله عنه: "أفرغت مسدسي بهؤلاء الأفارقة لأنّني كنت أريد قتل السود وتجّار المخدرات".




ويردّ سالفيني على المنظمات الحقوقية التي تشير إلى زيادة في أعمال العنف ذات الخلفية العنصري بأنّ ذلك "محض هراء"، على الرغم من أنّه بات يستهدف رياضيين إيطاليين من أصل أفريقي مثلما جرى مع البطلة الأولمبية دايزي أوساكو من أصول نيجيرية في 29 يوليو/ تموز الماضي في مونكالييري (شمال). ويبثّ اليمين المتطرف أرقاماً مزيّفة عن المهاجرين، من قبيل ما أشيع خلال الحملات الانتخابية بأنّ نسبة الأجانب تصل إلى 30 في المائة، في حين أنّهم لا يمثّلون أكثر من ثمانية في المائة رسمياً. وهو ما ينطبق كذلك على حملات التخويف من المسلمين، إذ يُشار إلى نسبة 20 في المائة، في حين أنّهم وبحسب إحصاءات 2016 لا يمثّلون أكثر من أربعة في المائة من مجموع سكان إيطاليا.

المساهمون