طلاق المصريين.. حالة واحدة كل ستّ دقائق تهدّد الأسرة

طلاق المصريين.. حالة واحدة كل ستّ دقائق تهدّد الأسرة

01 يونيو 2015
هل تدوم الفرحة؟ (الأناضول)
+ الخط -

تزايدت في الآونة الأخيرة نسبة الطلاق في مصر، وقد بلغ عدد الحالات المسجلة 161 ألفاً في عام 2014 الماضي بالمقارنة مع 155 ألفاً في عام 2013، وذلك بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتبيّن أن معظم حالات الطلاق تعود إلى ثنائيات من صغار السن. وقد يصل عمر الزواج إلى خمس سنوات، في حين قد يأتي الطلاق بعد عام واحد من الزواج. وهو ما يعدّ ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد كيان المجتمع المصري، لما لها من آثار سلبية.

وتثير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (هيئة حكومية رسمية) الفزع، إذ تظهر وقوع حالة طلاق كل ستّ دقائق. وتطرح الأسئلة حول أسباب الطلاق وتزايده المستمر، لا سيّما حول دور الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.

في سجلات المحاكم الشخصية، كثير من القصص والحكايات الغريبة حول "زواج فاشل". ويومياً، تقصد آلاف النساء محاكم الأسرة طلباً لـ"الخلع"، في حين يتوجّه أزواج إلى المأذون الشرعي مباشرة بعد الاتفاق على الانفصال. إلى ذلك، ثمة آلاف من قضايا النفقة والمتعة.

تؤكد المتخصصة في علم النفس، نوال محمد، العاملة في محكمة إمبابة للأسرة، ارتفاع نسبة الطلاق بين الأزواج ـ خصوصاً الشباب ـ التي أصبحت مخيفة جداً. وتصف معظم الأسباب بـ"الأمور التافهة"، قائلة إنه "بحكم عملي، معظم الأسباب لا تستأهل هدم البيوت. وهو الأمر الذي لا يترك مجالاً للشك في أن المجتمع المصري يعاني حالة من التفسّخ الأسري، بالإضافة إلى غياب الهدف الرئيسي من الزواج ألا وهو الاستقرار. كذلك يمكن القول إن فن التمثيل الذي يجيده الطرفان في فترة الخطوبة، سرعان ما تتكشف حقيقته بعد الزواج وظهور المشاكل وزوال الحب". وتتحدث محمد عن بعض قضايا خلع غريبة من واقع السجلات القضائية.

وقد سُجّل في محكمة إمبابة أن زوجة خلعت زوجها لأنه يمارس السحر، إذ تتردد عليه فتيات عوانس يوهمهن بقدرته على جعلهن يتزوجن. وعندما رفضت الزوجة ذلك، دبّ خلاف بينهما ولجأت الزوجة إلى المحكمة لخلعه. أيضاً، أدّى خلاف بين امرأة وزوجها بسبب إدمانه موقع "فيسبوك" ومواقع إباحية، إلى انفصالهما بعد أقلّ من عام على زواجهما.

إلى ذلك، يُطرح أمام المأذون الشرعي عدد كبير من قضايا الطلاق. وقد احتلت محافظة الشرقية المرتبة الأولى في عدد حالات الطلاق، مع حالة واحدة في كل ساعة، وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي.

لهذه الأسباب تطلقنا

محمد س. موظف في إحدى الجهات الحكومية المرموقة، يحكي قصة زواجه وطلاقه السريع قائلاً: "أحببت فتاة. وبعد خطوبة دامت سنتين كانت أجمل أيام حياتي، تزوجنا، لتسلك الخلافات طريق منزلنا الذي كونته بجهدي الخاص من دون أن أكلّف أهل زوجتي سوى القليل الذي لا يذكر. فظروفي المادية جيدة إلى حد ما". يضيف: "كانت المشكلة الأولى التي اكتشفتها أن زوجتي تهوى الإقامة عند أسرتها. وعندما كنت أتحدّث عن أهمية منزلها وأنها على ذمة زوج، كانت تثور وتغضب. وراحت تُكثر من طلباتها الخاصة بها أو بأهلها، من دون أن أرفض في معظم الأحيان. بمعنى آخر كنت أدلّلها، وأنفّذ لها ما تريد. لكنها في المقابل كانت سريعة الغضب ولا ترضى بسهولة".

يتابع محمد: "كنت أظن أن الحب لا يمكن أن يزول، مهما كانت الظروف. كلما أردت إصلاح الأمر، كان يسوء أكثر فأكثر. لم أشعر معها بقيمتي كزوج. وبدأت مشاكلنا تُحكَى على كل لسان، الأهل والأقارب والجيران. وفي خلال 14 شهراً، وهو عمر زواجي القصير، تحوّلت حياتي إلى جحيم. وقد وصل بي الأمر إلى تقبيل رأس والدها لكي يجد لي حلولاً. لكنني لم أجد جواباً، على الرغم من أنه كان يعرف أن ابنته مخطئة".

ويكمل سرد معاناته: "اسودّت الحياة في وجهي، وبدأت أكرهها شيئاً فشيئاً. أصبحت لا أطيق وجهها ولا البقاء معها. نصحني البعض باللجوء إلى المشايخ خوفاً من أن يكون ثمة سحر. قمت بذلك، لكن من دون جدوى، إذ إنني لا أعتقد في ما يقوله هؤلاء. انتهت كل محاولاتي لإصلاح الأمر، وأمام كثرة المشاكل والنقاشات الحادة والأخذ والرد والصبر والأمل، عزمت على الطلاق. حاول المأذون إثنائي كثيراً عن ذلك، وهذا دوره في محاولة إصلاح ذات البين. وكان الطلاق بحضور أهلها. بعده، أحسست بالراحة من دونها وحمدت الله أنني لم أنجب من تلك السيدة. في الأساس كانت اللقاءات الحميمية التي جمعتني بها تعد على أصابع اليد". ويلفت إلى أنه "في حال قدّر لي الزواج مجدداً، سأبحث بطريقة مختلفة عن السابق، بطريقة أكثر عقلانية وانضباطاً. فإن لم أجد الآن، لا داعي للزواج. لا أريد تكرار تلك التجربة".

اقرأ أيضاً:  زواج القاصرات.. حجة السترة تدمر حياتهن

من جهتها، تطلقت أمل ع. على يد مأذون بعد زواج استمرّ خمس سنوات، أثمر ثلاثة أطفال. تحكي أن "زواجنا كان عن طريق أحد المعارف. وافقت على الخطبة بعدما رأيت فيه العريس المثالي، وقد رأيت أن الوقت حان للزواج خوفاً من قطار العمر الذي لا يرحم الأنثى في مجتمعنا. لكن العيش في بيت واحد، أظهر لكلّ منّا ما حاولنا إخفاءه في خلال الخطوبة. زوجي كان عصبياً يثور لأتفه الأسباب، وكثيراً ما يحلف بيمين الطلاق. قصدنا في أكثر من مرة دار الإفتاء حرصاً على الأطفال، لكن ذلك لم يكن مجدياً، إذ دائماً ما كان يضربني، لو تأخرت في إعداد الطعام مثلاً".

تقول: "من المهم أن تسأل أي فتاة مقبلة على الزواج عن شريكها المستقبلي. هو قد يكون من بيئة رائعة، لكنه خبيث النفس والطباع. وهو ما حدث معي. لذا كان الطلاق أرحم من وجودي تحت سقف واحد مع زوج لا يطاق".

وتشدّد أمل على أن "المرأة المطلقة مظلومة في كل الأحوال. المجتمع يحمّلها المسؤولية كاملة، إذ يعدّها سبب فشل الحياة الزوجية. حتى النساء الأخريات ينظرن إليها باستغراب، ويجعلن منها مادة للثرثرة وتشويه صورتها. إلى ذلك، لم تنصف القوانين المرأة ولم تمنحها حقوقها، مثل النفقة والمتعة اللتين تحصل عليهما المطلقة بعد معاناة أمام القضاء".

ظاهرة خطيرة

بالنسبة إلى الدكتورة عزة كمال، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، "نحن أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة. وقد احتلت مصر لقب الدولة الأولى عالمياً في ما يخصّ معدلات الطلاق. فقد وصل عدد المطلقات تقريباً إلى 2.5 مليون مطلقة في السنوات الأخيرة، طبقاً لإحصائية الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. وهي إحصائية صادمة تشير اليوم إلى تهدّم هيكل الحياة الزوجية والأسرة المستقرة اللتين عرفتهما مصر قديماً، وذلك في ظل مشكلات اجتماعية كثيرة انعكست على العلاقات بين الزوجين، خصوصاً بين الشباب في سنة الزواج الأولى التي لا تكتمل في معظم الأحوال". وتشير إلى "تسرّع أحياناً من قبل الأسر في الزواج، للهروب من العنوسة التي انتشرت بين الجنسين في السنوات الماضية، نظراً للظروف الاقتصادية وعزوف عدد كبير من الشباب عن الزواج. بالتالي، سرعان ما يشعر كثيرون بعد الزواج بالندم، عندما يكتشف كل طرف الخطأ في زواجه من الآخر".

إلى ذلك، تتحدّث كمال عن "فتيات كثيرات يبحثن عن الاستقرار، فيعملن بالنصيحة القائلة: ظل راجل ولا ظل حيط. ويفشلن. لذا على كل مقدم على الزواج أن يتروى، فهذا قرار تُبنى عليه أسرة ومجتمع وهو ليس قراراً شهوانياً".

من جهته، يقول الدكتور إمام حسين، الخبير في مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، إن "معدلات الطلاق المرتفعة تعدّ ظاهرة لا يمكن السكوت عنها. فالطلاق أبغضه الله لكونه هدّاماً، إذ يهدد بقاء الأسرة". بالنسبة إليه، "ظاهرة أطفال الشوارع سببها الأول انتشار ظاهرة الطلاق. وقد وصلت معدلاتها إلى الذروة في المجتمع المصري الذي عرف قديماً بترابطه. وهو ما يعدّ منحى خطيراً في الأسرة المصرية".

ويشدّد حسين على أن "للأهل والأسرة دوراً كبيراً في ما وصل إليه الطلاق في البلاد. أصبح الأهل في معظم الحالات سبباً رئيسياً في إفساد الحياة الزوجية لأبنائهم. ولم تعد التربية كما اعتدناها في الماضي، نظراً لتدخل عناصر أخرى في تربية الأبناء. وانهيار قيم اجتماعية تربّينا عليها، خرج بأجيال لا تعرف قيمة البيت والأسرة". يضيف أن "أبناء هذه الأجيال بمعظمهم يتحدّون المجتمع الذي لم يعد يفرض عليهم القيود ذاتها".

اقرأ أيضاً: الطلاق السريع موضة جديدة في السودان

دلالات