عن طريق الخطأ

عن طريق الخطأ

30 مايو 2016
هواء النفايات الذي نتنشّقه يراكم أمراضاً (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
تبيّن أن الرصاص الذي أصاب الإطفائي وسام بليق في أحد شوارع بيروت، قبل نحو أسبوع من اليوم، لم يكن رصاصاً عشوائياً لابتهاج أو احتفال، مثلما لم يكن رصاص جريمة مدبّرة. بل ثبت من التحقيقات أن الرصاص القاتل أصابه عن طريق الخطأ.

اختلف مواطن مسلّح، مع مواطن آخر على أفضلية المرور. غضب المواطن المسلّح فرفع سلاحه وبدأ بإطلاق النار. أصابت إحدى رصاصاته بليق أمام عيني عائلته التي كانت معه في السيارة وتوفي في وقت لاحق. لم يعرف المسلّح القاتل أن جريمته تسبّبت في تلك اللحظة السوداء بقتل ابن لأم، وأخ لأخت، وزوج لزوجة، ووالد ومعيل لأطفال ثلاثة.
حدثت كل هذه المصائب في لحظة واحدة، وعن طريق الخطأ.

يشبه الحادث العرضي الذي تعرّض له بليق ما نتعرّض له يومياً في هذه المدينة. نخرج صباحاً مع احتمالات أخطاء كثيرة قد لا تعيدنا إلى منازلنا أحياء أو أصحاء أو سليمين في آخر النهار.
يشبه هذا الحادث حوادث الاصطدام على الطرقات غير المحمية من جوانبها، والحفر العميقة التي نسيها الإسفلت والتي نقع فيها، عن طريق الخطأ، كلّ يوم.

يشبه هذا الحادث ورش البناء المكشوفة التي تسقط منها أجسام قاتلة قرب رؤوس المارّين وفوقها، عن طريق الخطأ، كلّ يوم. يشبه هذا الحادث الرصاص الطائش الذي لا يفكّر مطلقه في كل مناسبة، سعيدة كانت أم حزينة أين سيسقط ولا كيف سيصيب إنساناً بريئاً في حياته، عن طريق الخطأ، كلّ يوم.

يشبه هذا الحادث المياه الملوّثة التي نشربها من دون أن ندري بتلوّثها، عن طريق الخطأ، كلّ يوم. يشبه هذا الحادث هواء النفايات الذي نتنشّقه ويراكم أمراضاً مؤقتة ومزمنةً في رئتينا وفي دمنا وفي أعضاء أخرى من أجسامنا، عن طريق الخطأ، كلّ يوم.
يشبه هذا الحادث الأغذية غير المطابقة للمواصفات التي نتناولها من دون أن نعرف بأضرارها وصلاحيتها فنتسمّم بها، عن طريق الخطأ، كلّ يوم. يشبه هذا الحادث تشخيص بعض الأطباء للحالات المرضية والذي يتسبّب أحياناً بعاهات دائمة للمرضى، لأنه تشخيص يقع عن طريق الخطأ، كلّ يوم.

يشبه هذا الحادث المخدرات التي تصل إلى فئات كثيرة من الناس عن طريق الخطأ، فتستحيل إدماناً مع الوقت، يؤدي إلى وفيات بجرعات زائدة، عن طريق الخطأ أيضاً، كلّ يوم.
يشبه هذا الحادث حياتنا اليومية في هذه البلاد التي ربما نكون قد اخترناها عن طريق الخطأ، لكن الأكيد أن الموت فيها وخسارة الأرواح لا يعود أبداً عن طريق الخطأ طالما أنه يحدث كلّ يوم.

المساهمون