"التنين" يتحالف مع الفيروس ضد جامعي القمامة في مصر

"التنين" يتحالف مع الفيروس ضد جامعي القمامة في مصر

23 مارس 2020
أخطر آثار الأمطار سجلتها الأحياء الفقيرة (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -

عاصفة الرياح والأمطار والسيول التي شهدتها مصر أخيراً، كانت قاسية جداً على سكان الأحياء العشوائية في القاهرة، وفي جوارها. أحد أبرز الأمثلة على ذلك زرايب 15 مايو، التي يقطنها جامعو قمامة
ما زالت آثار الأمطار والسيول التي ضربت محافظات مصر يومي الخميس والجمعة قبل الماضيين، مستمرة حتى اليوم، ومن بين المناطق المتضررة التي جرفتها الأمطار، محلة الزرايب، في مدينة 15 مايو، بحلوان، جنوبي القاهرة، التي توفي عشرة من سكانها بسبب السيول، في الوقت الذي يشكو فيه أهالي المحلة من العقارب والثعابين والحشرات التي تطاردهم على مدار اليوم، لإقامتهم في منطقة جبلية فضلاً عن خوفهم من احتمال إصابتهم بفيروس كورونا الجديد. مدينة 15 مايو من المدن الجديدة التي أنشئت في الصحراء خارج الكتلة السكنية، وبالرغم من مضيّ أكثر من عشرة أيام على العاصفة، فالأهالي الذين يتجاوز عددهم عشرين ألف نسمة يعيشون في العراء وفي البرد القارس، مؤكدين أنّ ما قدمته الحكومة ليس أكثر من "شو إعلامي" بمعنى الاستعراض أمام الكاميرات والمراسلين. سكان الزرايب يعملون في جمع القمامة، وأغلبهم من الأقباط. يربّون الدواجن والمواشي، ويعيشون على حال واحدة من البؤس والمعاناة، من دون مرافق خدمية، فيما يكتظ الطريق بعشش (بيوت موقتة بسيطة) صفيح ومكعبات حجرية متراصة إلى جوار بعضها، سقفها من الخشب وأكياس البلاستيك. وهي عشش لا تحمي من في داخلها من أمطار الشتاء أو قيظ الصيف. الكهرباء لطالما كانت حلماً بالنسبة لهم، لكنّها توفرت أخيراً، فيما المياه النظيفة لا تتوفر أبداً، ولا صرف صحياً في المحلة بأكملها. أما الأطفال فلا يعرفون تعليماً أو رعاية صحية، ولا يحظون بأبسط حقوقهم في اللعب. صنفت المحلة واحدة من العشوائيات المهددة بالخطر، كونها تقع في مجرى السيول لقربها من الجبل.



منذ أزمة السيول الأخيرة، لم تُصرف أيّ تعويضات لأهالي زرايب مايو. ويؤكد الأهالي أنّ الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني و"أهل الخير"، هم وحدهم من ساندوهم في أزمتهم. فهؤلاء وفروا الأغطية والوجبات الغذائية. يتساءل بعض السكان: "أين وعود الحكومة بتوفير مساكن جديدة للمتضررين؟".

من جهته، يكشف أحد المسؤولين، مفضلاً عدم نشر اسمه، أنّ محلة الزرايب بحلوان قاسية وخطيرة، وتختلف عن الزرايب الأخرى في عدد من مناطق القاهرة الكبرى، إذ إنّ المحلة التي ضربتها السيول تقع إلى جوار الجبل ومسالك السيول وهو ما أدى إلى الأزمة الأخيرة. يشير إلى أنّ تلك المحلة أنشئت قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهي "مقبرة" لسكانها باعتراف المسؤولين، إذ تحتاج إلى كثير من التطوير، مع حصول كلّ مواطن على حق البناء فيها. يتابع أنّه مع تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية حول العاصفة الأخيرة التي عرفت باسم "التنين"، لم يكن هناك أيّ تحذير لسكان تلك الناحية ممن يعيشون في أماكن أشبه بالكهوف. ويشدد على أنّ المحلة تعرضت لخسائر جسيمة في مختلف النواحي.

التقت "العربي الجديد" بعض المواطنين من سكان تلك المحلة. ينفي فيكتور تادرس (40 عاماً) أنّ تكون الحكومة قد قدمت شيئاً لسكان زرايب 15 مايو، مشيراً إلى أنّ "من وقف إلى جانبنا هم أهل الخير والجمعيات الأهلية، أما التلفزيون المصري فقد قام بتصوير تسليم أغطية ومواد غذائية ناسباً ذلك إلى الحكومة وهو ما لم يحدث". يتابع: "نعيش في ظروف اجتماعية وصحية خطيرة، إذ إنّ كثيرين منا في العراء، فيما الآخرون لدى أقاربهم". يضيف: "الحشرات الضارة والعقارب والثعابين تطاردنا، كوننا إلى جوار الجبل، فقد خرجت من جحورها بسبب السيول".

بدوره، يلفت الخمسيني مجدي يعقوب إلى أنّ "السيول جرفت كلّ أمتعتنا، فيما كانت الخسارة أكبر بكثير على من فقد زوجته أو أحد أولاده". يتابع أنّ المياه دخلت إلى جميع الأدوار الأرضية التي تحتوي على الكرتون والصفيح التي يجمعها السكان لبيعها عادة. ويحذر من تفشي الأمراض لاحقاً إذ إنّ الأمطار أدت إلى تعفن في المكان مع ما فيه من أكوام قمامة تنتظر الفرز للاستفادة منها.

من جهته، يقول ميشال عبد النور، إنّ حضور وزيرة التضامن، نيفين القباج، إلى المكان بعد السيول هو مجرد "شو إعلامي". يضيف: "نحن نعيش بلا كرامة اجتماعية، ولا تتوفر لنا أي حقوق إنسان. لا أحد هنا يشعر بنا، فيما السيول كشفت عن إهمال الحكومة لنا، لكنّنا لا نملك إلا أن نطالبها بشرعنة أوضاعنا، بعدما جرفت السيول المنازل وحولتها إلى أماكن غير صالحة للإقامة".



ويعبر كمال حبيب (60 عاماً) الذي جاء من الصعيد قبل سنوات مع أسرته، ليعمل في مهنة جمع وفرز القمامة، عن غضبه الشديد، مؤكداً أنّ عدداً كبيراً من السكان شيدوا بيوتاً في المكان وزوجوا أولادهم، لكنّ السيول دمرت كلّ شيء، وحولت المكان إلى مدينة أشباح، فيما انقطع التيار الكهربائي بالكامل، ولم يعد إلا بعد أيام من الأزمة، ولعدة ساعات يومياً فقط، حاله حال المياه. يضيف أنّ مجموعة من السكان شكلت فرقة إنقاذ للتدخل ومساعدة السكان، في انتشال سياراتهم ومساعدة كبار السن والنساء والأطفال بسبب الأمطار والسيول، مشيراً إلى نفوق الطيور والمواشي الخاصة بهم مع خسائر مادية أخرى إذ تلفَت الأجهزة الكهربائية، وضاعت أموال وممتلكات جرفتها السيول، ومات عدد من الأهالي أو أصيب، فيما الحكومة بعيدة كلّ البعد عن المواطنين.

دلالات