نقاش عربي متكرر

نقاش عربي متكرر

05 فبراير 2016
جميعنا مهموم بقضايا الأمة (فرانس برس)
+ الخط -
يرى أحد الأصدقاء أن العرب يعانون مؤامرة كونية تكاد تقضي عليهم، وأنهم أكثر شعوب الأرض تعرضاً للظلم والقتل من جانب أطراف كثيرة تحيط بهم، بينما يرى صديق آخر أن العرب هم وباء الكرة الأرضية، وأن الإجهاز عليهم جميعاً، بما فيهم هو نفسه، سيخلص العالم من شر كبير ويجعله أفضل كثيراً، فيرد صديق ثالث بتوجيه سباب مشين للشخصين السابقين؛ متهماً الرجلين بتهم كثيرة تثبت للأسف بعض ما يرددانه عن العرب.

في هذا النوع من الجلسات، وإزاء تلك النوعية من النقاشات، ألتزم عادة الصمت، ليس عجزاً عن المشاركة في السجال، ولا انتصاراً لفكرة رابعة، ولكن إيماناً بأن تلك النقاشات المطولة المتكررة لا تجدي نفعاً وأنها لا تفضي أبداً إلى نتيجة أو اتفاق، وربما لاعتقادي أن ما يراه الأصدقاء الثلاثة فيه بعض من منطق، وإن كان يخالف الحق.

أنا وأصدقائي الثلاثة، وكل منهم من جنسية مختلفة، ولدنا لأبوين عربيين، وتربينا وسط العرب؛ وجميعنا مهموم بقضايا الأمة انطلاقاً من هموم بلده المأزوم، وكل منا منهمك في ملاحقة أخبار احتلال فلسطين، والحرب الدائرة في سورية واليمن والعراق وليبيا والصومال، وعنف السلطة الغاشم في مصر والسودان والجزائر...، والصراع السياسي المدمر في لبنان وتونس، والتهميش القائم تجاه موريتانيا وجيبوتي، والتدخل الخارجي في كل دول المنطقة، وجميعنا يرفض أو يحاول مقاومة القمع والرجعية والابتذال المتفشي في بلدان العرب، والذي يتخذ أشكالاً متباينة لكنها في المحصلة قائمة.

لم يصل أي منا إلى قناعاته فجأة، ولم يعلنها بتلك الفجاجة مصادفة، ولم يؤثر فيه حدث عابر أو واقعة بعينها؛ جميعنا جرب انتصارات وانكسارات، وعاش أزمات وصراعات، وكلنا تغيرت آراؤه وقناعاته، بل وحتى انحيازاته، بتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ما يجمعنا كأصدقاء، وربما يحفظ صداقتنا المتوترة، أنّ أياً منا لا يستطيع العودة إلى بلاده لأسباب متباينة، وأن أياً منا يرى أن بلده على شفا حفرة من نار، أو سقط في الحفرة بالفعل؛ لا يرى أحدنا أن ما يجري في العالم العربي يمكن أن يفضي إلى خير، حتى أن أكثرنا تفاؤلاً يرى أن كارثة كبيرة على الأبواب وأنها ستسحق في طريقها كثيراً من الأنفس وتعطل حلم المستقبل الذي يعيش الملايين بانتظاره.

تنتهي حواراتنا دائماً بإفراغ قدر كبير من الكلام الغاضب في وجوه بعضنا الآخر، قد يغضب بعضنا قليلاً مما قيل، لكننا نلتقي مجدداً لإفراغ قدر جديد من غضبنا المكبوت، ربما يكون تفريغ الغضب أهم فوائد اللقاء، بعد أن استنفدت النقاشات كل الأفكار وانتهت إلى أنه لا جدوى.

اقرأ أيضاً: هل يعود الربيع؟

المساهمون