جزائريون يطلبون العلاج والدعم النفسي لقهر السرطان

جزائريون يطلبون العلاج والدعم النفسي لقهر السرطان

04 فبراير 2018
العلاج المناعي أثبت جدارته في علاج السرطان (فيسبوك)
+ الخط -
رحلة عذاب يجتازها مرضى السرطان في الجزائر منذ لحظة تشخيص الإصابة بالداء الخبيث، والبدء بالعلاج المؤلم والمكلف.

مع اكتشاف إصابة أحد أفراد الأسرة بالمرض الخبيث يشعر كل أفرادها بوطأة المرض، بحسب نور الدين الذي مرض والده ذو السبعين عاماً بالداء في المثانة. وأوضح لـ"العربي الجديد" أن رحلة التحاليل والعلاج أدخلت الأسرة في دوامة كبرى لأن مريضها لا يتحمل الآلام.

وتابع نور الدين أن التحاليل المضنية لم يتمكن من إجرائها لوالده في المستشفيات الحكومية بسبب نقص وسائل العلاج من أشعة وتحاليل معمقة، ما دفعه لإجرائها بكلفة زادت عن 700 يورو (نحو 875 دولاراً) في مركز للأشعة بولاية تيارت غربي العاصمة الجزائرية، فضلاً عن مراجعة مستمرة للطبيب المتخصص بعلاج الأورام.

ولفت إلى أن العلاج الذي ينتظر والده يزيد عن عشر جلسات من العلاج الكيميائي، تتبعها جلسات من العلاج الإشعاعي، التي يفضل إجراؤها لدى مستشفيات الحكومة، لأن المراكز الخاصة مكلفة جداً.

وعن مراحل علاج المصاب بالسرطان تصفها زبيدة المصابة بالمرض العضال بأنها "رحلة موت أثناء الحياة".

وقالت لـ"العربي الجديد" إنه على الرغم من قوتها وصبرها إلا أنها "سقطت كثيراً، وتعبت كثيراً، وكنت أحياناً أتمنى الموت لأتخلص من الألم ". كشفت أنها تعيش انهياراً عصبياً لأنها تخشى من أن يخطفها المرض بعيداً عن أولادها الخمسة، خصوصاً عندما تراهم يلتفون حولها وهي لا تقدر حتى على التحرك من مكانها، وإعداد الطعام لهم بسب تحذيرها من الاقتراب من البخار أثناء خضوعها للعلاج.

 

الانتظار في المستشفى حتى بعيد موعد جلسة العلاج وصفه بعض المرضى بأنه "في حدّ ذاته انتحار". هم بالآلاف يتلقون العلاج الكيميائي ويعانون من آثاره. وقال أحدهم: "أحياناً لا نرى أحداً من حولنا، على الرغم من أننا محاطون بالعائلة، لا نشعر بوجودهم وبأصواتهم. نرى الحزن والدموع في أعينهم، ونحس بالشفقة علينا. وأحيانا نرى الموت يزورنا يومياً ويمهلنا ليوم جديد".

يركز كثير من المختصين على "ضرورة إحاطة المريض بالعناية النفسية، وعدم تكرار اسم المرض وخطورته أمامه، ومنحه فرصة التنفس بعيداً عن محيط المستشفى ورائحة الأدوية وصور الأوجاع المحيطة به، فكل ذلك يؤثر على نفسيته ويتركه منغمساً بآلامه الشديدة".

"بعض المرضى يتمكنون من العودة لحياتهم اليومية بأضرار جانبية، وأكثرهم يودعون الحياة بعد قضائهم أشهراً في طريق العلاج المضني، ومنهم من يلجأ للمهدئات للنوم المؤقت"، بحسب محمد نجار، المريض القادم من منطقة بودواو في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية.

وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "الممرضين طلبوا منه العودة الأسبوع المقبل بسبب تأجيل جلسة العلاج، وكان يعلق الأمل على حصة العلاج الكيميائي لينهي تلك الرحلة القاسية"، لافتاً إلى أنه لا يقوى على تقبل هذا الواقع المريع.

العلاج للجميع لكن..

توجد في الجزائر سبعة مراكز مدعومة من الحكومة لعلاج مرضى السرطان، أكبرها مركز "بيار ماري كوري" في مستشفى مصطفى باشا الجامعي في قلب العاصمة الجزائرية. غير أنها بحسب المختصين والمرضى لا تكفي لعلاج المرضى، وتلبية المواعيد المحددة لجلسات العلاج.

لكن المريض لا ينتظر، والمرض لا يتوقف، هكذا يعلق بعض المرضى وعائلاتهم في تصريحات لـ"العربي الجديد" بالنظر إلى نقص التجهيزات الطبية، التي تجعل مواعيد العلاج تتأجل إلى شهر أو شهرين أو أكثر. ويئن أغلب المرضى القادمين من مناطق داخلية ومن الجنوب الجزائري من بعد المسافات ومشقة السفر.

بحسب أرقام وزارة الصحة الجزائرية تسجل الجزائر ما يربو على 42 ألف إصابة سنوية بمرض السرطان.





المرضى في انتظار تخفيف الألم


أوضح رئيس الجمعية الجزائرية للأورام البروفيسور كمال بوزيد أن العلاج المناعي أفضل بعشرات المرات من العلاج الكيميائي والإشعاعي، ويسهم في تحسين حال عشرات المرضى، خصوصاً المصابين منهم بسرطان المثانة والجلد والثدي والرئة.

ويستخدم العلاج المناعي بحسب المختصين كبديل ناجع، على اعتبار أن تأثيراته الجانبية أقل من تلك التي يسببها العلاج الكيميائي، إذ إنه يقوي مناعة المريض ويرفع نسبة الشفاء، ويخفّض الآثار الجانبية إلى أكثر من 20 بالمائة.

وكشف البروفيسور بوزيد، في تصريحات صحافية، أن وزارة الصحة الجزائرية تجري مفاوضات متقدمة مع مخابر الدواء "بي آم آس" و"آم آس دي" و"روش" للظفر برخصة استخدام أدويتها، وتحديد السعر النهائي للعلاج بالنظر إلى تكلفته الباهظة التي تصل إلى ما يقارب 8 آلاف يورو (ما يقارب 10 آلاف دولار) لجلسة العلاج الواحدة.

وحذّر الخبير الاقتصادي ووزير التخطيط والاستشراف السابق بشير مصطفى، بدوره، من زحف السرطان ومخاطره. وكشف في تصريحات صحافية أن عدد المصابين بداء السرطان في الجزائر سيزداد بنحو 23 ألف إصابة سنوياً بحدود عام 2030. واعتبر أن المرض سيحتل المرتبة الأولى في الأمراض المنتشرة في الجزائر بعد أكثر من عشر سنوات.

ولفت إلى أن تكاليف علاج المريض الواحد بالسرطان تصل إلى أكثر من 30 ألف يورو (نحو 37500 دولار)، وهي تكلفة باهظة جداً، ما يجعل المواطن البسيط ينتظر العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية.


أصوات تنادي بمستشفى خيري


وأطلقت فاطمة حمدي، راعية المبادرة الإنسانية "لأجل مستشفى كبير لمرضى السرطان في الجزائر". ذكرت لـ"العربي الجديد" أن "الفكرة نابعة من مضاعفة عدد المرضى في الجزائر، خصوصاً أولئك القادمين من المدن الداخلية الذين يقطعون مسافات طويلة من أجل تلقي العلاج، ويجدون صعوبة في الوصول، ويستسلمون للموت البطيء".

وطالبت حمدي الجزائريين بدفع "التبرعات لبناء أكبر مستشفى مجاني لعلاج المرض الخبيث، ومتابعة المرضى طوال مدة العلاج". ولفتت إلى أن المرض يتزايد سنوياً ولا تمكن مواجهته سوى بتكاتف كل الجهود من مواطنين وأطباء ومختصين ومسؤولين.

المساهمون