سفر عبر الزمن

سفر عبر الزمن

23 مايو 2017
إلى ماضٍ أم مستقبل؟ (فرانس برس)
+ الخط -

لعلّ السفر عبر الزمن واحد من أبرز القضايا التي شغلت الإنسان منذ بدأ التفكير خارج إطاره الاجتماعي - الثقافي الضيق. بدء التفكير ذاك ليس مرتبطاً بعصر محدد أرسى قوانين جديدة، أو أسس لمقاربة مختلفة، أو شهد فتحاً علمياً. هو كذلك منذ أزمنة طويلة قد لا نعرف لها هوية، بالرغم من تسارع التفكير في السفر عبر الزمن، منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين خصوصاً مع نسبية ألبرت أينشتاين.

في الوقت الحاضر كثير من التفكير بذلك السفر، وعدا عن النظريات العلمية التي تعترف بالزمان بعداً رابعاً وتحاول تفسير السفر من خلاله، وبأشد تبسيط لها يعيدنا الالتفاف على هذا الخط إلى الماضي، ويرسلنا تسريع الخطى عليه إلى المستقبل، فإنّ مجلات الكوميكس وروايات الخيال العلمي التي دخل كثير منها إلى السينما والتلفزيون أشبعتنا رغبة في ذلك النوع من السفر، سواء عبر "آلة زمن" أو عبر طرق أخرى.

الواقع يشير إلى أنّ مجتمعاتنا تفكر تماماً بذلك السفر ولو أنّها تسبغ عليه تسميات أخرى، غالباً ما تكون أيديولوجية تدخل في صميم المقدس والمدنّس، والراقي والمنحطّ، والمتحضّر والهمجي، وغيرها من الثنائيات.

في عالمنا كثير من هذا الجدل، فثنائية التراث والحداثة ما زالت تتحكم بالواقع الاجتماعي وتسيّر الناس وفقاً لها. فبين "تقدمي" و"أصولي" و"موفِّق" ما بين "التقدمية" و"الأصولية" تقنع كلّ الأطراف نفسها، وترضخ لحتمية السير على خط تطوري واحد منذ الأزل وإلى الأبد. بعضها يشطح في اتجاه السفر إلى الأمام لجني محاصيل التقدم التكنولوجي والمعلوماتي والعلمي والتسارع الرهيب في الأحداث، وبعضها يتمسك بالماضي وما فيه من وداعة وهناءة وامتزاج بالطبيعة والآلهة، وبينهما دائماً من يمسك العصا من المنتصف فلا يشطح في "مستقبل" ولا يغرق في "ماضٍ".

تلك النظرة تطبعنا وتجعلنا نصنّف الناس في حياتنا اليومية، حتى، وفقاً لها: "حضاريين" و"متخلفين"، وهم في حقيقة أمرهم "حضاريون" إذ يلتزمون بحضارة طاغية ولو لم يكونوا شركاء في صنعها أو في وراثتها حتى، و"متخلفون" إذ يتخلفون عن تلك الحضارة بالذات ويُطلَب منهم في المناهج التربوية والدساتير والقوانين والعلاقات الاجتماعية والبنى الثقافية أن يلحقوا بها إن أرادوا إزالة وصمة "التخلّف" عن أنفسهم.

بعيداً عن ذلك الخط التطوري، ما زال جميلاً، على المستوى الشخصي، السفر إلى الماضي من خلال الذاكرة بالذات، والتقاط بعض لحظاته "الممتعة"، أو السفر في الخيال إلى المستقبل وجني ما فيه من مفاجآت "سعيدة". المشكلة أنّ الغربلة غير متاحة غالباً، والبديل عنها غزو يصاحب فيه الجيّدَ من الذكريات والأمنيات السيئُ منها.


دلالات

المساهمون