هلع كورونا... وباء نفسي يزيد الاضطرابات

هلع كورونا الجديد... وباء عالمي نفسي يزيد الاضطرابات

بيروت

سارة مطر

avata
سارة مطر
16 مارس 2020
+ الخط -

الذعر من فيروس كورونا الجديد يشمل جميع الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية، ولا سيما بعد الانتشار السريع للفيروس، وازدياد حالات الوفيات، وهو ما يولّد ما يشبه الوباء العالمي المتزامن، المرتبط بحالة الهلع

لم يعد خافياً على أحد أنّ فيروس كورونا الجديد الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية أخيراً وباءً عالمياً، كان قد تحوّل منذ بداية انتشاره خارج الصين وباءً نفسياً عالمياً، سبق إعلان المنظمة، ودفع إلى تعليق الفعاليات والاحتفالات وإغلاق المدارس والمؤسسات والمسارح ودور السينما، أو وقف رحلات الطيران إلى البلدان الموبوءة.

حالة الهلع من فيروس كورونا الجديد، التي جعلت معظم شعوب العالم أسرى منازلهم، مع ما رافقها من موجات تنمّر وعنصرية تجاه المصابين والشعب الصيني على حدّ سواء، أدّت إلى سلوكيات، كان لها الأثر النفسي على المصابين والمشتبه في إصابتهم، وعلى الخائفين من الإصابة وأولئك المهووسين بالنظافة والتعقيم، وكذلك على المستهترين بالفيروس وأصحاب النظريات "الدينية" الخارجة عن المنطق والعلم.

في هذا الإطار، يعتبر الطبيب النفسي المتخصّص بالكبار والأطفال، نزار حجيلي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ "حالة الهلع الحاصلة مفسّرة ويمكن تفهّمها، لكنّها غير مبرّرة، وهي ناتجة من ضعف المعلومات العلمية لدى العديد من الأشخاص، واعتمادهم على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام ومقابلات تلفزيونية تبثّ بمعظمها الذعر والخوف". ويقول: "نجد بين الأشخاص، مَن ينتابه شعور الوهم والخوف والهوس، فمن هو بطبيعته قلق ومتوتّر، يتفاقم ردّ فعله وخوفه، ومَن يغلّب عامل الدين على المنطق والعِلم، بالإضافة إلى أشخاص غير مكترثين ومستخفّين بالفيروس". يضيف: "تضاعف عدد المرضى النفسيّين منذ بدء انتشار الفيروس، وتفاقم العدد بعد إعلانه وباءً عالمياً". ويكشف حجيلي أنّ "الحالات التي يعالجها حالياً في معظمها نوبات هلع وتوتّر مرضي، ومن بينها حالات باتت بمراحل قصوى مع وصولها إلى الكآبة". يؤكّد أنّ "الهلع ليس مرضاً بحاجة إلى علاج، وهو يختلف عند الأطفال بحسب مستوى نضجهم وفهمهم. كذلك، فإنّ الوسواس الحاصل ليس الوسواس القهري المرضي، بل هو وسواس يمكن فهمه". ويدعو حجيلي المعنيّين في كلّ دولة ووسائل الإعلام إلى "تهدئة النفوس عبر نشر الأخبار الصحيحة، وعلى الأفراد مسؤولية كسر هذا الخوف، سواء من خلال ممارسة الرياضة داخل المنزل أو التأمّل الواعي (Mindfulness) المشابه للتأمل (Meditation)، وإلا فنحن ذاهبون إلى كارثة حقيقية، ولا سيّما بعد فترة العزلة المفروضة وانعكاسها على الحياة الأسرية والجنسية وما يرافقها من توتّر ضمن العائلة الواحدة".

وعن الحالة النفسية للمصابين بالفيروس، يقول حجيلي: "يجري التعاطي معهم كما كان التعاطي مع مرضى نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، إذ كانوا يهربون منهم ويتجنّبونهم، فكأنّ فيروس كورونا اليوم وصمة عار. وهذا ما يفاقم من الحالة النفسية للمريض، بالإضافة إلى عزلته ووحدته، وقد يصل به الأمر إلى الكآبة مع ارتفاع مستوى التوتّر، ولاحقاً قد يعاني صدمات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، وما يتبعه من كوابيس تؤثّر في شخصيّته، وتنجم عنها عوارض هلع وخوف مرضية". 

يرتدي الكمامة الواقية والقفازات لحماية نفسه من الإصابة (حسين بيضون) 


وعن ظاهرة التهافت إلى الأسواق والصيدليات، يربطها حجيلي بمسألة "الخوف الذي يسيطر علينا، خصوصاً لدى الشعوب التي عانت الحروب والأزمات، وبات التموين عادة من عاداتها"، مؤكّداً أنّ "وضع الكمامة مفيد فقط في حالة العاملين في المجال الطبي والتمريضي وعند الاحتكاك بعدد كبير من الأشخاص، لكنّ الخوف دفع الناس إلى شراء الكمامات بأعدادٍ كبيرة، وإلى التمسّك بأخبار عن حالات شفاء ومعجزات وبوصفات أعشاب وأطعمة، مثل تناول الثوم أو غيره، علماً أنّ الدين والإيمان هو للصلاة فقط من أجل اجتياز هذه المرحلة".

وفي سياقٍ متصل، تعتبر المتخصصة في علم النفس الاجتماعي جومانة الأعور جِفرز، أنّ "حالة الهلع الموجودة طبيعية، لكون الفيروس منتشراً عالمياً، وكون طبيعة البشر تميل إلى اللحاق بالموجة، وهذه السلوكيات تتفاقم مع الأزمات. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك 5 أشخاص متوتّرين بين مجموعة مؤلّفة من 25 شخصاً، فإنّ ذلك سينعكس سلباً على الجميع".

واعتبرت أنّ "الأهم في هذه المرحلة هو كيفية التحكم بمشاعر الخوف والهلع، كي لا تتراكم لأنّ آثارها السلبية عديدة، لناحية علاقاتنا وقدرتنا على التركيز والإنتاجية". تقول: "للأسف، تدفع الأخبار المتداولة إلى زيادة حدّة التوتّر والقلق. فلا داعي مثلاً للتزاحم على السوبرماركت والصيدليات، كما حصل في العديد من البلدان، حتى إنّ أحد أكبر المتاجر في أستراليا خصّص مبيع حزمة واحدة فقط من أوراق المراحيض، بعدما فُقدت من الأسواق بسبب شائعة". تشدّد الأعور جِفرز على أنّ "المطلوب اليوم التزام المنزل والاهتمام بالنظافة الشخصية وتوخّي الحذر وتجنّب الاحتفالات والتجمّعات والزيارات".



وعن كيفية تخطّي حالة الهلع، قالت: "نساعد أنفسنا عبر محاولة العيش بشكل روتيني طبيعي، لناحية النوم والاستيقاظ باكراً، تماماً كما كنّا قد اعتدنا أيام العمل أو الدراسة، ممارسة التمارين الرياضية داخل البيت أو خارجه في حال وجود حديقة خاصّة أو شارع خالٍ من المارّة، كما ممارسة اليوغا ومشاهدة يوتيوب، لأنّ التمارين الجسدية تنعكس حتماً على مهارات التفكير"، داعيةً إلى "التمسّك بالإيمان الداخلي والاستماع إلى الموسيقى المفضّلة، والسعي إلى الابتكار في الطبخ أو غيره، كما إلى التواصل عبر الهاتف مع الأجداد والأحبّاء والأصدقاء، لما له من أثر نفسي فعّال، وكذلك التخفيف من متابعة وسائل الإعلام التي لا تزيد المعلومات إنّما تفاقم من التوتّر".

تأسف الأعور جِفرز، لما "يتعرّض له المصابون بالفيروس والشعب الصيني من تنمّر وعنصرية، فاللوم لم يأتِ يوماً بنتيجة، بل على العكس كان دوماً مدمّراً وسلبيّاً"، مؤكّدةً "أهميّة دور الأطباء وجهودهم الحثيثة في ابتكار العلاج لكسر حالة الهلع، وكذك دور المسؤولين في بثّ الاطمئنان، أقلّها عبر إجراء الفحوص للمسافرين. كذلك، تقع على الإعلام مسؤوليّة تقديم المعلومة الصحيحة، وعلى الأفراد مسؤولية التزام الإجراءات المتّبعة". وعن اختلاف الأثر النفسي بين الفئات العمرية والجنسية، تقول: "هو الأثر نفسه، لكن بفارق بسيط، إذ إنّ الأطفال تحت 15 عاماً قد يكونون غير مدركين لما يحصل من حولهم كما هي حالة الكبار، بالإضافة إلى ذلك أنّ المسنّين الذين يُحكى أنّهم الأكثر عرضة للإصابة، قد يكونون الأقل تأثراً نفسيّاً، ذلك أنّ المسنّ قد اختبر العديد من الأزمات والمصاعب، وهو الأكثر التصاقاً بالحقيقة والواقع ولا يفكّر في أيّ مستقبل، حالته مختلفة تماماً عن حالة الشباب والأمّهات والآباء".



حالة الهلع والخوف العام انعكست عنصرية وسخرية وتنمراً من جهة وإقبالاً على شراء السلع وأدوية التعقيم والوقاية من جهة أخرى. وقد ترجمت ذلك صور بعض المتاجر والصيدليات ذات الرفوف الخالية في أكثر من بلد، فقد سارعَ السكان على شراء الكمّامات وأدوية التعقيم والمناديل الورقية وقوارير المياه والعديد من السلع والمنتجات الغذائية، وبادر بعضهم إلى كتابة قائمة المشتريات بصيغة إلكترونية بعدما كان يتناقلها عبر واتساب.

في مدينة سياتل الأميركية، بولاية واشنطن، تزاحم السكان على شراء السلع والمنتجات وتكديسها في عربات التسوّق، متكبّدين بذلك عناء الوقوف في طوابير طويلة، حتّى إنّ أوراق المراحيض والمياه الغازية واللبن (زبادي) اختفت عن الرفوف بسرعة فائقة، وكذلك رفوف المتاجر التي خلت من السلع. وفي بريطانيا تهافت السكان أيضاً على شراء السلع الغذائية، وحدث أن هربت سيدة عجوز من أحد متاجر العاصمة، فور سماعها عطاس أحدهم. كذلك، تعرّضت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لموقف محرج عندما امتنع وزير داخلية بلادها عن مصافحتها، خوفاً من العدوى.

يساعد المرضى (حسين بيضون( 


وفي سنغافورة، بالغ المستهلكون في شراء الأرز والشعيرية، إلى حدّ دفع رئيس الوزراء، لي هسين لونغ، إلى طمأنة الناس بوجود كميات كافية منها. وفي مدينة أوكلاند في نيوزيلندا، زاد معدل الإنفاق على السلع الغذائية بنسبة 40 في المائة، مقارنة بالعام السابق. وفي ماليزيا زاد معدل المبيعات الأسبوعي لأدوية تعقيم اليدين بنسبة 800 في المائة. وفي إيطاليا، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو لمواطن إيطالي يبعث برسالة إلى السلطات وبجانبه جثة شقيقته التي توفيت جراء فيروس كورونا الجديد، وفق قوله، منتقداً تقاعس السلطات عن إسعافها خوفاً من التقاط العدوى. وفي إيران، سبّب فيديو لشخصين يلعقان الأضرحة تحدّياً للفيروس، في إثارة الرعب والذعر، ما دفع السلطات إلى اعتقالهما. وفي الجزائر، بات المواطنون يتفادون التجمّعات والأعراس ووسائل النقل الجماعية، إلى جانب الإقبال على شراء أدوية التعقيم والتطهير والمناديل الورقية واستعمالها يومياً. وأصبح السلام بالتقبيل والمصافحة يشكل استنفاراً وعدم استحباب لدى شريحة واسعة. وفي مطار هواري بومدين الدولي، أظهرت وسائل الإعلام صوراً لجزائريين ينظرون بدهشة إلى صينيين، ووضع بعضهم أيديهم على أفواههم وأنوفهم، اعتقاداً منهم أنّ ذلك سيحميهم من العدوى، المفترضة.

وفي مطار قرطاج في تونس، أثار الاشتباه في إصابة أحد عمال الخدمات الأرضية بالفيروس، حالة من الهلع في صفوف زملائه. وفي لبنان، هرب زبائن إحدى الصيدليات، لدى دخول أحد موظّفي السفارة الصينية إليها. وفي مصر، تعرّض راكب صيني في سيارة أجرة للتنمر والسخرية من قبل شباب مصريين طالبوا السائق بإخراجه من السيارة خوفاً من العدوى، فأنزله وسط صياح المارة ومناداته بـ"كورونا"، ما دفع عدداً من المصريين إلى التعاطف معه والاعتذار منه. وسُجّلت أحداث غريبة حول العالم، مثل اعتقاد البعض أنّه يستطيع الشفاء من الفيروس بتناول بول الأطفال، أو الفلفل الحار أو الثوم أو شرب الكحول ممزوجاً بالليمون.

ذات صلة

الصورة
أطفال غزة وجوع في قطاع غزة (عبد زقوت/ الأناضول)

مجتمع

أفادت منظمة يونيسف بأنّ أكثر من 80 في المائة من أطفال غزة "يعانون من فقر غذائي حاد". ويأتي ذلك وسط الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة المحاصر.
الصورة
ميناء أشدود/Getty

اقتصاد

انعطفت الأسواق الإسرائيلية سريعاً نحو أوروبا، وسط نقص وتأخير في السلع القادمة من آسيا تحديداً، بسبب استهداف الحوثيين المكثف للسفن المتجهة إلى إسرائيل.
الصورة
نازحون فلسطينيون في مخيم أونروا في خان يونس في غزة (مصطفى حسونة/ الأناضول)

مجتمع

أفادت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، بأنّها تشعر بقلق بالغ إزاء انتشار الأمراض في قطاع غزة، وذلك في اليوم الثاني والأربعين من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع وأهله.
الصورة
الناشطة الإيغورية رحيل داوت (إكس)

مجتمع

حُكم على عالمة بارزة من الإيغور مُتخصصة في دراسة الفولكلور والتقاليد الشعبية بالسجن المؤبد، وفقاً لمؤسسة مقرها الولايات المتحدة تعمل في قضايا حقوق الإنسان في الصين.

المساهمون