عودة الحرب بين الكنّة والحماة

عودة الحرب بين الكنّة والحماة

13 مارس 2016
الحرب خلقت توتّرات جديدة (الأناضول)
+ الخط -
الحرب في سورية والظروف الماديّة الصعبة، دفعت عائلات كثيرة إلى النزوح والعيش معاً في منزل واحد، غالباً ما يكون ضيّقاً. أمرٌ أدّى إلى تدهور العلاقة بشكل كبير بين الحماة والكنة

طوالَ السنوات الأربع الماضية، فرضت ظروف النزوح واللجوء على كثير من العائلات السورية نمطاً جديداً من العيش، في ظلّ قلّة خيارات السكن المتوفّرة والارتفاع الكبير في بدلات الإيجار. هذان العاملان بالإضافة إلى أسباب أخرى، أجبرت عائلات عديدة على السكن في منزل واحد بسبب ضعف الإمكانات، فكان أن تواجدت الزوجة ووالدة الزوج في منزل واحد، ما أحيا الصراع الأزلي بين "الكنّة والحماة".

قبل نحو ثلاث سنوات، تركت أمل وزوجها وأطفالهما المنزل خوفاً من القصف المتكرّر. كلاهما خسرا عملهما، فيما أصيب أحد أطفالهما بشظية في صدره وقدمه. مع ذلك، تقول إن سكنها في منزل حماتها هو أسوأ ما حدث لها خلال السنوات الماضية. تقول: "الحرب لم تكن على جبهات القتال القريبة فحسب، بل في بيتي أيضاً. طوال الفترة الماضية، لم نعش يوماً مسالماً". عانت أمل من تدخّل حماتها في تفاصيل حياتها العائلية. تضيف: "بدأت بإبداء الملاحظات قبل أن تنتقل إلى إعطاء الأوامر ثم المحاسبة وافتعال المشاكل. حاولت بشتى الطرق إبعاد زوجي عني. وعلى مدى أشهر، ظلّت تنام في غرفتنا بحجة أو بأخرى".

بعد مرور نحو عام، باتت الكراهية بين أمل وحماتها معلنة. تقول: "بين المزاح والجد، كانت تدعو لي أن أستشهد بالقصف، فأردّ عليها: جميعاً إن شاء الله. هذه المشاكل أثّرت على صحتي الجسدية والنفسية، وعلى أطفالي الذين انغمسوا في خلافاتنا من دون أن أعي ذلك. علاقتي مع زوجي باتت متوترة. كان يعترف بأن أمه على خطأ، من دون أن يستطيع الوقوف في وجهها. المشكلة أننا لا نملك المال لاستئجار منزل آخر".

خلافات أمل وحماتها ليست جديدة، لكنها في الماضي كانت أقرب إلى "الحرب الباردة" على حدّ قولها. لم تجد حلاً إلّا العودة إلى منزلها. تقول: "منطقتنا ليست آمنة، لكن الخطر أهون علي من العيش معها". تضيف: "ليس هناك من فائز في هذا النزاع، والابتعاد هو الحل الأفضل".

لا تصلح لولدي
تعيشُ أم أحمد وهي أرملة ستينيّة، مع عائلتَي ولدَيها الوحيدين، وقد نزحوا جميعاً من بيوتهم في مدينة دير الزور إلى دمشق. تقول إنها سعيدة بالعيش معهما وأطفالهما، لافتة إلى أن المشكلة هي مع زوجتَيهما على الرغم من أنها هي من اختارتهما. تشير إلى أنها نادمة، "فلا يمكن معرفة أخلاق الفتاة وتربيتها إلّا في الظروف الصعبة". تضيف أنه قبل العيش معاً، كانت العلاقة جيدة، قبل أن أكتشف أن ولدَيّ ليسا سعيدين مع زوجتَيهما. تشير إلى أنها لا تحاول التدخّل بحياتهما، بل تكتفي بتعليمهما التصرف بشكل جيّد والعمل المنزلي.

من جهته، يصف وليد، الابن الأصغر لأم أحمد، مشاكل زوجته وأمه بأنها "تُقصّر العمر وغير قابلة للحل". يضيف: "ليستا على استعداد لتقبّل واحدتهما الأخرى، ليكون الرجل هو الضحية. حتى اليوم، لم أجد أي حلّ. كلّ ما أفعله هو قضاء أكبر وقت ممكن خارج البيت والتأخر في العودة إلى المنزل".

طلاق
قبل فترة أُرغمت كفاح على النزوح وزوجها قاسم وطفلتَيهما من إحدى قرى الريف إلى مخيم أطمة على الحدود التركية السورية. لكن الظروف المعيشيّة السيّئة اضطرت قاسم إلى اللجوء إلى منزل استأجره والداه في مدينة أنطاكيا التركية، ما اضطر عائلة قاسم ووالداه وابنة خالته إلى العيش في بيت لا تتعدى مساحته 35 متراً.

تقول كفاح: "حاولت حماتي استغلال ظروفنا الصعبة لتتحكّم بحياتنا. كانت يومياتنا مليئة بالمشاكل والصراخ. وعلى الرغم من المعاناة في المخيم، كنتُ أطلب من زوجي العودة إليه. لطالما لم تحبني، وشعرتُ أنها وجدت الفرصة المناسبة للانتقام".

مشاكل كفاح وحماتها لم تتوقّف عند هذا الحدّ. بعد نحو شهرين من حضورها، فوجئت كفاح بزواج زوجها من ابنة خالته. تقول: "عاشت هذه الفتاة معنا في المنزل بعدما فقدت أهلها من جراء القصف. أقنعت حماتي زوجي بأن يتزوجها سراً حتى تتمكن من الإقامة معهم، وهددته بوجوب مغادرة المنزل إن لم ينفذ الأمر". تتابع كفاح: "لطالما قالت لي إنها ستستعيد ابنها مني. في أحد الأيام غاب زوجي عن المنزل ليومين، اتصل وقال إنه مسافر إلى سورية. الشابة أيضاً لم تكن موجودة. بعد يومين، عادا معاً وعرفت كل شيء. في اليوم التالي، خرجت مع طفلَتي، ولم يمنعوني لأنهم كانوا على يقين بأنني سأعود".

الأيّام الأولى لخروج كفاح كانت قاسية. لكنّها تسكن اليوم مع ابنتَيها في مدينة أخرى وتعمل في مجال الخياطة. بعد فترة، حاول زوجها أن يعيدها إلى المنزل لكنها رفضت.

في هذا السياق، توضح الباحثة الاجتماعية صادقة عبد الواحد أن "المسؤولية في هذه الخلافات لا تقع على جهة واحدة، بل في اختلاف المفاهيم بين جيلين. لدى كلّ طرف تصوّر حول ما يجب على الآخر فعله. يلعب الزوج دوراً كبيراً في إحداث التوازن، ويجب ألا يكون منحازاً لطرف دون آخر. ليس المطلوب منه أخذ دور الحكم بين زوجته وأمه، بل الحد من أسباب الخلاف". تضيف: "لا شك في أن الاشتراك في تفاصيل الحياة قد تزيد من حدّة التوتر"، لافتة إلى أن تدخّل الأم في العلاقة بين الزوجَين هي أسوأ ما يمكن أن يحدث. العيش في بيت واحد لا يعني التماهي في كيان واحد، خصوصاً أن المشاكل قد تؤدي إلى نتائج كارثية من الناحية الاجتماعية".

اقرأ أيضاً: الضرّة "تسرق" الرجل.. فتبدأ المشاكل غالباً

المساهمون