أمهات تونسيات يضحين من أجل شفاء أبنائهن

أمهات تونسيات يضحين من أجل شفاء أبنائهن

07 فبراير 2018
محمد عاجز عن المشي (العربي الجديد)
+ الخط -

تضطر آمال التباسي، وهي أم لأربعة أطفال، إلى قطع مسافة 430 كيلومتراً للانتقال من محافظتها في توزر جنوب تونس إلى العاصمة تونس، لعلاج ابنها ياسين البالغ من العمر 6 أعوام، الذي يعاني من مشاكل منذ ولادته بسبب التفاف الحبل السري حوله. تحمل آمال طفلها بين ذراعيها لأنه عاجز عن المشي في رحلة تستغرف سبع ساعات عبر الحافلة. لكن المعاناة لا تكمن في الرحلة الشاقة والكيلومترات الطويلة التي تقطعها هذه الأم، بل أيضاً في التنقل بين المستشفيات، والإقامة مع ابنها في المستشفى.

تؤكد آمال لـ "العربي الجديد" أنها تضطر إلى التوجه 3 أو 4 مرات شهرياً إلى العاصمة لعلاج ابنها، بسبب افتقار منطقتها لأطباء متخصصين وتجهيزات طبية. رغم ذلك، لم تيأس يوماً من احتمال تحسن حالته، ولم تتردد لحظة في نقله إلى العاصمة للعلاج. ودائماً ما تبحث عبر الإنترنت عن بلدان تقدم العلاج لمثل حالة ياسين.

تدهورت حالة ياسين، وفقد بصره. إلا أن أمه أصرّت على متابعة حالته وقصدت متخصّصين إلى أن استعاده، كما أنها اضطرّت إلى البقاء شهراً كاملاً في العاصمة ليتمكن ابنها من الالتزام بساعات التدليك. لكن تضحيات هذه الأم كلّفتها حتى اليوم عدة عمليات، بسبب حملها المتواصل لطفلها، وقد نصحها الطبيب بضرورة الابتعاد عن حمل أي شيء ثقيل. تؤكد أنها ستواصل كفاحها إلى حين شفاء ياسين، خصوصاً أن الاتصالات التي قامت بها أخيراً، تشير إلى أن إمكانية علاجه ممكنة من خلال مركز متخصص في تركيا نجح في علاج بعض الحالات المشابهة. لكن كلفة العملية تقدر بـ 20 ألف دينار (نحو 10 آلاف دولار). لذلك، أنشأت أم ياسين صفحة تحمل اسمها على "فيسبوك" لجمع التبرعات، أملاً في علاج ابنها.


أما سوسن المشرقي (35 عاماً)، وهي من منطقة العزيب قي ولاية بنزرت شمال تونس، فيبدو التعب على وجهها من جراء مرض طفليها الوحيدين، محمد ومؤمن. محمد (عامان) عاجز عن المشي بسبب خلل في عموده الفقري، وتتطلب حالته عناية خاصة. أما مؤمن (4 أعوام)، فيعاني من التوحد وهو عاجز عن النطق. وتقول سوسن إنّ ظروفها الاجتماعية قاسية، إذ إنّ زوجها عامل يتقاضى أجراً يومياً، وهي عاطلة عن العمل، وقد اضطرت إلى بيع خاتم زواجها لنقل ابنها إلى أحد مستشفيات الأطفال في العاصمة.

تضيف الأم أنها تضطر أحياناً إلى حمل طفليها معاً لأن المواعيد قد تتزامن في اليوم نفسه. وبسبب ضعف الإمكانيات المادية، تضطرّ إلى التخلف عن بعض المواعيد وحصص التدليك وتقويم النطق. وتشير إلى أن أكثر ما يؤلمها هو عجزها عن علاج طفليها كما يجب، علماً أنها مستعدة للتضحية في مقابل تحقيق هذه الأمنية.

من جهتها، تقول رئيسة جمعية "سليمة" لمساعدة مرضى السرطان، فاطمة خضيرة، إنّه من خلال الحالات التي تصل الجمعية، فإنّ بعض الأزواج قد لا يتفهّمون مرض الأطفال، ويُحمّلون الأم المسؤولية، وقد يختار بعضهم الطلاق. تضيف أن هذا قد يضطر الأمهات إلى الانقطاع عن العمل أو الحصول على إجازات مرضية للعناية بأطفالهن والإقامة معهم في المستشفى، على حساب الاهتمام بالأطفال الآخرين. تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ الظروف الاجتماعية قد تعمّق الأزمة وتضاعف معاناة الأم، مشيرة إلى أنّ وجود طفل مريض من شأنه أن يقلب حياة الأسرة رأساً على عقب ويستحوذ على كل اهتمام الأم.

وتشير إلى أنّ بعض الأمهات لجأن إلى إنشاء جمعيات لتوعية بقية العائلات، مثل جمعية "سليمة" (اسم ابنة شقيقها التي كانت تعاني من سرطان الدم)، لافتة إلى أن والدة سليمة تعبت كثيراً في رحلة العلاج الكيميائي لابنتها، وكانت التجربة قاسية على شابين تزوّجا حديثاً ورزقا طفلة كانت كل حياتهما، لكنها توفيت بعد معاناة مع المرض.


إلى ذلك، يؤكد مدير إدارة الصحة النفسية في وزارة الصحة، عادل بن محمود، لـ "العربي الجديد"، أنّ وسائل العلاج تطورت وزاد الأمل. ويبين أن لدى الأم علاقة خاصة بالطفل المريض، بحكم عاطفة الأمومة التي تزداد عادة في حال مرض الطفل، معتبراً أنه على الأم أن تكون واعية حول حقيقة مرض طفلها وكيفية التعامل معه، لأن بعضهم قد يزيد من أزمة الطفل المريض. ويؤكد بن محمود أن الأفضل دائماً هو الوقاية والسعي إلى تجنب المشاكل من خلال إجراء الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، مبيناً أنه لا يجب على الأم أن تتحمل وحدها فاتورة مرض طفلها، خصوصاً إذا كان يعاني من إعاقة بصرية أو عضوية أو ذهنية. ويؤكد أنه يجب توعية العائلات حول كيفية التعامل مع الطفل المريض.

دلالات

المساهمون