هجرة "عقول" إيران تنسحب على تلاميذ المدارس

هجرة "عقول" إيران تنسحب على تلاميذ المدارس

29 سبتمبر 2017
في إحدى مدارس إيران (منى هوبهفكر/ فرانس برس)
+ الخط -
يفقد المجتمع الإيراني نخبه بشكل تدريجي. ولطالما كتبت وسائل الإعلام ومؤسسات علمية وثقافية عن خطورة الأمر. وفي تقرير نشرته صحيفة "خراسان" الإيرانية مؤخراً، يتبيّن أنه على الرغم من الخطط والسياسات التي دار الحديث عنها خلال الأعوام القليلة الماضية لحل مسألة هجرة النخب الإيرانية، إلا أنّ الوقائع لا تشير إلى تراجع هذه الظاهرة، بل توسّعها لتشمل تلاميذ المدارس. تضيف أنّ بعض التلاميذ يتعلّمون في مدارس متخصّصة للمتفوّقين وأصحاب الكفاءات، والذين باتوا يتركون البلاد سنوياً نحو وجهات أخرى. وبحسب الصحيفة، تخسر إيران كفاءاتها تدريجياً، لافتة إلى أن التكاليف التي خصّصت للاهتمام بهؤلاء تذهب سدىً. وفي النتيجة ستعاني البلاد من مشكلة كبيرة في المستقبل، وهي اختفاء أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية.

ما من أرقامٍ دقيقة تحدّد أعداد ونسب هؤلاء، وتختلف الآراء بين موقع وآخر. لكنّ "خراسان" تقول إن إحصاءات صدرت في العام الماضي تؤكّد أن 62 في المائة من تلاميذ المدارس الحاصلين على ميداليات وجوائز في المسابقات العلمية الوطنية والدولية تركوا إيران، وغالبيّتهم غادروها إلى كندا وأميركا.

يقول مساعد وزير التربية، رضوان حكيم، إن المشكلة كانت محصورة بطلاب الدراسات العليا، لكن تقارير صادرة عن مدارس نخبوية تتحدّث عن انتقال هذه الظاهرة إلى التلاميذ، واصفاً الأمر بـ "المقلق". يضيف أنّ من يترك بلاده لنيل الماجستير أو الدكتوراه يبقى متعلقاً ببلاده ويفكر بالعودة إليها أكثر من الأشخاص الأصغر سناً، إذ هم قادرون على الاندماج.

ويرى أنّ العوامل الثقافيّة تؤدّي إلى الهجرة، مشيراً إلى أنّه من الضروري تعليم التلاميذ والطلاب الأكفاء أهمية المشاركة في بناء بلادهم وعدم تركها. في الوقت نفسه، يُدرك أنّ الخوف من البطالة يدفع كثيرين إلى الهجرة.

في عام 2014، أكّد مركز الإحصاء في إيران أنه من بين 125 طالباً شاركوا في مسابقات علمية بين عامي 2010 و2013، ترك تسعون شخصاً البلاد للدراسة في الخارج. وبين عامي 2000 و2014، تجاوزت نسبة الإيرانيين المهاجرين من النخبة والحائزين على جوائز علمية، الستين في المائة. وذكرت صحيفة "جمهوري إسلامي" أن نحو 180 ألف إيراني (من النخبة وحملة الشهادات العليا) يهاجرون سنوياً. يقول عضو لجنة التعليم البرلمانية أسد الله عباسي لـ "العربي الجديد" إنّ في المجتمع الإيراني كفاءات مميزة، موضحاً أنه لا يؤيّد عبارة هجرة العقول أو فرارها، متهماً الدول الغربية بمحاولة جذبهم إليها. يضيف أنّ هناك أشخاصاً في إيران يعتبرون الأمور مختلفة في الخارج، وعلى الجميع الترويج للإمكانات الموجودة في البلاد، لافتاً إلى وجود مدارس مخصصة للنخب، ويحظى التلاميذ فيها باهتمام خاص. في الوقت نفسه، يرى أن عامل البطالة منفصل، في وقت تعمل اللجان البرلمانية المعنية على تطوير جودة التعليم وسدّ الثغرات.



وبحسب تقرير صدر في وقت سابق عن صندوق النقد الدولي، فإنّ المستحقات المالية التي يحصل عليها الأساتذة من حملة الشهادات العليا، وحتى التلاميذ المميّزين، منخفضة مقارنة بكفاءاتهم، فضلاً عن عدم وجود استقرار اقتصادي في إيران يمنح هؤلاء الطمأنينة ويدفعهم إلى البقاء، فيفضلون القبول بعروض جامعات أو مؤسسات تعليمية خارجية.

ويرى بعضهم أن السبب لا يتعلق بالمستوى التعليمي في إيران، إذ فيها مدارس وجامعات جيّدة نسبياً. لكن المخاوف من المستقبل هي التي تدفع هؤلاء إلى ترك البلاد. يقول الباحث الاجتماعي حسين باهر إن "ما يحدث خسارة لثروة بشرية. كما في إيران ثروة نفطية، ففيها ثروة أخرى هي كفاءات يجب التخطيط للحفاظ عليها أو إعادتها". يضيف أنّ هجرة النخب، والتي انخفضت معدلاتها العمرية، تترافق وهجرة أخرى يُطلق عليها "هجرة الأجنة". يضيف: "يسافر بعضهم إلى الخارج لإنجاب أطفالهم، ما يعني تهديداً كبيراً يؤدي إلى فقدان الثروة البشرية مع مرور الوقت". ويعتبر أنّه على الحكومة طرح حلول عمليّة في أقرب وقت، ومن حق هؤلاء البحث عن مستقبل أفضل، ومن حقّ بلادهم الاستفادة من كفاءاتهم أيضاً.

ويرى باهر أن المسؤولية مشتركة بين وزارة التربية والتعليم العالي، والجامعات، والمؤسسة العسكرية التي تفرض التجنيد الإجباري، فضلاً عن عاملي البطالة والفقر وغيرها. هذه العوامل مجتمعة تُجبر النخب على المغادرة. يضيف أن "الحلول لمشكلة من هذا النوع ليست سهلة، وتتطلّب تخطيطاً على المدى الطويل، وعلى المعنيين التوظيف بحسب التخصصات، ووضع قوانين صارمة، بما ينعكس إيجاباً على المجتمع بشكل عام".

دلالات

المساهمون