يان بيتر هامرفولد... مهندس نرويجي بمهمة "طباخ سفينة العودة"

يان بيتر هامرفولد... مهندس نرويجي بمهمة "طباخ سفينة العودة"

أمستردام
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
10 يونيو 2018
+ الخط -
يصرّ المهندس النرويجي يان بيتر هامرفولد (74 عاماً)، على كسر الحصار عن غزة، ويشارك هذه المرة في سفينة "العودة" التي يتولى فيها مهمة الطباخ

هو اليوم على ظهر سفينة العودة، ضمن أسطول الحرية لكسر حصار غزة، في الرابعة والسبعين من عمره يتحدث وكأنّه بدأ للتو رحلته في دعم فلسطين. لم يثنه وقوعه عن جبل في النرويج وكسر ساقيه وفقرات في ظهره عام 2014، عن المشاركة في أسطول 2015، ولا عن ركوب الأمواج للمرة الرابعة هذا العام، لكسر حصار غزة.

يتحدث المهندس المعماري النرويجي يان بيتر هامرفولد، بتفاؤل عن وصوله إلى مياه فلسطين، بالرغم من أنّه "مغضوب عليه" من "الدولة الصهيونية".

لا بدّ من التوضيح أنّ هؤلاء المتضامنين، أمثال يان بيتر وغيره، لا يتحدثون عن دولة الاحتلال سوى بالتصنيف الصهيوني، مع أنّ بعضهم آمن ذات يوم بـ"الحلم الصهيوني". القصة لدى يان بيتر بدأت قبل نحو 50 عاماً "كنت صديقاً متشدداً لإسرائيل، وآمنت في شبابي بأنّها الأرض الموعودة وأنّ فلسطين صحراء قاحلة سكنها هؤلاء الصهاينة، إذ لم يكن فيها شعب آخر، وآمنت بعدم وجود شعب فلسطين".

لكن ما الذي يجعل سبعينياً نرويجياً من منطقة ليلاهامر السياحية المعروفة بالتزلج على الجليد، والطبيعة الخلابة، يترك كلّ شيء وراءه ويحاول مساعدة صيادي غزة؟ قبل نكسة العام 1967 كان على وشك التطوع لـ"العمل في الكيبوتس الصهيوني، كعضو في حزب العمل النرويجي اليساري، حينها ولدت ابنتي، وأنا في الحادية والعشرين، وتوقفت مشاريعي بعد الحرب مباشرة. حدث لديّ انقلاب 180 درجة حين بدأت أبحث بنفسي عن الحقيقة. كثيرون من أصدقائي انقلبت لديهم المواقف من إسرائيل، وبدأوا حينها يرون فيها مشروع احتلال، لكنهم لم ينتقلوا إلى جهة الفلسطينيين".

انقلب إذاً يان بيتر على نفسه منذ حرب 1967 وهو يؤنب نفسه كثيراً أثناء تناول ذلك الجزء من تاريخه الشخصي: "كيف آمنت بكلّ تلك الخرافات والأكاذيب أنّ فلسطين كانت قاحلة ولا مجتمع فلسطينياً فيها؟ من هم إذاً هؤلاء الذين اجتاحت إسرائيل أرضهم واحتلتها؟ أرّقني السؤال، وفي ذلك الزمن لا إنترنت ولا روايات أخرى، فذهبت إلى المكتبات أطلب كتباً عن فلسطين، فمناهجنا الدراسية لم يكن فيها شيء سوى عن تأييد إسرائيل وتقديم وجهة نظرها فحسب".




43 عاماً عمل فيها يان بيتر مهندساً معمارياً، في شركة سويدية ودنماركية، ومثلها سنوات الانخراط وفهم القضية الفلسطينية، منذ اكتشف هذا الرجل أنّ "مشروع إسرائيل لم يكن كما عرضوه لنا في المدارس النرويجية؛ كمشروع حضاري ويشبهنا. حينها بدأت تنهار لديّ كلّ تلك الدعاية الرخيصة التي آمنت بها. ندمت جداً على سنوات ضاعت وأنا أدافع وأجادل عن حق إسرائيل، وبأنّ فلسطين كانت أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض عاد إليها وبناها من لا شيء".

عام 2005، أصبح يان بيتر جَداً: "بدأت التفكير بأطفال غزة، هم لا يملكون شيئاً، فيما أحفادي لديهم كلّ فرص الحياة هنا، لذا بدأت أنخرط أكثر في لجنة فلسطين في النرويج، وبعد بضع سنوات بدأت حركة كسر الحصار عن غزة، برياً في البداية ومن ثم بحرياً، وبادرت في ليلاهامر لاحقاً بتشكيل رحلة الإبحار إلى غزة لكسر الحصار بالتعاون مع اللجنة الأم واللجنة الدولية لكسر حصار غزة". تفكير يان بيتر بحياة الغزيين تحت الحصار و"اللاعدالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ولامبالاة السياسة الدولية بأوضاعهم، جعلتني أفكر بأنّ ما ينقص الناس هو التوعية بهذه القضية، وكلما توسع الوعي والمعرفة كان ذلك في مصلحة الفلسطينيين".

أثار الهجوم الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة التركية، في 31 مايو/ أيار 2010، ومقتل نشطاء دوليين "غضباً كبيراً لديّ، ومن هنا صممت أنّه بدلاً من إصابتي باكتئاب، لا بدّ من عمل شيء. وفي 2012 كنت على متن إستيللا لنبحر إلى غزة". في ذلك الوقت، تبرع هذا المهندس المعماري أن يصبح طباخ سفينة "إستيللا" وقد أصدر لاحقاً كتاباً عن رحلته تلك بعنوان "إستيللا... يوميات إرهابي متقاعد". لم تسلم السفينة من "قرصنة جيش الاحتلال في المياه الدولية، فاعتقلنا ووضعوني في سجن أشدود لمدة أسبوع وأبعدوني بالطائرة مع منع دخول لعشر سنوات، بعد محاكمة سريعة". وفي محاولة أخرى، يقول يان: "بطريقة أو بأخرى جرى تخريب سفينتنا في اليونان، ومن دون أن أذكر بمن أشك، فمعروف من يقوم بذلك من أجهزة أمن دولة الاحتلال". يستعيد بيتر في حديثه إلى "العربي الجديد"، حادثة "محاولة اغتيال أبو حسن سلامة في ليلاهامر التي "أدت إلى مقتل نادل مغربي في مدينتي، وأعرف شخصياً من هم النرويجيون الذين عملوا كعملاء للموساد في تلك الفترة، وأحدهم ما زال كذلك".



في 2014 و2015 كان زميله السويدي تشارلي في قطاع غزة، وخططا لخروج مركب من ميناء غزة لكسر حصار جيش الاحتلال للصيادين الفلسطينيين: "لكنني تلقيت اتصالاً من تشارلي ليخبرني بأنّ جيش الاحتلال قام بضرب السفينة وتدميرها". يشير في هذا السياق إلى أهمية الحرص على توخي الحذر في مسار أسطول الحرية "لأنّهم يصممون على تخريب كلّ عمل نقوم به".

هذا السبعيني النرويجي يؤكد اليوم: "بعدما اطلعت على الواقع المأساوي لصيادي غزة، كتبت كتاباً عنهم، وتواصلت مع جمعيتهم هناك، واليوم نصرّ مرة أخرى على إيصال هذه السفينة إلى الصيادين، وجزء من عملنا وأهدافنا أيضاً أن نزيد الوعي الأوروبي بواقع الفلسطينيين وحصار غزة، في مرورنا بالمياه الأوروبية، والحديث مع الناس والصحافة ومحاولة الضغط على السياسيين ليرفعوا أصواتهم ويطالبوا برفع الحصار، فيما جزء آخر من عملنا هو أن تصل رسالة أمل لأهل غزة بأنّنا معهم وليسوا وحيدين".

يتحدث يان بيتر عن السفينة "العودة"، وهي التي تمكنوا من شرائها في النرويج، من أموال متبرعين من حول العالم ضمن الحملة الدولية لكسر حصار غزة، وفاوض هو والقبطان الشاب، هيرمان، الذي يعود للمرة الرابعة لمحاولة كسر الحصار، لتخفيض سعرها، وهو "ما تم بعدما أعلمناهم ما هو هدفنا". هي السفينة التي يعرف يان بيتر كلّ زاوية فيها، فهو الذي أعاد تصميمها "ففي برد وثلوج بيرغن (في النرويج) استخدمت مهاراتي كمهندس معماري لتصميم سفينة الصيد لتتسع للمرافقين (حوالي 30 شخصاً)، وهناك حمامات وغرفة اجتماعات وغرفة طعام وغيرها من المرافق الأساسية، إذ وزعنا الغرف بأسماء مخيمات في غزة، ويمكن أن تتحول إلى سفينة صيد مجدداً بسرعة، كي يتسنى لصيادي غزة استعمالها".

منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، عمل يان بيتر في جو بارد جداً لإعادة بناء السفينة، فكانت جاهزة في بداية مايو/ أيار، وهو ما تم بمساعدة "شباب متطوعين ساعدوني في طلاء السفينة والعمل عليها من الخارج، وهم يدركون مهمتنا، وهؤلاء نسميهم النشطاء على الأرض".




بكل تواضع، يكرر السبعيني النرويجي، يان بيتر، عمله كطباخ للسفينة، بعدما أعاد بناءها. يروي ما يجعله مصمماً على مشاركة أسطول الحرية مرة أخرى: "ليست لديّ غاية في هذه الحياة سوى رؤية العدالة تتحقق للشعب الفلسطيني، وزوجتي وعائلتي يساندونني في ذلك، ويتفهمون اختياراتي، بدلاً من جلوسي مكتوف اليدين، مكتئباً بقراءة واقع الفلسطينيين المزري في السجن الكبير بقطاع غزة".

ذات صلة

الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة

سياسة

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إفادات وصفها بالصادمة عن سلسلة جرائم مروعة وفظائع ارتكبها جيش الاحتلال خلال عمليته المستمرة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
الصورة
إطلاق نار (إكس)

سياسة

شددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، إجراءاتها العسكرية في بلدات عدّة غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، بعد عملية إطلاق نار قرب طريق استيطاني.
الصورة
دانييلا فايس

سياسة

تواصل عرّابة الاستيطان وأحد أشد قادته دانييلا فايس تصريحاتها الفاشية المعادية للفلسطينيين، منادية بترحيلهم من غزة وسائر فلسطين والعودة للاستيطان في غزة.