رابطة لذكرى المجزرة والتهجير

رابطة لذكرى المجزرة والتهجير

12 اغسطس 2018
ناجية من المجزرة (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل أن يسقط مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين، بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، في الثاني عشر من أغسطس/ آب 1976، عانى من حصارٍ قاسٍ، بدأ فعلياً منذ بداية حرب لبنان في الثالث عشر من إبريل/ نيسان 1975. منذ ذلك التاريخ بدأت المضايقات، إذ كان لزاماً على الداخل إلى المخيم أن يمرّ من حواجز مليشيا "الكتائب اللبنانية" التي راح عناصرها يضايقون الناس، يعتقلونهم، ويمارسون بحقهم التنكيل والتعذيب، إلى أن تتدخل السلطات اللبنانية وتأمر بالإفراج عنهم. ظلّ الحصار مستمراً حتى سقوط المخيم، وقتل وتهجير أهله، في قصف استمر 52 يوماً.

في تلك الفترة، انقطعت المياه عن الناس، فاضطر الأهالي للتناوب على صنبور وحيد يرصده القناصون، فمات البعض بينما كان يحاول جلب المياه لأطفاله. كذلك، انقطعت الكهرباء عن المخيم، كما انقطعت الأدوية. حتى الأمهات اللواتي كن يرضعن أطفالهن جفّ حليبهن. صار مشهد الموت والدم مألوفاً بالنسبة للأطفال والنساء.




هُجّر من بقي على قيد الحياة من أهالي مخيم تل الزعتر، فمنهم من سكن في منطقة الدامور (18 كم إلى الجنوب من بيروت)، ومنهم من سكن في مخيمات ومناطق مختلفة في لبنان، وآخرون هاجروا إلى بلدان أوروبية، لكنّهم اليوم وبعد مرور هذه الأعوام تبقى بينهم صلة وصل تربط المقيمين في لبنان بالمقيمين خارجه، من خلال رابطة أنشأها عدد من أبناء مخيم تل الزعتر، تحت مسمى "رابطة أهالي مخيم تل الزعتر".

يقول رئيس الرابطة، أيمن حسين: "منذ سقوط مخيم تل الزعتر وتشريد أهله في لبنان وخارجه، حتى اليوم، يحيي من بقي على قيد الحياة من الأهالي ومن أبنائهم وأحفادهم، ذكرى مجزرة المخيم الأليمة، بالرغم من كلّ الظروف التي عانوا منها.



ظل الناس يحيون الذكرى بشكل فردي حتى العام 2006، ففي ذلك العام قامت مجموعة من أهالي المخيم بتشكيل تجمع أهالي مخيم تل الزعتر، وهذا التجمع عمل على إحياء الذكرى بشكل دوري حتى العام 2012". في العام 2012، عقد التجمع أول مؤتمر له، وقد حضر هذا المؤتمر العديد من أهالي مخيم تل الزعتر، والفصائل الفلسطينية، والمؤسسات الأهلية، وفي المؤتمر جرى انتخاب مجلس تنفيذي، وانتخب الراحل محمد عبدو أبو ظاهر رئيساً للرابطة التي أخذت اسمها النهائي بعد هذا المؤتمر. وعقب تشكيلها جرى وضع برنامج داخلي للرابطة، يحدد الأهداف التي من أجلها أنشئت".

عملت الرابطة على إعادة التواصل مع أهالي المخيم في لبنان والخارج، وذلك من خلال زيارات ولقاءات مع المقيمين في لبنان، في المناسبات الوطنية المختلفة. كذلك، جرى إنشاء صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي تضم حوالي 6000 شخص من أبناء المخيم في لبنان والخارج، للتواصل الدائم بين الأهالي، وهو ما سهّل على من هاجروا إلى الخارج خصوصاً ذلك التواصل مع من بقوا هنا.

من أبرز الأعمال التي تتولى هذه الرابطة تنظيمها إحياء "ذكرى استشهاد مخيم تل الزعتر" سنوياً، وذلك من خلال إقامة مهرجانات مختلفة، مع وضع أكاليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء مخيم تل الزعتر، وكذلك تنظيم إفطارات رمضانية عن أرواح شهداء المجزرة. وتتابع الرابطة العمل على ملف المفقودين، وذلك من خلال الاتصال بالمؤسسات، والجمعيات العاملة في هذا المجال، وعلى رأسها الصليب الأحمر الدولي، وقد جرى بالفعل تقديم كشوف بأسماء المفقودين، من خلال استمارات أعدت لهذه الغاية.



لا ينسى أهالي مخيم تل الزعتر الموجودون حالياً في مخيم شاتيلا، ومخيم برج البراجنة، وفي البقاع، والشمال، وغيرها من المناطق اللبنانية، المجزرة التي حلت بهم أو بأهلهم. ما زالوا يحرصون على نقل الذاكرة الشفوية إلى أولادهم وأحفادهم. يظل المخيم بالنسبة لأهله صوراً تمر بأذهانهم، بحلوها ومرّها، لكنّه صورة مصغرة عن نكبة فلسطين، وهي مصغرة بما كان عليه من إطار مكاني، وليس بحجم الوجع والموت والدمار فيه. النكبة والمخيم متشابهان بممارسة القتل والتنكيل والتهجير.




عدد من المفقودين الذين كانوا أطفالاً، تبين أنهم يعيشون مع أناس آخرين، في بلدان أخرى، وبجنسيات مختلفة. باتوا ينتسبون إلى أهل وأرض غير أهلهم وأرضهم، لكنّه قدرهم وقدر الفلسطينيين. عرف بعضهم أنّ أهله من مخيم تل الزعتر، لكنّ فحوص الحمض النووي مع عينات من جثث ضحايا المجزرة، وبعض الأهالي الناجين، لم تأتِ بنتيجة مطابقة، فبقوا مجهولي الهوية، يعرفون أنّ أهلهم كانوا في تل الزعتر لكن ليس بإمكانهم معرفة من كانوا.