أطفال السودان... صغار يشاركون في احتجاجات الكبار

أطفال السودان... صغار يشاركون في احتجاجات الكبار

04 مارس 2019
من المدرسة إلى التظاهرة في أم درمان (فرانس برس)
+ الخط -

في السودان، يتزايد القلق من مشاركة الأطفال في الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد منذ ديسمبر الماضي، مطالبة بإنهاء حكم الرئيس عمر البشير

لا تمرّ مشاركة الأطفال السودانيين في الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مروراً عابراً، إذ يحذر مهتمون واختصاصيون من مخاطر عدة تواجه الصغار نتيجة لتلك المشاركة، أبرزها إمكانية تعرضهم للأذى بسبب الغاز المسيل للدموع وغيره من المخاطر، بالإضافة إلى الآثار النفسية الناتجة عن مشاهدتهم أعمال العنف.

بينما كان مبارك، التلميذ في مدرسة "الاتحاد" بالخرطوم، في طريقه إلى منزله مع مجموعة من زملائه وزميلاته، في باص المدرسة، صادفوا قوة أمنية ترابط في الشارع، تحسباً لاندلاع تظاهرات في سياق الحراك الشعبي المناوئ لحكومة الرئيس عمر البشير، فما كان من التلميذ، مبارك، إلّا الهتاف من داخل الباص بشعار الحراك الشعبي الأشهر "تسقط بس". وبعد هتافه أوقفت القوة الأمنية الباص، وصعد إليه أحد أفرادها، طالباً معرفة التلميذ الذي هتف، لكنّ مبارك سارع إلى الاعتذار لرجل الأمن الذي تركه في حاله، بعدما أمطره بعبارات التوبيخ.




تلك القصة، التي صورها أحد التلاميذ عبر مقطع فيديو قصير، لاقت رواجاً كبيراً، كما سلطت الضوء على مشاركة الأطفال وتلاميذ مرحلة الأساسي والثانوي، في الاحتجاجات الشعبية واهتمامهم بأمرها إلى حدّ بعيد. في الشهرين الماضيين، ظهر أطفال من الجنسين في عشرات من مقاطع الفيديو، وهم يشاركون في التظاهرات شبه اليومية في البلاد، كما شهدت غالبية المدارس في البلاد هتافات من التلاميذ، مع حرص منهم على حفظ هتافات وأشعار الحراك الشعبي وترديدها حتى داخل منازلهم وأزقة الأحياء.

تقول سناء عثمان إنّ لديها ثلاثة أطفال ما بين 9 و16 عاماً، تركوا متابعة مسلسلات الأطفال والأفلام الكرتونية، عبر التلفزيون، وتركوا ألعابهم، وباتوا مهتمين فقط بالسؤال عما يجري في بلدهم ومتابعة الأخبار السياسية في الفضائيات المهتمة بالأحداث السودانية، وأنّ الواحد منهم إن اختلف مع شقيقه ردّ عليه بعبارة "تسقط بس". تقول لـ"العربي الجديد" إنّ أطفالها أهملوا امتحانات نهاية السنة الدراسية، فتدنت درجاتهم، عما كانوا عليه في امتحانات الفترة الأولى، مشيرة إلى أنّها باتت قلقة عليهم، خصوصاً الأكبر، إذ تخشى خروجه في التظاهرات، فيصيبه مكروه، خصوصاً في التعامل العنيف من السلطات مع الاحتجاجات السلمية.

من جهته، يقول المعلم الثانوي، صابر أحمد، إنّ الوضع داخل المدارس أكثر خطورة، إذ يسيطر موضوع الاحتجاجات على التلاميذ، وفي كلّ فسحة يتجمع التلاميذ للهتاف والكتابة على الجدران، إذ ينقسم التلاميذ ما بين مؤيد لذهاب النظام وآخر مع بقائه، موضحاً أنّ بعضهم مضى أبعد من ذلك بكتابة شعارات الحراك الشعبي في أوراق الامتحان مثل شعار "تسقط بس" المعارض وآخرين كتبوا "تقعد بس" الموالي للبشير. يوضح أحمد لـ"العربي الجديد" أنّ كلّ ذلك أثر على مستوى التلاميذ، وهو خطير جداً من ناحية تربوية، إذ من الواجب النأي بالتلاميذ والأطفال عن الصراعات السياسية والاجتماعية والمذهبية. يشير إلى أنّ المعلمين حاولوا بقدر المستطاع معالجة الأمر من ناحية تربوية، لكنّ ذلك يحتاج إلى تكاتف جميع الجهود، بمشاركة من الأسرة والمجتمع والوزارة .



مع تفاقم هذا الوضع، أصدر المجلس القومي للطفولة بياناً قال فيه إنّه يتابع بقلق بالغ سعي البعض لاستغلال الأطفال واستخدامهم في الاحتجاجات، والحرص على إظهارهم خلالها في مختلف الأعمال سواء برفع الشعارات أو تقديم الخدمات، أو حتى جرهم إلى العنف عن طريق إشعال الحرائق ورمي الحجارة. أضاف أنّ المجلس لاحظ الرغبة غير المبررة للبعض في محاولة استدرار العطف باستغلال واستخدام وإشراك الأطفال وإظهارهم بمظهر الضحايا، مشيراً إلى أنّ كلّ ذلك سلوك غير سوي يتنافى مع طبيعة الأطفال وتكوينهم النفسي والعقلي والبدني وينتهك حقوق الأطفال الأساسية التي تعمل مؤسسات الدولة والمجتمع على تحقيقها.

وفي حديث إلى "العربي الجديد" تطالب الأمين العام للمجلس، سعاد عبد العال، بالحرص على توفير أقصى درجات الرعاية والحماية والأمان للأطفال في أقسى الظروف، مهما كانت الأسباب والمبررات، مشيرة إلى أنّ قانون الطفل لسنة 2010 يمنع هذا السلوك منعاً باتاً بالاستناد إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان. توضح أنّ تعرض الأطفال لمشاهد العنف يؤثر سلباً على سلوكياتهم وصحتهم النفسية، وأنّ من الواجب العمل على حمايتهم من ذلك بكلّ السبل.

تشير إلى أنّ المجلس يفضل تفعيل دور الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية قبل الإجراءات القانونية المتاحة، ومنها الاستعانة بشرطة حماية الأسرة والطفل ونيابة الطفل ومحكمة الطفل، مؤكدة أنّ باحثين اجتماعيين يتبعون للمجلس ينشطون في الميدان في كلّ الولايات ويعملون على رصد أيّ استغلال أو استخدام أو تعنيف للأطفال أو استغلال المدارس والتعدي عليها. تضيف عبد العال أنّ لديهم إحصاءات عن تضرر عشرات الأطفال أثناء الاحتجاجات، وأنّ فرق المجلس حرصت على التدخل بأسرع وقت في الحالات التي يجرى فيها اعتقال الأطفال (أقل من 18 سنة) في الاحتجاجات، مبينة أنّ "الحكومة لحرصها على سلامة الأطفال منعت المدارس من إخراج التلاميذ في التجمعات، حتى تلك المؤيدة للحكومة".




من جهتها، تعتبر الباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم، أنّ الموضوع، وبالرغم مما فيه من آثار سلبية، فهناك جوانب مضيئة له باهتمام الأطفال بالتطورات في البلاد، لأنّ ذلك سيخلق تنشئة اجتماعية جديدة وتربية وطنية مختلفة. لكنّها ترى في الوقت نفسه أنّ السلبيات أكبر بكثير من الإيجابيات في مشاركة الأطفال مشاركة مباشرة في الاحتجاجات الشعبية، إذ يتعرض الأطفال لمخاطر عديدة، منها السير لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس ويواجهون الغاز المسيل للدموع الذي تستخدمه الشرطة في تفريق التظاهرات واحتمال تعرضهم لاعتداءات، فضلاً عن الضرر النفسي الناتج عن مشاهدة أعمال العنف حتى من خلال مقاطع الفيديو. تنبه إلى آثار سلبية أخرى تقع على الأطفال نتيجة اعتقال آبائهم أو تعرض الآباء للضرب. أما الأسوأ فهو أن يفقد طفل والده أو والدته، في الاحتجاجات، ما ستبقى آثاره مدى الحياة.

جيل جديد مختلف
تعتبر الباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم، أنّ مشاركة الأطفال في الاحتجاجات بالرغم من سلبياتها، ستساهم في تنشئة جيل جديد يضع الهمّ الوطني في مقدمة أولويات حياته، في ظلّ الحديث المستمر عن انشغالهم بمواضيع هامشية. تضيف أنّ الأسئلة التي يطرحها الأطفال هذه الأيام على أسرهم، سترسخ لديهم مفاهيم جديدة حول الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.