رمضان الجزائريين ليس "كريماً"

رمضان الجزائريين ليس "كريماً"

30 مايو 2017
ارتفاع جنوني في الأسعار (العربي الجديد)
+ الخط -

استقبل الجزائريون أوّل شهر رمضان لهم بعد تطبيق سياسة التقشّف التي فرضها هبوط أسعار النفط، وفي ظلّ قانون مالية رفَع الأسعار وأبقى الرواتب على حالها. وهو ما دفع بهؤلاء إلى التخلي عن عادات وطقوس عدّة.

ليس من عادة الجزائريين أن ينتظروا الأيام الأخيرة التي تسبق شهر رمضان أو "سيّدنا رمضان" كما يُسمى شعبياً، حتى يعلنوا الابتهاج به والإعداد له، كما حصل هذا العام. هم لديهم طقوس وعادات ورثوا بعضها عن الأجداد فيما اكتسبوا أخرى أملتها عليهم سنوات الرخاء النفطي التي لن تعود قريباً بحسب ما يبدو.

هبوط أسعار النفط دفع الحكومة إلى دعوة الجزائريين إلى التقشّف، أو ما سماه رئيس الحكومة عبد المالك سلال "شدّ الحزام"، من خلال قانون المالية لعام 2017. فقد ارتفعت أسعار معظم السلع الاستهلاكية من دون أيّ زيادة تذكر على الرواتب المعتمدة، وهو ما دفع الجزائريين بدورهم إلى التخلّي عن سلوكيات استهلاكية عدّة أو هم في صدد التخلّي عنها، بعدما تعوّدوا عليها وباتوا يربطون "حلاوة العيش" بها.

في السياق، يتحدّث الجامعي مهدي حاجّي عن "المراجعات الاستهلاكية" للجزائريين، وتكفي جولات بسيطة في المحال والأسواق التجارية لإدراك هذه الحقيقة الاجتماعية والاقتصادية الجديدة. بالنسبة إليه، "هذا ليس واقعاً سيّئاً تماماً كما تراه الأغلبية وتسارع إلى تحميل الحكومة مسؤوليته. على الجزائريين شعباً وحكومة أن ينتبهوا إلى أنّهم لم يملكوا، بعد ستين عاماً من الاستقلال الوطني، ثقافة ضرورية لترشيد النفقات والتحكّم في صرف المال بناء على الحاجات لا الرغبات".

ويشرح حاجّي لـ"العربي الجديد" فكرته، قائلاً إنّ "الأسرة الجزائرية تنفق ثلثي الراتب في الأيام العشرة الأولى من الشهر، ثم تكمل بقية أيّامه إمّا بالاستدانة وإمّا بالتقتير". ويسأل: "هل كان على الجزائريين أن يتعرّضوا إلى أزمة مالية نتيجة هبوط أسعار النّفط، حتى يدركوا أنّهم يستطيعون التخلّي عن عادات وكماليات كثيرة في شهر رمضان مثلًا؟ أما آن للمعنيين أن يستفيدوا من هذه الفرصة لإطلاق حملات وبرامج تهدف إلى انتزاع تجليات التبذير في تفكير المواطن وسلوكه"؟


تجادل البائع لعلّها تحصل على سعر أفضل (العربي الجديد)


في مدينة الأغواط جنوب العاصمة الجزائرية وفي مدينة بومرداس شرقها وفي الجزائر العاصمة نفسها، سجّلت "العربي الجديد" بعض مظاهر فتور لدى الجزائريين في استقبال شهر رمضان الذي يحظى لديهم بقدسية خاصة. كثر هم التجار الذين تأخّروا في تأمين السلع الخاصة به إلى ما بعد الأيام العشرين الأولى من شهر شعبان. يقول سعيد م. وهو تاجر مواد غذائية في مدينة بودواو، إنّه لم يتعوّد "هذا التراخي في السنوات السابقة. رمضان بالنسبة إلى أيّ تاجر يُعدّ فرصة ذهبية لمضاعفة الأرباح وتعويض الخسائر إن وجدت، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين يدفعون الضرائب وتكاليف إيجار محالهم ونقل السلع".

ويشير سعيد بأسف إلى أنّه "في الأعوام الماضية، كان المحلّ قبيل بداية الشهر الكريم يمتلئ بالمواد الخاصة به، مثل الفريك وهو قمح مطحون يستعمل في الشوربة (حساء) وهي طبق ثابت على مائدة الجزائريّ الرمضانية، والزيتون الأخضر، والمكسّرات على أنواعها". يضيف: "فأنا لاحظت خلال الأشهر الخمسة الأخيرة أنّ زبائني تخلّوا عن شراء سلع كثيرة كانوا يقبلون عليها في السابق، وأنّ عدد الذين يطلبون منّي تسجيلهم في دفتر الديون الشهري تضاعف مرّتَين. فصار لديّ انطباع مسبق بأنّ رمضان هذا العام لن يكون كريماً، لا على التاجر ولا على المستهلك".




من جهتها، تلفت المدرّسة رشيدة ك. إلى أنّه بخلاف محال المواد الغذائية واللحوم والأواني، راحت تشهد محال الخضر والفواكه إقبالاً كبيراً لا سيّما في فترات المساء، "إذ هي أكثر السلع التي ترتفع أسعارها بطريقة جنونية مع بداية الصيام. لذلك، عمدت إلى شراء كمّيات كبيرة قبل أن ترتفع أسعارها". فيتدخّل الفاكهاني نبيل ع. معقّباً على كلام رشيدة، ويقول: "هذا صحيح. قبيل حلول رمضان بأيام، صرت أتزوّد بالفاكهة ثلاث مرّات في مقابل مرّة واحدة قبل أسبوع من ذلك، خصوصاً تلك التي تصمد طويلاً". يضيف: "لكنّني أتوقّع العودة إلى الوتيرة القديمة خلال رمضان، لأنّ الأسعار ترتفع فيما تنخفض حماسة الزبائن".

من المظاهر التي كانت تميّز الشّارع الجزائري في الأعوام السابقة، عربات الشباب العاطلين من العمل الذين كانوا يعرضون عليها سلعاً لا تخرج إلى الأرصفة إلا في رمضان، مثل الزلابية وأصناف من الحلويات التقليدية. لكنّ الشاب ياسين سي منوّر يرى أنّ ذلك "سوف يتراجع خلال الموسم الحالي". ويخبر أنّه يملك عربتين تعوّد تأجيرهما، لكنّه لم يتلقَّ حتى الآن سوى طلب واحد، على الرغم من تخفيض السعر إلى الثلثين بالمقارنة مع ما كان عليه في العام الماضي. ويشير إلى أنّه لا ينظر إلى الأمر "من زاوية مادية فقط. فثمّة حميمية كان يوجدها مستأجرو هذه العربات على الأرصفة وفي الحومات، بنداءاتهم على سلعهم التي سوف تُفتقد كذلك".

إلى ذلك، كانت النساء لا سيما المتقدّمات في السنّ، وكما هو متعارف عليه، يقمن بتجديد الأواني الخاصة بالإفطار من قبيل الصحون والقدور الفخارية، إذ إنّ ذلك بحسب الخالة شريفة من رغاية، "جالب للبركة. وقد ورثناه أماً عن جدّة". تضيف: "لكن الله يعلم أنّني لا أستطيع فعل ذلك هذا العام، فسعر الأواني ارتفع. أمّا ما كنا نخصّصه لتجديدها من مال، فسوف نشتري به ما هو أولى منها".