بكتيريا خارقة.. تقاوم المضادات الحيوية وتفاقم آلام المصابين

بكتيريا خارقة.. تقاوم المضادات الحيوية وتفاقم آلام المصابين

07 يوليو 2016
متى تنتهي رحلة عذاب عرفان العماري؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

في البلدان العربيّة، كلّما أصيب أحدهم بإنفلونزا مثلاً، يصف لنفسه أو يصف له الطبيب أو الصيدلاني مضاداً حيوياً على الفور. لكنّ ذلك يؤدّي مع الوقت إلى مقاومة الجسم للمضادات الحيويّة، ما يؤدّي إلى تعقيدات كثيرة عند حاجتنا إلى مضاد حيوي بحقّ.

رحلة علاج جديدة بدأها عرفان العماري، لاجئ سوري في الأردن، بعدما تبيّن أنّ جرحه الناتج عن إصابة تعرّض لها في سورية نهاية عام 2012، لم يلتئم طوال السنوات الماضية. فالثلاثيني ما زال يعاني، حتى بعد خضوعه إلى عملية جراحية بُترت خلالها قدمه قبل عامَين. لكنّه يأمل اليوم أن تنتهي أوجاعه التي طالت.

العماري الذي يرقد في مستشفى تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" في العاصمة الأردنيّة عمّان، يخبر أنّه أصيب بشظية قذيفة في قدمه في قريته نامر في محافظة درعا السورية، "وقد نُقِلت على الأثر إلى المستشفى الميداني هناك الذي عالجني بتنظيف الجرح وتضميده". هو يدرك أنّ العلاج الذي قدّم له في ذلك المستشفى، هو أفضل ما يمكن أن يتوفّر لجريح في سورية، لا سيما مع النقص الحاد في المستلزمات العلاجية في مقابل زيادة أعداد المرضى والجرحى.

بعد أشهر، غادر العماري قريته إلى الأردن ترافقه زوجته، ليقيما في مخيّم الزعتري للاجئين السوريين الواقع في مدينة المفرق (80 كيلومتراً شمال شرق عمّان). استمرّت معاناته مع الألم، فيما راح يتحايل عليه بتناول المسكنات. وانتهت به الحال في عام 2014، مع قدم مبتورة بعدما تبيّن أنّها مصابة بالتهاب استحال علاجه.

يقول العماري الذي يشعر بمرارة من جرّاء فقدان قدمه، "بعد تلك الجراحة، توقّعت ألا أشعر بالألم مرّة أخرى. لكن بعد أيام قليلة، عاد شديداً". واليوم، يشخّص الأطباء حالة العماري بأنها "التهاب ناتج عن بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية"، وهذا هو التبرير الذي يقدّمونه لعدم شفائه.

هذا النوع من البكتيريا يؤرق منظمة "أطباء بلا حدود"، إذ تشير إحصاءاتها منذ تاريخ انطلاق مشروعها الجراحي في الأردن في عام 2006، إلى أنّ أكثر من 50 في المائة من مجموع أربعة آلاف إصابة، كانت تعاني من مقاومة المضادات الحيوية. يُذكر أنّ الجرحى الذين يعالجون في مستشفى المنظمة أتوا من بلدان ومناطق تعاني من نزاعات مسلحة وهي سورية والعراق واليمن وقطاع غزّة.

بدأ العماري رحلته العلاجية الجديدة مطلع يونيو/ حزيران المنصرم، وخضع إلى تنظيف عميق للجرح وعلاج بمضادات حيوية لم تطوّر البكتيريا التي أصابته مقاومة ضدّها. لكنّ الأطباء يتحدثون اليوم عن احتمال بتر جزء من ساقه، نتيجة وصول الالتهاب إلى مرحلة متقدّمة، وهو ما لا يتمنّاه.




وليست حال الجريح العراقي لفته رحم أفضل من حال العماري. هو أصيب من جرّاء انفجار لغم في مدينة الدورة العراقية قبل ثلاث سنوات، ولم تفلح التدخلات العلاجية التي خضع لها في وضع حدّ للأوجاع التي لازمته. يخبر الأربعيني أنّ "الانفجار تسبّب بكسر في فخدي الأيمن وأسناني وفكّي... وبعد إصابتي، نقلت إلى المستشفى حيث عالجوني وزرعوا بلاتين في ساقي". لكنّ أوجاع رحم لم تنتهِ. يقول: "في كل مرّة كنت أراجع طبيباً، كان يصف لي أدوية جديدة ومسكّنات. أمّا الألم فيبقى".

قبل ثمانية أشهر، في مراجعة قام بها رحم في أحد مستشفيات بغداد، أخبره الأطباء بأنّ الكسر لم يلتئم نتيجة التهاب، وهو ما يستدعي معاودة علاجه من الصفر. لذا، قصد قبل شهر مستشفى أطباء بلا حدود في عمّان، حيث شُخّصت حالته بالتهاب بكتيري مقاوم للمضادات الحيوية. وبدأت رحلة علاج جديدة، بعد العثور على مضاد حيوي لم تطوّر البكتيريا المصاب بها مقاومة ضدّه.

تجدر الإشارة إلى أنّ الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية تُسجّل في حالات كسور العظام والفكَّين، بحسب ما يشرح المنسّق الجراحي في منظمة أطباء بلا حدود (مكتب الأردن) الطبيب رشيد السامرائي. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ جرحى الحروب أكثر عرضة للإصابة ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، "إذ غالباً ما تأتي جروحهم نتيجة إصابتهم بشظايا أو طلقات نارية تؤدّي إلى دخول ملوّثات في جسمهم". وعلى الرغم من تأكيده على أهميّة دور المستشفيات الميدانية في مناطق الصراعات، إلا أنّه يوضح أنّ ما يقدَّم للمصاب فيها لا يفي بالمطلوب، نتيجة عدم توفّر الإمكانات، خصوصاً تلك المتعلقة بالتعقيم والتنظيف والتمريض وغيرها.

وفي حين يشير السامرائي إلى عدم وجود تفسير علمي دقيق لأسباب ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، والتي تبيّن انتشارها بين صفوف القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، يعيد "السبب إلى سوء استخدام المضادات الحيوية. وهذا أمر ينتشر في الدول العربية ومعظم دول العالم الثالث. فالمريض يستطيع شراء أيّ مضاد حيوي من الصيدليات من دون رقابة. وهو ما يجعله في وقت لاحق، يعاني من مقاومة لمضادات حيوية عديدة، خصوصاً تلك الدارجة في الأسواق". وإذ يقول إنّ عدد المضادات الحيوية في العالم يقدّر بنحو 150 مضاداً حيوياً، يلفت إلى أنّ لبعض الجرحى مقاومة لمعظم تلك المضادات، ما يضطرهم إلى البحث عن مضادات نادرة وغير متوفّرة في الأسواق المحلية لعلاجهم.

ويتابع السامرائي أنّ "التحديات الناتجة عن الإصابة ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، تكمن في زيادة تكلفة العلاج الناتجة عن الاستعانة بمضادات غالية الثمن، بالإضافة إلى صعوبة تَحمُّل المريض بعض أنواع تلك المضادات والآثار الجانبية التي تخلّفها لديه. إلى ذلك، يأتي تهديد حياة المصابين بها نتيجة تأخّر علاجهم". ويلفت إلى أنّ "كل التهاب يتطلّب إجراء عملية جراحية واحدة أو أكثر للاستئصال والتنظيف، يليها علاج بالمضادات الحيوية لمدّة تقارب ستة أسابيع".

ويشدّد السامرائي على "ضرورة التفات الكلّ، خصوصاً دول العالم الثالث، إلى خطر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، من خلال اعتماد خطط وطنية للتعامل مع المضادات الحيوية لتقليل وصفها"، مشيراً إلى أنّ دولاً أوروبية عديدة كانت تعاني من انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات قبل سنوات قليلة، قبل أن تتنبّه السلطات الطبية هناك إلى مخاطر تلك البكتيريا وتعمد إلى تطوير خطط وطنية لتقنين وصف المضادات الحيوية. وقد أثبتت تلك الخطط نجاحها".


المساهمون