الخوف من الاختلاط بنا مستمر

الخوف من الاختلاط بنا مستمر

01 ديسمبر 2017
هل يتمكّن المصريون قريباً من التضامن علناً (فرانس برس)
+ الخط -

"قبل أحد عشر عاماً، اكتشفت إصابتي بالإيدز، في أثناء إجرائي فحوصات وتحاليل شاملة". هذا ما يقوله باقتضاب الرجل المصريّ البالغ من العمر أربعة وأربعين عاماً، والذي اختار لنفسه اسماً مستعاراً محمد عبد الله. هو لم يتوقّف كثيراً عند تلك المرحلة - اكتشاف الإصابة - فيما تحفّظت "العربي الجديد" عن طرح أسئلة متعلقة بطريقة التقاطه العدوى.

يرفض محمد عبد الله وصف المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) بـ"المتعايشين مع المرض" أو "المصابين به"، ويفضّل الإشارة إليهم على أنّهم "حاملون للفيروس". بالنسبة إليه، فإنّهم "لا يختلفون عن حاملي الفيروسات المسبّبة لالتهاب الكبد. كلّ تلك الفيروسات لا يمكن الشفاء منها، والأدوية الخاصة بها تحجّمها في الجسم لتبقيها بمعدّلات طبيعية أي لا تستبان (بحسب التعبير التقني)".

يقول محمد عبد الله: "أعيش حياة طبيعية كما غيري من البشر وأتناول أدويتي بانتظام. وينصحني طبيبي المعالج دائماً بتناول غذاء صحي مع الإكثار من الخضروات والفواكه، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة وأخذ قسط كاف من النوم. كذلك يشدّد طبيبي على الابتعاد عن الميكروبات (الجراثيم) حتى العاديّة منها التي تسبّب الإنفلونزا والزكام مثلاً، لأنّ حامل فيروس الإيدز يعاني نقصاً في المناعة ومعدّلات التقاطه تلك الأمراض أعلى من سواه".

في السياق، يشير قطاع الشؤون الوقائية والمتوطنة في وزارة الصحة المصرية، إلى أنّ الإيدز لا ينتقل عن طريق معايشة المصابين والاختلاط معهم. فهو لا ينتقل مثلاً من خلال المصافحة ومشاركة الطعام ولا الملابس وكذلك حمّامات السباحة ودورات المياه والمواصلات، ولا في أثناء العمل في مكان واحد، ولا بواسطة العرق أو العناق أو التقبيل ولدغات الحشرات. بالتالي، لا يوجد أيّ داعٍ لعزل المصابين بالإيدز من دون مبرّر طبي.

وبحسب وزارة الصحة المصرية، فإنّ "طرق العدوى بالإيدز تتشابه مع طرق العدوى بفيروس الالتهاب الكبدي بي وسي، والعدوى المنقولة جنسياً مثل السيلان والزهري وغيرهما، ما يجعل الالتزام بإجراءات مكافحة العدوى المطبّقة كافياً للحدّ من انتقال العدوى بفيروس نقص المناعة البشري (الإيدز) داخل المنشآت الصحية".

مع ذلك، يرى محمد عبد الله أنّ "المخاوف المجتمعية من مخالطة حاملي فيروس الإيدز ما زالت قائمة، وأنّ الوصمة الاجتماعية من حمل هذا الفيروس لا تتلاشى ولا يتقبّلها الآخرون، وهو ما يزيد من حساسية حامل الفيروس تجاه المجتمع والأشخاص".



وقد وضع المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، سياسة عامة لحماية المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في الإقليم من وصم وتمييز، لتكون نموذجاً للاسترشاد به في تحقيق هذا الهدف. وتبيّن السياسة العامة أنواع التمييز التي يتعرّض لها الأفراد في مواقع الرعاية الصحية، ومنها حرمانهم من الحصول على الخدمات وعدم تقديم المشورة وإجراء الاختبارات والعزل والإقصاء في عنابر أو غرف خاصة، بالإضافة إلى الكشف عن إصابة مريض ما بالفيروس من دون الحصول على موافقته والإساءة اللفظية وعدم الاحترام واتخاذ تدابير إضافية لا مبرّر لها لمكافحة العدوى يُفهَم منها أنّ شخصاً ما مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب.

 ومحمد عبد الله الذي تلقّى العلاج اللازم في منشآت طبية تابعة لوزارة الصحة المصرية، يشير إلى أنّه "لا تتوفّر في مصر مراكز علاجية خاصة لعلاج الإيدز، كذلك فإنّ الأطباء المتخصصين في أمراض نقص المناعة المكتسب لا يملكون الخبرة الكافية للتعامل مع حاملي فيروس الإيدز، ما يجعلهم طوال الوقت مرهونين بالعلاج والإشراف الطبي الحكومي".

وتُعَدّ مصر دولة ذات معدّل انتشار منخفض جداً للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب مع أقلّ من 0.01 في المائة، وهو أمر تؤكّده بيانات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. ويبلغ عدد المصابين التراكمي 8437 مصاباً (جميع الحالات المسجلة منذ 1986 - أحياء ومتوفّين) حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016، منهم 6882 متعايشاً على قيد الحياة في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. يُذكر أنّ نحو 82 في المائة من المصابين هم من الرجال و18 في المائة من النساء، في حين أنّ أكثر من 75 في المائة من المصابين تتراوح أعمارهم بين 15 و50 عاماً.

ويعلّق محمد عبد الله قائلاً إنّه على الرغم من قلّة عدد حاملي الفيروس في مصر، فإنّ "هذا الملف ما زال متواضعاً جداً في مصر"، لافتاً إلى تأخّر مصر عن دول العالم أجمع وكذلك الدول العربية في تقديم العلاج والفحوصات الطبية اللازمة. ويؤكد أنّه "بين فترة وأخرى تحدث أزمة في صرف الأدوية، ويُقال لنا أنّ سببها هو استيراد تلك الأدوية من الخارج، إذ ثمّة مشكلات في الجمارك وخلافه".

شارات حمراء بالجملة (فرانس برس)


وقبل فترة، ناشد أكثر من 100 متعايش مع فيروس الإيدز يتلقون علاجهم مجاناً من منظمة خيرية أميركية، وزارة المالية المصرية لتلغي قرارها القاضي بزيادة الضرائب والجمارك على علاجهم المجاني. بالفعل، وافق وزير المالية على طلبهم، إذ عدّ ذلك علاجاً لمرض مزمن. لكنّ الغريب هو أنّه مباشرة، وفي اليوم التالي لقرار وزير المالية، أصدر وزير الصحة المصري قراراً غريباً يقضي بزيادة رسوم ما يطلق عليه "عرض صيدلة" ليصبح 900 جنيه مصري (نحو 51 دولاراً أميركياً) بعدما كان عشرة جنيهات (نحو 0.55 دولار) فقط.

تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من 100 مصاب بفيروس الإيدز يتلّقون علاجهم كلّ ثلاثة أشهر من منظمة "أيد فور أيدز" (مساعدة من أجل الإيدز) الأميركية وهي منظمة خيرية تؤمّن العلاج لغير القادرين على تحمّل كلفته في دول العالم الثالث بهدف إنقاذ حياتهم. وتلغي عادة كلّ دول العالم المصاريف عن أيّ علاج مجاني لمرض مزمن، لكنّ قرارات بزيادة المصاريف تصدر في مصر كلّ فترة، بحسب نص الشكوى المشار إليها آنفاً، والتي وعد مسؤولون في وزارة الصحة المصرية بالنظر فيها والعمل على حلها.

مع ذلك، يقرّ محمد عبد الله بـ"الجهد الكبير الذي قامت به وزارة الصحة المصرية أخيراً، خصوصاً البرنامج الوطني لمكافحة مرض الإيدز الذي تمكّن من إحداث نقلة كبيرة في تقديم الرعاية الطبية لحاملي الفيروس، وذلك ليس بالمقارنة مع باقي الدول وإنّما بالمقارنة مع الوضع الذي كانت عليه مصر قبل أعوام".
وكان البرنامج الوطني لمكافحة مرض الإيدز في مصر قد أنشئ في عام 1986 بهدف وضع خطط استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على معدّل انتشار منخفض للفيروس، وتقليل معدّلات الإصابة والوفاة المتعلقة بالعدوى، ورعاية ودعم المتعايشين مع الفيروس وذويهم.

 

 

ويصف محمد عبد الله بعضاً من تلك الخطوات بالحسنة، ويقول: "كنّا نصرف الدواء من وزارة الصحة نفسها. فنتوجّه إلى مبنى الوزارة ونتعامل مع موظف إداري يصرف الدواء بعد الحصول على الروشتة (وصفة) العلاجية، وكان من الممكن صرف جرعات كبيرة من الدواء تكفي لأشهر عدّة، حتى أنّ صلاحيّتها قد تنتهي من دون أن يعرف حامل الفيروس ذلك". يضيف: "أمّا اليوم، فقد اختلف الوضع. فالبرنامج الوطني لمكافحة مرض الإيدز خصّص وحدة طبية في كل مستشفيات الحميّات على مستوى الجمهورية لمكافحة الإيدز. وأنا أتوجّه شهرياً إلى مستشفى الحميّات في النطاق الجغرافي لسكني، وألتقي الطبيب المخصص لوحدة الإيدز الذي يتابع حالتي ويصف لي الدواء". ويتابع أنّ "وحدات مكافحة الإيدز في مستشفيات الحميّات نظيفة، والطاقم الطبي والتمريضي فيها مؤهّل للتعامل مع حامل الفيروس، ومع الفيروسات الانتهازية التي قد تصيب حامل فيروس الإيدز بسبب نقص المناعة لديه". لكنّ محمد عبد الله يشير إلى أنّ "واحداً من أهمّ التحاليل الطبية في العالم وهو تحليل المقاومة (Resistance Test) ما زال غير متوفّر في مصر، على الرغم من أهميته البالغة لحامل الفيروس. لذا يتوجّه حامل الفيروس غالباً إلى اليمن أو تونس لإجراء هذا التحليل الذي يحدّد مراحل تقدّم الفيروس في الجسم، وبناءً عليه يصار إلى تحديد نوع العلاج اللازم".

ويؤكد مدير البرنامج الوطني لمكافحة مرض الإيدز في مصر، وليد كمال، أنّ "البرنامج يوفّر العلاج بالأدوية المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب لكلّ من يحتاجها من المتعايشين معه، طبقاً للدليل الوطني للرعاية والعلاج بمعدّل تغطية بنسبة 100 في المائة من المتعايشين المسجّلين". يُذكَر أنّ العلاج صُرِف لـ 2940 مصاباً حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، مع زيادة عدد مراكز تقديم الرعاية الإكلينيكية وصرف العلاج لصالح 13 مركزاً في محافظات مختلفة بالإضافة إلى مركز خاص باللاجئين.

إلى ذلك، يشمل برنامج وقاية الطفل من أمّ مصابة جميع النساء الحوامل المصابات بالفيروس، وقد نجح في تحقيق نسبة 100 في المائة لجهة وقاية الأطفال منذ عام 2014 وحتى اليوم. ويقدّم البرنامج كذلك حزمة من خدمات المعلومات والمشورة الصحية والاختبار المخبري من خلال 23 مركزاً للمشورة والفحص الاختياري في 17 محافظة، مع الحفاظ على السريّة والخصوصية التامتَين.

دلالات

المساهمون