ما قبل الهاوية... تلاميذ ريف حماة مهددون بالتسرّب

ما قبل الهاوية... تلاميذ ريف حماة مهددون بالتسرّب

22 مارس 2018
في إحدى مدارس حماة (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

يخشى أهالي ريف حماة الشمالي توقّف العمليّة التعليمية، في ظل غياب الدعم من مختلف الجهات، سواء الحكومية أو غيرها. حالياً، يسعى تربويّون إلى ضمان استمراريّة المدارس، من خلال العمل التطوعي، وإن كانوا يخشون عدم القدرة على الاستمرار  

القصف المتكرّر على ريف حماة الشمالي، الواقع خارج سيطرة النظام السوري، على مدى السنوات الثلاث الماضية، أدّى إلى تغيير الخريطة السكانية في المنطقة من جرّاء النزوح، وبناء تجمعات سكّانية ومخيمات عشوائية في المزارع المحيطة بالقرى والبلدات، التي تعدّ آمنة نسبياً وبعيدة عن قصف طيران النظام. إلّا أنّ هذه التجمعات تفتقر إلى الحد الأدنى من المقوّمات الفنية والصحية الأساسية للحياة. هذه التجمعات هي عبارة عن مساكن طينيّة وألواح من التوتياء أو خيام بلاستيكية. وعلى الرغم من صعوبات الحياة اليومية في هذه التجمعات، يصر المدرسون على استمرار العملية التعليمية في أماكن بسيطة جهّزت لهذا الغرض.

على بعد 20 كيلومتراً من مدينة خان شيخون في ريف حماة الشمالي، تقع مدرسة "غراس الأمل" في أحد المخيمات العشوائية، وقد تأسّست في عام 2014. يقول مدير المدرسة إبراهيم الرحال لـ "العربي الجديد": "لدينا عشرة موظفين، جميعهم مؤهلون، وهم سبعة مدرسين، بينهم مدرّس لغة إنكليزية، بالإضافة إلى إداريّين ومستخدم، من دون أن تكون فيها قاعة للإدارة، وقد وضعت مكتبي في أحد الصفوف لاستكمال العملية الإدارية".

وتقدّم المدرسة خدماتها لتلاميذ المرحلة الابتدائية من الصف الأول وحتى السادس، بمعدّل خمس حصص يومياً على مدار الأسبوع، وفيها ستة صفوف، أسقف أربعة منها شيّدت من ألواح التوتياء، إضافة إلى صفين عبارة عن خيمتين حولّتا إلى قاعتين دراسيتين. ودأب المدرسون والتلاميذ على لصق المجلات على الجدران التي استخدموها لتعليم التلاميذ القراءة بعد الانتهاء منها، بهدف تجميل جدران الصفوف، في ظل عدم القدرة على الطلاء.

ويقول الرحال لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أن المدرسة بدائية، جهّزنا صفاً لمختلف أنواع النشاطات، إضافة إلى بعض الألعاب بشكل يدوي بسبب عدم إمكانية شرائها".



حالياً، يعمل المدرّسون في المدرسة بشكل تطوعي، في ظلّ غياب أي دعم حكومي أو غير حكومي. ويقول الرحال: "واقع المدرسين سيئ جداً. أبحث عن عمل آخر بعد الدوام، ويعمل زميلان في مجال البناء، وآخر سائق سيارة أجرة". يضيف أن زميلاً رابعاً اختار بيع المازوت والوقود لتأمين معيشته. "في عام 2017، حصلنا على سلة غذائية يتيمة لا تكفي لمدة شهر واحد". يضيف: "بالنسبة إلى التلاميذ، واقعهم ليس أفضل حالاً. بعض الأطفال أتمّوا 12 عاماً، إلا أن مستواهم الدراسي مثل تلاميذ بعمر الست سنوات. بعض التلاميذ في الصف الرابع لا يعرفون القراءة والكتابة أبداً. هذه الصعوبات دفعتنا إلى التفكير في تخصيص صف للدروس المكثفة، لكن صغر مساحة المدرسة يحول دون ذلك".

وعلى الرغم من تبعية المدرسة الإدارية لمديرية التربية والتعليم في حماة التابعة للمعارضة، واعتمادها المنهاج الصادر عن الحكومة السورية المؤقتة، لم تتلقّ منذ تأسيسها أي دعم مادي. يوضح الرحال: "غراس الأمل لا تحمل الشكل النظامي للمدرسة، بُنيت بسواعد النازحين والمعلمين لتيسير عملية التعليم، لذلك لا ترغب المنظمات في دعمنا، لأن غالبيتها تعتمد على الشكل الخارجي ولا يعنيها المضمون واستكمال عملية التعليم. مدرستنا لا تملك شكلاً جميلاً يدفعها إلى التقاط الصور وإرسالها إلى الداعمين للحصول على مبالغ مالية أكبر، علماً أن الكوادر مؤهّلة". يضيف: "مدرستنا من بين عشرات المدارس في ريف حماة، العاجزة عن تأمين الكلفة التشغيلية كالأوراق والأقلام وغيرها، وكلفتها 40 دولاراً شهرياً. لكن نؤمن أن جهودنا لن تضيع. نساهم في الحفاظ على أجيالنا، ونعلمهم ليكونوا مستقبل سورية. إن لم نقدم العون لأهلنا في هذه الأوقات العصيبة، متى سنفعل؟".

المدرسة مدمرة جزئياً (عمر حاج قدور/ فرانس برس) 


مدارس نظامية

تُحاول الكوادر التربوية ضمان استمرار التعليم في المدارس المدمرة بشكل جزئي. يذهب التلاميذ إليها على الرغم من عدم ترميمها، وتستبدل الأبواب والنوافذ بالأقمشة والمواد البلاستيكية. وكثيراً ما يضطرون إلى قطع كيلومترات عدة سيراً على الأقدام في ظل شتاء قاسٍ، نتيجة غياب وسائل النقل.

منذ بداية عمل مديرية التربية والتعليم في ريف حماة، شكّلت هيكلية إدارية قسمت فيها المناطق المحررة إلى أربعة قطاعات جغرافية (شمال وجنوب وشرق وغرب). وتعمل مدارس كل منطقة تحت مظلة وإدارة أربعة مجمعات تعليمية ترتبط مباشرة بالمديرية.

وفي القطاع الغربي في سهل الغاب، إحدى أغنى المناطق الزراعية في سورية قبل الثورة، الواقع تحت سيطرة المعارضة، أكثر من 45 قرية بدءاً من قلعة المضيق في الجنوب وحتى زيزون في الشمال، تضم خمس عشرة مدرسة ومائة وخمسة وعشرين مدرساً ونحو ثلاثة آلاف تلميذ. ويقول مدير المجمع الغربي خالد الفارس، لـ "العربي الجديد": "جميع المدرسين لا يتقاضون أي أجر. نعجز عن تأمين الأساسيات ووقود التدفئة، كما أننا في حاجة إلى ترميم المدارس وإعادة تأهيل دورات المياه".



"في المنطقة بعض المدارس التي تدرس مناهج النظام، ويحصل فيها المدرسون على رواتبهم من النظام، إلا أنها تعاني من الفوضى وعدم التزام المدرسين بسبب غياب الرقابة". وعن سبب وجودها، يقول الفارس لـ "العربي الجديد": "لا علاقة لنا بالمدارس التي تدرّس مناهج النظام، وتغضّ الفصائل العسكرية المعارضة والمؤسسات المدنية الطرف عن عملها، لضمان استمرار العملية التعليمة تحت أي ظرف". يتابع: "تشهد المنطقة عودة لسكانها الأصليين من المخيمات الحدودية شمال سورية ومن تركيا، بعد التوصّل إلى اتفاقية خفض التصعيد، ما يزيد من الأعباء. افتتحنا مدارس جديدة تلبية للحاجة المتزايدة بشكل تطوعي. وعلى الرغم من الحملات الإعلامية المتواصلة والتواصل مع المنظمات بشكل شخصي أو بشكل رسمي عبر تبعيتنا للحكومة المؤقتة، لم نتمكّن من الحصول على أي من أشكال الدعم".

خوف

وكانت مديرية التربية والتعليم في حماة قد أصدرت بياناً في وقت سابق خاطبت فيه المهتمين بحقوق الطفل والتعليم، والحريصين على مستقبل سورية، جاء فيه أن "70 في المائة من مدارسنا يداهمها خطر الإغلاق بسبب افتقارها إلى أدنى مقومات التعليم، إضافة إلى انعدام الدعم عنها". وأشار البيان إلى أن عدد المتسرّبين قد يصل إلى ثلاثة عشر ألف تلميذ في حال استمرار توقف الدعم، بسبب غياب الكتب والقرطاسية ووسائل التدفئة. كما أن المديرية غير قادرة على ترميم أية مدرسة طاولها قصف النظام، بسبب انعدام الإمكانات المادية.

وخلق توقف الدعم شللاً تاماً في عمل المديرية بسبب غياب رواتب العاملين فيها وكلف التشغيل، ما أدى إلى توقف عملية الإشراف على سير العملية التعليمية بشكل كامل في المناطق المحررة. ونتيجة لذلك، نظمت المديرية والمجمعات التعليمية والمدارس وقفات احتجاجية بمشاركة من التلاميذ، لمطالبة العالم بالمساعدة في تقديم العون لضمان استمرار العملية التعليمية.

إلى ذلك، يقول مدير التربية والتعليم في حماة أحمد العمر، لـ "العربي الجديد": "توقّف العملية التعليمية سيشكّل خطراً كبيراً على آلاف التلاميذ. وفي حال استمراره، سيلقي بهم إلى هاوية الجهل والأمية والتطرّف". يضيف: "نعمل بشكل تطوعي. سابقاً، كنّا نتلقى دعماً من إحدى المنظمات إلا أنه توقف لأسباب لم نفهمها حتى الآن، ولا يوجد أي دعم من الحكومة السورية المؤقتة أبداً. أصدرنا تعميماً إلى المدارس لجمع تبرعات من التلاميذ بقيمة ألف ليرة سورية، باستثناء أبناء الشهداء واليتامى، لتأمين كلفة تشغيلية بسيطة للمدارس".

المساهمون