تمييز ضد "الألمان" و"الشيشان" في العراق

تمييز ضد "الألمان" و"الشيشان" في العراق

06 مايو 2017
للألمان قصات شعر غريبة (فرانس برس)
+ الخط -

خبر اعتقال الشرطة العراقية شباناً ألماناً، أو طردهم من مقهى في بغداد، لا غرابة في تناقله. كذلك، يمتعض العراقيون من ذكر الشيشان في أحاديثهم، أما الأسوأ على الإطلاق فهو الكلام عن ألماني من سكان الشيشان.

في حقيقة الأمر، ليس الألمان والشيشان أكثر من تسميتين محليتين لا علاقة لهما بألمانيا أو بجمهورية الشيشان الروسية. هما مصطلحان آخران ينضمان إلى كثير من المصطلحات الغريبة في البلاد. يطلق العراقيون اسم "الألماني" على الشاب غير المتعلم، الذي يميّز نفسه بتسريحات شعر غريبة، وأزياء بألوان وتفاصيل غير مألوفة، يخرج في بعض الأحيان عن الآداب في الأماكن العامة، فيبادر إلى التحرش بالنساء، ويخالف الذوق العام. أما "الشيشان" فكلمة تطلق على المنطقة النائية في المدن، وتتميز بأنها مناطق يسكنها الفقراء، وغالباً ما تطلق على مناطق غير شرعية، فقد بنى فيها المواطنون بيوتاً خارج القانون. وقد يمتهن سكان هذه المناطق أعمالاً شاقة، أو يجمعون النفايات، أو يتسولون. سكان مناطق الشيشان لا يمتعضون من تلك التسمية، التي تشير بين العراقيين إلى أنّ سكانها يعيشون في وضع بيئي وصحي سيئ للغاية.

يقول ناصر عبد الحسن، وهو يسكن مع بعض عائلات أقاربه في منطقة الشيشان، في شرق العاصمة العراقية، إنّ من يسكنون في منطقته جميعهم يعيشون وضعاً صعباً. يضيف عبد الحسن لـ"العربي الجديد" أنّه "ليس عيباً أن أسكن في هذه المنطقة. العيب هو ما يلحق الحكومة والمسؤولين من سكننا هنا. لقد وعدونا بتحسين ظروفنا، لكن لا نرى شيئاً أبعد من الوعود". يتابع: "مناطقنا تزداد فقراً، وتزداد سكاناً أيضاً، فالكثير من العائلات باتت تبحث عن سكن لها في مناطق الشيشان بسبب الفقر".




لا أحد يعلم كيف ولماذا أطلقت تسمية الشيشان على المناطق الفقيرة المهملة، لكنها انتشرت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بحسب شاهين جواد، الذي كان يقطن إحدى هذه المناطق. يشير جواد الذي سكن لمدة تسعة أعوام في منطقة "الشيشان" شمال بغداد، إلى أنّ تلك المناطق "قاسية جداً، فهي بعيدة، وغير معبدة، وفقط من يعيشون تحت مستوى خط الفقر يسكنون فيها. بيوتها من طين، أو حتى من الصفيح". جواد الذي غادر سكنه في الشيشان عام 2005 بعد تحسن حالته المعيشية، يؤكد أنه لم يعد إلى تلك المنطقة مرة أخرى، فهو يصفها بالـ"بائسة"، كما تذكّره بفترة صعبة وقاسية من حياته يريد نسيانها.

مناطق "الشيشان" تبث الخوف في نفوس بعض العراقيين، إذ يتحدث بعضهم عن عصابات للخطف والسرقة فيها، وهو السبب الذي يمنع سيارات الأجرة من قصدها. قاسم الدراجي، وهو شيخ قبلي، يتحدث عن أشخاص في مناطق "الشيشان" يصفهم بـ"سيئي الطباع" مبيناً أنّ "الفقر هو السبب وراء وجودهم". يضيف لـ"العربي الجديد": "في كلّ المناطق الفقيرة هناك مثل هؤلاء الأشخاص، وليس فقط في مناطق الشيشان".



لقب "ألماني" يروق للعشريني مهدي حنون، الذي يعمل في جمع الأغراض المستعملة من مكبات النفايات، في عربته الطويلة التي يجرها حصان هزيل. تعلم مهدي كتابة "ألماني" وألحقها باسمه، ووسم به عربته من الخلف، كما جرت العادة بين أبناء مهنته. يقول إنّه أصبح يجيد كتابة عشرة أسماء، هي اسمه الثلاثي واسم والدته وأشقائه الذكور والإناث وهم خمسة، ولقبه الجديد "ألماني". ترك المدرسة بعد رسوبه في الصف الأول الابتدائي. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ العمل ومساعدة والده في الإنفاق على الأسرة كانا أهم من الدراسة.

في يوم الجمعة، وهو اليوم الذي يرتاح مهدي من العمل فيه، يحاول أن يبدو بمظهر آخر، يبدأ من شعر رأسه الذي يتغير تماماً ويبدو كالأشواك بفعل مثبتات الشعر، ثم ملابسه الملونة والبراقة وغير المتناسقة. يبرر مهدي ضاحكاً: "لكي أبدو ألمانياً بحق". وبالرغم من أن مهدي وغيره، ممن يطلق عليهم لقب "ألماني" يدركون أنه لقب خُلع عليهم من جهة الاحتقار، لكنّهم يصرون على أن يكونوا بمظهر يستدعي الآخرين ليطلقوا عليهم هذا اللقب.

ولـ"الألمان" طقوسهم الخاصة، من رقص وغناء في الأماكن العامة، بل كثيراً ما يتحرشون بالنساء، وفق مواطنين. هبة صالح (27 عاماً) تقول إنها لا تأمن بوجود "ألمان" في مكان عام تكون فيه، موضحة أنّهم "يحملون سكاكين، ويتعاطون الحبوب المهلوسة. عدة مرات أسمعوني كلاماً بذيئاً، فالتحرش بالنساء صفة ملازمة لهم". لكنّ صادق مراد (52 عاماً) يقول: "الألمان شبان لم يجدوا من ينصحهم ويعلمهم ويؤمن لهم عيشاً كريماً".