تلاميذ اليمن في ساحات السياسة

تلاميذ اليمن في ساحات السياسة

13 ابريل 2016
خارج قاعات الدراسة (العربي الجديد)
+ الخط -

تستمر الأقطاب السياسية اليمنية في استغلال تلاميذ المدارس في معاركها السياسية بطرق مختلفة، من أجل تنفيذ أجنداتها وأهدافها السياسية والعسكرية. ولعلّ أحد مظاهر هذا الاستغلال هو حشد التلميذات والتلاميذ في مسيرات داعمة لرموز تلك الأحزاب والجهات، أو مناهضة لمنافسيها. كذلك تحشدهم في وقفات احتجاجية سياسية بين الفينة والأخرى، بهدف البعث برسائل سياسية مختلفة بعيدة كل البعد عن أية دلالات أو منافع تعليمية وتربوية.

يعبّر خالد العمراني (15 عاماً) عن استيائه من إدارة المدرسة، التي يتابع فيها تعليمه، إذ عمدت إلى إخراجهم مراراً خلال الحصص الدراسية للمشاركة في مسيرات وليرفعوا شعارات سياسية لا يفهمون لماذا رفعوها. يقول لـ "العربي الجديد": "كثيراً ما نضيّع حصصاً ونحن نستمع إلى خطابات وكلام سياسي في المدرسة، أو عندما نترك الفصول الدراسية للمشاركة في احتجاجات ومسيرات مطولة". بالنسبة إليه، الخروج في مثل هذه الفعاليات السياسية، يعرّض حياته وحياة زملائه للخطر، لا سيما أثناء الحرب.

ويلفت العمراني إلى أنه في بعض الأحيان، عندما يعرف بأنّ إدارة المدرسة ستخرجهم للمشاركة في فعالية سياسية، "أتغيّب بطلب من والدتي. لكنّ الإدارة تقرر أحياناً المشاركة في فعالية سياسية بطريقة فجائية، وغير متوقع، وهذا ما يجعلني في قلق دائم".

ولا يقتصر ذلك على الأحزاب والجهات السياسية اليمنية، بل إنّ جماعات دينية متطرفة لجأت أخيراً إلى الأسلوب ذاته، إذ أجبرت عناصر "تنظيم القاعدة" في مدينة المكلا في 30 مارس/آذار الماضي تلاميذ ثانوية ابن سينا، على تنفيذ وقفات احتجاجية رفعت شعارات مناهظة للولايات المتحدة الأميركية.




ويخبر أحد أولياء الأمور أنّ عناصر التنظيم الذين يطلقون على أنفسهم اسم "أنصار الشريعة"، أجبروا التلاميذ على الخروج للاحتجاج ضد القصف الأميركي عليهم. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ "الأهالي بأكثرهم إن لم يكونوا كلهم، غير راضين بما يأتي به هؤلاء، لكنّ أحداً لا يجرؤ على مواجهتهم". ويضيف متحفظاً عن ذكر هويته، أنّ "كل من يخالف الجماعة يتعرض للاختطاف أو القتل أو الجلد أمام العامة وسط المدينة". وهذا ما يجعل أهالي التلاميذ يصمتون أمام هذه الممارسات.

ويشير ذلك الوالد إلى أنه "بهدف الحشد بأرقام وأحجام كبيرة، لا توفّر الأطراف السياسية جميعها، أي جهد أو مال. وهي غالباً ما تؤمّن حافلات كبيرة أمام المدارس لنقل التلاميذ". ويشدد على أنّ "ثمّة انعكاسات لهذه الممارسات على التلاميذ وأوضاعهم النفسية، من دون شك. هذا الخروج المتكرر وربط التعليم بالسياسة، يؤثران على مستوى التلميذ ويضرّان بتحصيله العلمي". يضيف: "التلميذ يهدر وقته في المسيرات ورفع الشعارات، كذلك يضيّع جزءاً كبيراً من وقته في التفكير في القضايا السياسية التي لا تعنيه".

من جهته، يقول عبدالله محمد، وهو مدرّس مادة القرآن الكريم في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، إنّ "إدارات المدارس تنفذ التوجيهات التي تتلقاها من مكاتب التربية والتعليم أو السلطة المحلية العاملة. وهي عاجزة عن رفض تلك التوجيهات، وإن كانت لا تؤيدها". ويشير إلى أنّ هذه التوجيهات ترى هذه الممارسات من ضمن "المهام الوطنية التي يجب على التلاميذ تنفيذها". ويشدد محمد لـ "العربي الجديد" على أنّ "استغلال التلاميذ لصالح الأطراف السياسية من شأنه أن يضعف مستواهم التعليمي، وينعكس سلباً على مستقبلهم"، متهماً كل الأطراف السياسية باستغلال التلاميذ والعملية التعليمية برمتها لصالحهم.

في السياق نفسه، تشير المتخصصة في علم النفس، هند ناصر، إلى أنّ "استغلال تلاميذ المدارس من قبل كلّ الأطراف، يعرّضهم لمخاطر الموت أو الفشل ويحوّلهم إلى مشاريع عنف مستقبلية". وتصف إقحام هؤلاء في المعارك السياسية بـ "الأمر الخطير"، إذ "يكرّس الكراهية تجاه الآخر". وتوضح أنّ "التلاميذ يتحولون إلى مشاريع كراهية وعنف من دون أن يشعروا"، مشيرة إلى أن المدارس مطالبة بتعليم التلاميذ "أهمية التعايش واحترام حرية التعبير والاعتقاد، بعيداً عن التعصب والتشدد وتحميلهم أعباء التفكير في السياسة".