محمد الحساني.. حروف سينمائية في حوزة بائع أفلام بطنجة

محمد الحساني.. حروف سينمائية في حوزة بائع أفلام في طنجة

طنجة

وصال الشيخ

avata
وصال الشيخ
14 فبراير 2019
+ الخط -
إن كنّا نحن، كطلّاب جامعيين أو دراسات عليا، نبحث عن فيلم وثائقي أو روائي لأحد المخرجين السينمائيّين، ولا يسعفنا البحث عبر الإنترنت في نيل ما نريد بفعل الخيارات المحدودة وقيود حقوق النشر وشيوع السينما التجارية، سنتوجه بسهولة إلى بائع أفلام. لكننا كطلاب في المغرب، لا يسعنا السفر دوماً إلى مدن الرباط أو كازابلانكا لشراء الأفلام المنشودة، فينصحنا أساتذة بـ"فترينا" أفلام مميزة تقع في مقابل سور "المعكازين" الشهير في طنجة. هناك، عند محمد الحسّاني، نجد ضالّتنا.

يسعفنا الحسّاني كثيراً، ويوفر علينا مشقّة البحث عن الأفلام بعيداً. أخيراً، استطاع جلب أفلام المخرج الوثائقي كريس ماركر لإحدى طالبات الدراسات العليا، والتي نادراً ما تتاح عبر الإنترنت. لكنّ الحسّاني، وبفضل معركته الطويلة في الحصول على الأفلام، ومعرفته بوسائل البحث، وفّر لها ما يزيد على عشرة أفلام.

والآن، ستتوسع مدارك الطالبة السينمائية بفضل الخدمة المميزة التي يقدّمها الحسّاني لزبائنه منذ عام 2002، عندما افتتح مشروعه الصغير في شارع يطلّ على السور وميناء طنجة القديم وبحرها المتوسط.

اكتفى الحسّاني بدراسة المرحلة الابتدائية كما يحكي لـ "العربي الجديد". وسعى وراء العمل "من دون طموح". يضيف أنه كان يتوجب عليه أن يعمل حتى لو في مخبز، لكنّ الأمر مختلف الآن، بعدما امتلك بعض الحروف السينمائية. كان عمره 23عاماً عندما كان بيع الأفلام إحدى المهن التجارية المربحة، ولم يحضر حُبّ المهنة والسينما إلّا لاحقاً. وعندما فتح "فترينته" آنذاك، كانت الأقراص المدمجة غريبة على الناس الذين كانوا يألفون الفيديو فقط. وبذائقة وثقافة سينمائية عشوائية، كانوا يشترون ما تملكه "الفترينا" من أفلام هندية ومغامرات أميركية وعربية.


كان الحسّاني من أوائل باعة الأفلام الستة في مدينة طنجة (شمال المغرب). لكن حدث تحوّلٌ بعد ثلاث سنوات عندما شاع بيع الأقراص المدمجة. وبدأ توجه واهتمام الناس بالسينما يختلف، وأصبحوا يبحثون عن أفلام ومخرجين بعينهم، وظهرت لاحقاً فئة المتعلمين الملمّين بالثقافة السينمائية. على سبيل المثال، يقول الحسّاني: "لدي أصدقاء أصبحوا كموسوعة في السينما الأميركية وتاريخها".

ظهرت فئات أخرى من هواة حبّ الاستطلاع السينمائي، وكان هناك لهفة لدى الناس لمشاهدة الأفلام التي كانت تأتي على ثلاثة أجزاء في ثلاثة أقراص مدمجة، تُباع بثلاثين درهماً (3 دولارات) أو يشترون جهاز عرض الأفلام بألف وسبعمائة درهم (170 دولاراً)".

ثم إن طفرة بيع الأفلام في طنجة ظهرت في وقت لم تكن قاعات السينما على كثرتها تؤدي دورها كما في السابق، عندما كان الناس يقفون في الطوابير لحضور فيلم فريد شوقي.
وانقسم مستهلكو الأفلام بحسب اهتماماتهم. مثلاً، "بعض المستهلكين يجدون الفيلم الفرنسي بليداً، لكنّه يلقى رواجاً من قبل الجالية الفرنسية التي تعيش في طنجة. أما الطلبة والأساتذة، فيبحثون عن أفلام تثقيفية روائية أو وثائقية، وآخرون يبحثون عن أفلام مترجمة، أو عن أفلام بلغاتها الأصلية، مفضلين تأمل الممثل بثقافته ولغته الأصل".

يحب عمله (العربي الجديد) 


وأصبح ميول الزبائن مقروءاً من قبل الحسّاني، الذي يوّفر أفلامهم المفضلة سريعاً من دون توصية منهم. كما وفرّ الأفلام الوثائقية للطلبة وغيرهم، وهي علامة تميّز محلّ الحسّاني الذي يتحلّى بطابع ثقافي إلى جانب التجاري.

وللأطفال نصيب من "الفترينا"، فهناك أفلام كرتون تلاقي إقبالاً كبيراً. ويقول: "أحب مشاهدة أفلام الكرتون أيضاً، إنها مريحة"، وهناك أفلام لكبار السنّ.

مع الزمن، تطوّرت معرفة الحسّاني الشخصية بالسينما. وبموازاة ذلك، توسع مشروعه ونصب بسطات مقابل "الفترينا" بحثاً عن ترويج أفضل للأفلام الصادرة حديثاً أو حتى قديماً. وظلّ في مكانه يشكّل وغيره من باعة المدينة وجهاً ثقافياً مغايراً لمدينة طنجة وناسها، لم يروَ بعد. يقول لـ "العربي الجديد": "هذه المرة الأولى التي أتحدث بها للصحافة".

للوهلة الأولى، يعتقد الشاري أن الحسّاني كان سينمائياً من قبل، لكن معرفته تلك تطوّرت بالمشاهدة المتواصلة للأفلام. ينصب شاشة فوق "فترينته" ومنها يبثّ أفلامه ويشاهدها هو أو غيره، واستفاد كثيراً من نقاشات زبائنه والأساتذة السينمائيين الذين يلجؤون إليه بحثاً عن فيلم بعينه، وأصبح ملمّاً بأسماء الممثّلين والمخرجين.



عرف، بعد عشر سنوات، الاختلافات بين السينما العالمية: الإيطالية والأميركية والفرنسية والإيرانية. وأصبح محبّاً ومفضلاً للأخيرة التي "لديها أفكار إنسانية عظيمة وقريبة من الواقع كما في فيلم تاكسي طهران". ومع التقدم التكنولوجي، بات مشروع الحسّاني وغيره مهدداً من قبل مواقع الأفلام المجانية وقدرة الأفراد على تحميل الأفلام مجاناً من دون تحمل عناء شرائها أو تخصيص ميزانية لها. حالياً، أصبح الحسّاني يبيع القرص المدمج بـ 10 دراهم (دولار واحد)، بعدما كان يبيعه بـ 30 درهماً (ثلاثة دولارات)".

يبحث عن فيلم لأحد الزبائن (العربي الجديد) 


كان الحسّاني يبيع أفلاماً قليلة بسعر جيد، بينما يبيع حالياً أفلاماً كثيرة بمقابل مادي قليل. كما طغى على باعة الأفلام الاهتمام بالتجارة أكثر من السينما ذاتها وغايتها في المجتمعات البشرية.
لكن الحسّاني يخبرنا عن إيجابية التكنولوجيا التي وفّرت عليه وقتاً في الحصول على الأفلام. يقول: "كنت أعثر على الأفلام بمشقّة بعدما أتواصل مع معارفي في فرنسا، أو أتواصل مع الزبائن وغيرهم. كما سافرت كثيراً إلى الرباط وكازابلانكا بُغية شرائها، فثمن الفيلم الواحد بلغ آنذاك 80 درهماً (8 دولارات) أو يزيد. ثم أنسخ عنه نسخاً عدة لبيعها. لكن التكنولوجيا اليوم وفّرت جهداً عظيماً في البحث عن مختلف الأفلام. استطعت أن أوفّر أكثر من فيلم للمخرج ذاته، لكننا كباعة نتعامل مع حقوق النشر والطبع بحذر، خصوصاً مع الأفلام الممنوعة. وعملنا محفوف بالمخاطر لأنه مجال غير مرخّص في كافة أنحاء المغرب".

ذات صلة

الصورة
يشارك أطفال المغرب في كل فعاليات دعم غزة (العربي الجديد)

مجتمع

يلقي ما يعيشه قطاع غزة من مآسٍ إنسانية من جراء قتل الاحتلال الإسرائيلي آلاف الأطفال الفلسطينيين، بظلاله على كافة مناحي الحياة في المغرب.
الصورة
آلاف المغاربة يطالبون بإسقاط التطبيع وإغلاق مكتب الإتصال الإسرائيلي بالرباط (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر آلاف المغاربة، اليوم الأحد، في قلب العاصمة الرباط، تنديداً بـ"محرقة غزة"، وللمطالبة بإسقاط التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي.
الصورة

سياسة

أطلقت شخصيات مغربية رفيعة عريضة، تطالب الدولة بإلغاء كل اتفاقيات تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي تواصل استهداف القدس والمسجد الأقصى، وتمعن في ارتكاب جرائم حرب بالجملة ضد الإنسانية.
الصورة
رفض للمجازر الإسرائيلية بحق غزة (أبو آدم محمد/ الأناضول)

مجتمع

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هتف المغرب نصرة للفلسطينيين وأهل غزة، وخصوصاً المشجعين الرياضيين "الألتراس"