عائلة بو عزيزي: تمنى الالتحاق بالجيش ومات مظلوماً

عائلة بو عزيزي: تمنى الالتحاق بالجيش ومات مظلوماً

16 ديسمبر 2014
كان مرحاً محباً للحياة رغم المعاناة (العربي الجديد)
+ الخط -


في 17 ديسمبر/كانون الأول أضرم محمد بوعزيزي النار في جسده، احتجاجا على الظلم والإهانة. تاريخ لا يزال عالقا بذاكرة عائلته وأصدقائه والمقرّبين منه.
عربته التي تقبع في مستودع الجدّ وتحديدا في "لسودة" (حوالى 8 كلم عن محافظة سيدي بوزيد) تختزل معاناة محمد بوعزيزي من أجل تأمين لقمة العيش.
يقول سالم بوعزيزي شقيق محمد لـ"العربي الجديد" إنّ العائلة وفيرة العدد، وإنه الأكبر سنا، يليه محمد ثم ليلى وسامية وكريم وزياد.
وكشف أن الاسم الحقيقي لمحمد، بحسب بطاقة الهوّية، هو طارق، ولكنهم تعوّدوا مناداته بـ"محمد" كاسم شهرة، مضيفا أن شقيقه محبوب جدا، وأنه صاحب نكتة.
وأضاف سالم أنّ محمدا درس في معهد تقني بسيدي بوزيد، وأنه كان ناجحا في دراسته، حتى إنّ معدلاته الدراسية كانت تتراوح ما بين 15 و16، أي أنه من بين المتفوقين في الدراسة، لكنه انقطع عن الدراسة في مستوى "الباكالوريا" لتتمكن شقيقته من الدراسة في الجامعة، خاصة أن الظروف المادية للعائلة لم تكن تسمح بتأمين دراسة الجميع، فتفرغ لبيع الغلال لتأمين مصاريف الأسرة.
ويؤكد سالم أنّ والدته كانت تعمل في المجال الفلاحي، وهو ما دفع محمدا إلى العمل؛ لأنه كان يرى كيف تشقى والدته وتتعب من أجل إعالتهم.
أما عن حلم محمد بوعزيزي، بحسب شقيقه، فقد كان بسيطا جدا، يتمثل في إنهاء دراسته الجامعية، وأن يصبح عنصرا في الجيش التونسي. ويكشف سالم أنه: قبيل وفاة محمد وصلته دعوة للالتحاق بالجيش التونسي، لكنه تخلّف عن الحضور.

وكان محمد محبوبا في محيطه وفي محافظة سيدي بوزيد، خاصة من قبل أصدقائه. ففي سوق الجملة، كان يقتني الغلال ويمنحها إلى أصدقائه بنفس السعر، وبينهم ماجد غزي وفوزي ومحمد، ليتمكنوا من بيعها ويؤمنوا لقمة عيشهم الصعبة، خاصة أن أغلبهم كانوا عاطلين عن العمل، رغم أن بعضهم من أصحاب الشهادات العلمية.
أما عن يوم الحادثة، فيتذكرّ سالم أنّ العديد من الأحداث قادت إلى ذلك اليوم المشؤوم، معتبرا أن شقيقه محمدا طالما تذمرّ من حجز بضاعته، بدعوى مخالفته التعليمات القانونية، مضيفا أنه عندما يرغب في استرداد سلعه يقولون له إنه تم إرسالها إلى المستشفيات والجمعيات الخيرية أو للمعاقين.
وقال سالم: "حاول محمّد مرارا مقابلة رئيس البلدية، ولكنه رفض لقاءه"، مضيفا أن المحاضر والمخالفات والغرامات المالية كانت تنهال على شقيقه الواحدة تلوى الأخرى.
محمد وصل إلى مرحلة بات فيها عاجزا عن تحقيق أية أرباح، بل جلّ ما يغنمه يدفعه إلى الجهات البلدية في مخالفات، حسبما يقول سالم. مضيفا أن الغرامات كانت تصل إلى 400 و500 دينار، باعتبار أن نشاط شقيقه غير قانوني.
وأضاف أن الاستفزازات كانت على أشدها، خاصة من قبل الشرطة البلدية. "بشهادة أصدقاء محمد تدخل يوم الحادثة عون أمن، طالباً من أعوان الشرطة البلدية تركه في حال سبيله".
وأكد سالم أن شقيقه يوم الحادثة شعر بالقهر والظلم، خاصة بعد ما وجد أن كمية من الغلال "الفواكه" ناقصة، إلى جانب تسجيل مخالفة عليه، اعتبرها غير قانونية، مضيفا أنه قرر الصعود فوق عربته، صارخا بأعلى صوته: "لقد ظُلمت، لقد قهرت".
ويواصل سالم: تلك اللحظات والممارسات دفعت محمدا إلى اقتناء البنزين من أقرب محطة، ثم ذهب أمام مقر البلدية وسكب البنزين وأضرم النار في جسده.
ويضيف: "تركنا عربته في مستودع في محافظة صفاقس، ولكن نظرا لضيق المكان وخوفا عليها من التهلكة، قمنا بإرسالها إلى منطقة "لسودة" في مستودع جدي بسيدي بوزيد، والذي يقع بعيدا بضعة كيلومترات عن المقبرة التي دفن فيها محمد".
من جهتها، كشفت سامية شقيقة بوعزيزي أنّ محمدا كان أقرب أشقائها إليها، مضيفة أنه رغم أن سالم هو الشقيق الأكبر، لكنّ محمدا كانت له مكانة خاصة.
وقالت: "محمد وسالم وليلى، هم إخوتي من الأم، فقد توفي والدهم ثم تزوجت والدتي وأنجبتني وآخرين".
واعتبرت ليلى أن والدها هو الذي ربّى محمدا، وكان قريبا جدا منه، حتى إنه عوّضه حنان الأب.

تقول: "محمد كان دائما بقربنا في البيت، وهو صاحب روح مرحة، حتى إن الابتسامة لا تفارقه. لكن بعد موته أثرت الشائعات كثيرا على العائلة، وخاصة الوالدة التي مرضت، والتي تتذكر محمدا في كل مناسبة".
واستنكرت سامية ما يردده الناس دائما حول ثروات وتعويضات جنتها العائلة من وفاة محمد، معتبرة أن الأمر مجرد افتراءات ولا أساس له من الصحة.
الحاجة منوبية والدة محمد بوعزيزي (62 عاما) حاليا في كندا للعلاج، وتؤكد في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أنها كانت تتمنى أن تكون في سيدي بوزيد في ذكرى وفاة ابنها، تقول: "قلبي في تونس، وأتألم لأني لن أكون حاضرة في ذكرى وفاة ابني. لولا موعد العلاج لقدمت إلى تونس".
وأكدت الحاجة منوبية أن محمدا كان يحثها على عدم الاستسلام، وعلى مواصلة تعليم شقيقاته، وخاصة ليلى. مضيفة أنه كان كبير العائلة الذي يسهر على تأمين لقمة العيش.
وكشفت والدة بوعزيزي أن ابنها لم يكن يفارقها أبدا، حتى عندما يتجه الى إحدى المدن للتبضع، فإنه سرعان ما يعود إلى البيت. وأكدت أنها تلقت زيارات من العديد من الشخصيات السياسية إبان الثورة ومباشرة بعد وفاة محمد، ولكن بعد فترة لم يعد يزورها أحد من السياسيين، باستثناء بعض الدعوات التي تلقّتها من بعض البلدان العربية والأجنبية لتكريم ابنها محمد. مشددة على أن هذا التكريم فخر لتونس وللتونسيين، على حد قولها.
وأكدت ان ابنها ظُلم، ومات شابا في مقتبل العمر. مضيفة أنها لن تنسى محمدا أبدا، رغم أن الشائعات آلمتها كثيرا وأبكتها كثيرا. "لكن، سامح الله مروجيها".