إرث النبيّ محمد في مسجد نابلس الحنبليّ

إرث النبيّ محمد في مسجد نابلس الحنبليّ

07 يوليو 2016
مؤمنون يتبرّكون بالشعرات (فرانس برس)
+ الخط -

تواصل عائلة البيطار في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، سدنتها في المحافظة على شعرات النبي محمد منذ نحو مائة عام، بعدما عُهدت إلى أحد أجدادها القاضي الشرعي الشيخ رشيد البيطار، للاعتناء بها. وكانت تلك الشعرات قد أودِعت في خزنة في مسجد الحنبلي في البلدة القديمة في نابلس مع وثيقة تؤكّد حقّ عائلة البيطار في ذلك.

مطلع القرن الماضي، أراد السلطان العثماني محمد رشاد الخامس تكريم علماء نابلس، ومنهم مفتي الدولة العثمانية آنذاك الشيخ منيب هاشم، فبعث إليهم بثلاث من شعرات النبي محمد. فخرج أهالي نابلس وعلماؤها في موكب مهيب لاستلام الهديّة، ومن بينهم الشيخ رشيد البيطار الذي عهدت إليه وإلى عائلته سدانة تلك الشعرات التي وضعت في زجاجة مفرغة من الهواء في خزانة داخل مسجد الحنبلي.

ما زالت نابلس تحافظ على هذه الهدية وتجدد تعريف الأجيال عليها في كل عام، إذ تُعرض شعرات الرسول في يوم السابع والعشرين من شهر رمضان الذي يلي ليلة القدر، خلال صلاتَي الظهر والعصر في مسجد الحنبلي. هكذا، يراها المؤمنون ويتبرّكون بها، بينما يعلو المديح النبوي من فرق أتباع الطرق الصوفية في المدينة، من أبرزها فرقتَا النقشبندية والقادرية، بحسب ما يوضح إمام مسجد الحنبلي سعد شرف لـ "العربي الجديد".

مذ بُنِيَ المسجد وسط بلدة نابلس القديمة في العصر المملوكي في عام 1309، كان يؤم المصلين في المسجد علماء مسلمون من أتباع مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فأطلق عليه لاحقاً اسم مسجد الحنبلي. ويقول الباحث في تاريخ نابلس عبد الله كلبونة لـ "العربي الجديد"، إنّ "المسجد الذي يقع في حارة الغرب من البلدة القديمة في نابلس، عُرف باسمين هما الجامع الغربي ومسجد الحنبلي، إذ إنّ إمامة المصلين في ذلك الوقت كانت لأصحاب المذهب الحنبلي، الذي دخل إلى فلسطين مع دخول صلاح الدين الأيوبي إليها".

مرّ مسجد الحنبلي بمراحل تطوير عدّة. وبعدما كان صغير الحجم، أصبحت مساحته اليوم تمتدّ على 1500 متر فتتّسع لنحو 1500 مصلٍ على أقلّ تقدير. والمسجد الذي يقصده مرتادو السوق وزائرو المدينة من الخارج، بحسب ما يوضح شرف، "يُعدّ منبراً إعلامياً دعوياً ومركزاً لإحياء المناسبات الدينية".




أحمد عبد العزيز الدجني (أبو ربحي) مسنّ نابلسي يبلغ من العمر 84 عاماً، يقصد مسجد الحنبلي للصلاة منذ أكثر من 20 عاماً، خصوصاً صلاتَي الظهر والعصر، إذ هو صاحب محل تجاري في المدينة نابلس. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "مسجد الحنبلي في السوق ممتلئ دائماً، وتُنظم فيه دروس دينية يومية"، مشيراً إلى "بنائه القديم المميّز". لكنّ المسجد لا يمتلئ خلال صلاتَي المغرب والعشاء، إذ يكون السوق قد فرغ بعد عودة الناس إلى منازلهم. ويخبر أبو ربحي أنّه يستغل وجوده في المسجد في السابع والعشرين من شهر رمضان من كل عام، لرؤية شعرات الرسول ويتبرّك بها هو وجميع المصلين.

من جهته، اعتاد زاهي الشخشير (62 عاماً) الصلاة في مساجد البلدة القديمة في نابلس، خصوصاً مسجد الحنبلي، إذ يجذبه "بناؤه القديم المميّز ولطف الجوّ فيه. فأنا اعتدت الصلاة فيه مذ كنت طفلاً يصطحبني والدي معه".

يتميّز المسجد ببنائه القديم التاريخي، وبالأقواس الجميلة التي تزيّن جدرانه وأسقفه. أمّا أعمدته الأساسية، فقد جلبت من بلدة سبسطية التاريخية، شمال نابلس، التي بُنيت أيام الرومان. تلك، أعمدة رومانية تعلوها تيجان جميلة.

إلى ذلك، تولي وزارة الأوقاف الفلسطينية اهتماماً خاصاً بالمساجد التاريخية في نابلس كما في كلّ فلسطين. ويقول مدير وزارة الأوقاف في نابلس محمد جهاد لـ "العربي الجديد"، إنّه "كلّما كان المسجد أقدم، كلّما كانت روحانيته أكبر وكذلك الارتباط به، وكانت له ميّزات خاصة لكل من يرتاده". يضيف أنّه بهدف المحافظة على تلك المساجد القديمة، لا بدّ من أن تُرمّم وتتلقى متابعة دورية. فتشكّل وزارة الأوقاف لجاناً من المجتمع المحلي للإشراف على الترميم، وذلك من خلال الوزارة والجهات المختصة في وزارة الآثار.

تجدر الإشارة إلى أنّ في البلدة القديمة في نابلس، تسعة مساجد تاريخية هي الصلاحي الكبير، والبيك، والحنبلي، والساطون، والتيني، والأنبياء، والنصر، والخضر، والخضراء. منها ما بُني في العهد العثماني، ومنها ما بُني قبله، فيما يُعدّ مسجد الساطون أقدمها. إلى ذلك، نحصي في محافظة نابلس 264 مسجداً، 107 منها في مدينة نابلس وحدها. والمحافظة تُعدّ الثانية من محافظات الضفة الغربية في عدد المساجد، بينما يبلغ عدد المساجد في محافظات الضفة الغربية أكثر من ألفي مسجد، وفقاً لبيانات حصلت "العربي الجديد" عليها من مدير العلاقات العامة في وزارة الأوقاف خالد الزواوي.

دلالات