نساء القاع ومريم المنصوري

نساء القاع ومريم المنصوري

01 يوليو 2016
نساء يحملن السلاح في القاع (فرانس برس)
+ الخط -

أدخلتُ "نساء القاع" على محرّك بحث "فيسبوك"، لأجد عشرات المواد المنشورة "تزغرد" لنساء القاع لأنهنّ حملن السلاح. كثيرة كانت تعليقات وسائل الإعلام العربية واللبنانية والمجموعات والأفراد على "فيسبوك"، احتفاءً بنساء حملنَ الرشّاشات والأسلحة. وفي مقابلة مع إحداهنّ، قالت إنّها تحمل السلاح دفاعاً عن "عرضنا وشرفنا وشبابنا".

تعيدنا إحدى صور نساء القاع - الأشهر ربما - التي تداولها الإعلام، والتي يقف فيها مراسل إحدى القنوات اللبنانية بين ثلاث نساء يحملنَ الرشاشات، إلى أواخر عام 2014 حين نُشرت صورة للإماراتية مريم المنصوري. هي أوّل مقاتلة - وربما الأخيرة - التي شاركت في قصف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية، رافعةً إبهامها تعبيراً عن النصر. هو إذاً استغلال للنساء بأبهى حلله، لكن هذه المرّة بصورة مختلفة. يتطلّب الواقع تزيين الصورة بامرأة، إذ "العدوّ" هو "داعش". هكذا، تتحايل منظومتنا الذكورية. أرادت التفوّق على ذكورية "داعش" وتبرئة نفسها منها في الوقت نفسه، فكانت النساء أداة مثاليّة لذلك.

ربّما يكون حمل النساء للسلاح بهدف الدفاع عن النفس أو عن الآخر، شكلاً من أشكال التمكين. لكنّ التمكين يحتاج إلى سياق اجتماعي واقتصادي على أقلّ تقدير. لا يمكننا الاحتفال بقوّة نساء القاع وهنّ يعشنَ في أكثر المناطق فقراً وتهميشاً.

حمل النساء للسلاح كدلالة على التمكين أو القوّة، ما زال مثار جدال نسويّ لسنا بمعرض حسمه. لكنّ الأكيد هو أنّ "فتشيّة" النساء القويّات المسيطرات على وعينا الجماعي، قد تستخدم بطريقة جماعية لتقنيع الحقيقة وإيهامنا بأنّ النساء متساويات مع الرجل في حمل السلاح وبأنهنّ قويّات ولسنَ في حاجة إلى حقوق - هنّ أصلاً غير حاصلات عليها.

يتضمّن هذا المشهد الاحتفالي ردّ فعل آخر يمكن التوقّف عنده. النساء في لبنان، بأكثرهنّ، يعانين من تمييز جندري. هذه حقيقة واقعة. لكنّ تعاطف أو ردّ فعل الجماعة يختلف بحسب تقاطعات الدين والطائفة والجنسية. لا نحتاج إلى التعاطف مع امرأة سورية مثلاً ولو فقدت طفلاً بسبب تفجير. هذا مثال عن عمل المنظومة الذهنية لدينا حيال قضايا النساء وحقوقهنّ. الحقّ ليس مكتسباً عندنا، بل يحتاج إلى رمز الجنسية أو الطائفة أو الدين أو الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، ليتحدّد مقدار الحق أو مقتضيات نكرانه. ماذا لو حملت نساء محجّبات السلاح كما حملته نساء القاع؟

تبقى الإشارة إلى أنّه حتى لو بدت الصورة متشابهة، إلا أنّ شتّان بين ما قامت به نساء القاع وما قامت به النساء الكرديّات. وإلى أن يصبح أي قرار خياراً، لكلّ حادث حديث.

*ناشطة نسوية

المساهمون