الترفاس... ذهب الصحراء في الجنوب التونسي

الترفاس... ذهب الصحراء في الجنوب التونسي

25 ابريل 2018
ترفاس أبيض (برين كولتون/ Getty)
+ الخط -

تتضمّن قوائم الطعام في كثير من المطاعم الفاخرة، أطباقاً باهظة الثمن تحتوي على ترفاس أو كمأ. وهذا النوع من الفطر ينعش اليوم جزءاً من الجنوب التونسي حيث ينمو، لا سيّما أنّ هذا الموسم كان مثمراً.

عرفت مدن عدّة في الجنوب التونسي، مثل الذهيبة وتطاوين ومدنين وبن قردان، انتعاشاً نوعياً بسبب الترفاس (أو الكمأ) الذي يلقّب بـ"ذهب الصحراء" وبـ"النبتة الراقية"، وهو نوع من الفطر البري النادر وباهظ الثمن يظهر عادة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. ويمثّل ظهور هذا النوع من الفطر مصدر ابتهاج للسكان، إذ إنّه مورد رزق للبسطاء والطبقات الفقيرة، ويساهم في تأمين قوت كثيرين من العاطلين من العمل. وهذا العام، جمع أهل مدن جنوب تونس بمعظمها، كميات قياسية من الترفاس لم يظهر مثلها منذ أكثر من 20 عاماً، في عام 1996.

ويشبه شكل الترفاس حبة البطاطا إلى حد ما، في حين يميل لونه أكثر إمّا إلى الأبيض أو الأحمر، وفقاً للون التربة التي ينمو فيها. وهو يُجمع من سفوح الجبال والسهول والمراعي ومن بعض المناطق الرملية، كسهل الجفارة والوعرة والظاهر في ولاية مدنين. وقد اكتسب سكان الجنوب التونسي خبرة ومهارة في "التنقيب" عن الترفاس الذي يكون مدفوناً في الأرض، ونادراً ما يبرز جزء منه على السطح. ومن الممكن أن يقطعوا 15 و20 كيلومتراً للبحث عنه، قبل أن يبيعوه في الأسواق الأسبوعية أو اليومية.

قيس بن حويدي، شاب من سكان تطاوين في الجنوب، نجح هذا العام في جمع وبيع كميات لا بأس بها من الترفاس مثل غيره من شباب المنطقة. فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الترفاس مورد رزق بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً أنّ أسعاره باهظة. فالكيلوغرام الواحد بيع في بداية ظهوره بـ 100 دينار تونسي (نحو 50 دولاراً أميركياً). وفي وقت لاحق، مع وفرته، راحت أسعاره تتراوح بين 30 و60 ديناراً (15 - 30 دولاراً) للكيلوغرام الواحد". تجدر الإشارة إلى أنّ ارتفاع أسعار الترفاس يرتبط بندرته، فنموّه يتطلّب تربة ذات خصائص معيّنة، مع انعدام الأنشطة البشرية التي تخل بالتوازن البيئي.




ويوضح بن حويدي إلى أنّ "الترفاس ينمو في مناطق معيّنة في الجنوب، تكون عادة بعيدة عن وسط المدينة بنحو 10 كيلومترات، وهو يظهر مباشرة بعد هطول الأمطار. كذلك، ينمو تحت الرمال". يضيف أنّ "أهالي المنطقة يتمكنون من العثور على الترفاس البري بفضل ما خزّنوه من معرفة وتقاليد. وظهوره يرتبط عادة بنبتة أخرى تسمّى الشعّال". ويتابع بن حويدي أنّهم يميّزون مكان الترفاس "من خلال الرمال التي تكون مرتفعة نسبياً بالمقارنة مع ما هي عليه في العادة، في حين تتخلل المكان شقوق. وبمجرّد رؤية هذه العلامات، نرسم دائرة لتحديد المنطقة ثم نحفر قليلاً لاستخراج الترفاس من الأرض". ويلفت بن حويدي إلى أنّ "زائرين كثيرين من بلدان مجاورة كليبيا والجزائر، وآخرين من مدن تونسية، يقصدون مدن الجنوب لشراء الترفاس. وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بهذه الثمرة". من جهته، يشير الصادق، وهو عامل من الذهيبة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هطول كميات كبيرة من الأمطار على مدن الجنوب التونسي، ساهم في ظهور الترفاس مبكراً. وما زالت هناك كميات متوفّرة حالياً في منطقة الظاهر في رمادة، أقصى الجنوب التونسي".

في السياق، يقول رئيس المكتب المحلي لاتحاد الفلاحين في الذهيبة، مصطفى قويدر، لـ"العربي الجديد" إنّ "مناطق الجنوب التونسي، خصوصاً الذهيبة وتطاوين، عرفت حركة كبيرة هذا الموسم. فكثيرون حملوا أكياساً وتوجّهوا إلى السهول والجبال، حيث كانوا يبقون حتى غروب الشمس. بعدها، يعرضون ما جمعوه في سوق يومي أنشئ خصيصاً لبيع الترفاس. يستمرّ ذلك حتى منتصف الليل تقريباً، وهو الأمر الذي ولّد حركة تجارية واقتصادية في الجهة". يضيف قويدر أنّ "الترفاس لم يعد يغيب عن معظم موائد الجنوب، إذ يتفنّن الأهالي في إعداده. كذلك، أضيف إلى معظم الأطباق، ليندرج في إطار العادات الغذائية لسكان الجنوب".




إلى ذلك، فإنّ الدكتور محمد النفاتي، وهو رئيس مخبر البيئة والمراعي في معهد المناطق القاحلة في مدنين وصاحب بحث معمّق حول فطر الترفاس، نجح في إيداع براءة اختراع حول "طرق استئناس فطر الترفاس". يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "من أسرار الإقبال على الترفاس طعمه المميز، بالإضافة إلى فوائده الصحية في علاج أمراض العيون والسكري والسمنة والمساعدة على الهضم، وهو غني كذلك بالحديد ومعادن أخرى مختلفة". ويشرح أنّ "هذا النوع من الفطر ينمو في تربة خالية من الفوسفور وذات ملوحة ضعيفة وتحتوي على نسب قليلة من المواد العضوية"، مضيفاً أنّ "العمل يجري على معرفة العوامل المساعدة على نموّ الترفاس". ويشير النفاتي إلى أنّ "الترفاس يُعرف بأنّه طعام خاص بالأرستقراطيين في أوروبا، إذ يسوّق في المطاعم الفاخرة. وخلال هذا الموسم جرى تصدير كميات كبيرة منه إلى أوروبا والخليج".

دلالات

المساهمون