تونسيون يتركون الوظيفة العمومية وتخيب آمالهم

تونسيون يتركون الوظيفة العمومية وتخيب آمالهم

09 ابريل 2019
كم موظّفاً بالداخلية قدّم طلب مغادرة؟ (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

عندما تُتاح فرصة للعاملين في وظائف أن يتركوا عملهم ويؤسسوا مشاريعهم الخاصة، لا شكّ في أنّ كثيرين منهم سوف يتحمسّون للأمر. هذا ما حصل في تونس، لكنّ آمال البعض خابت.

بادرت رئاسة الحكومة التونسية في أواخر عام 2017 إلى إعداد مشروع المغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية في مقابل تقديم منح إلى التونسيين لبعث مشاريعهم الخاصة. أمّا السبب فتقليص عدد الموظفين العموميين الذي يبلغ نحو 700 ألف موظف، نحو 150 ألفاً منهم فائضون، بالإضافة إلى التخفيف من كتلة الأجور لتصل إلى 12 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2020. هذا ما صرّح به الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي.

وفي يناير/ كانون الثاني من عام 2018، صادق برلمان تونس على مشروع القانون، وانطلقت عملية قبول طلبات المغادرة في مارس/ آذار حتى إبريل/ نسيان من العام نفسه. ورصدت الحكومة في قانون المالية لعام 2018 مبلغاً قيمته 250 مليون دولار أميركي لتمويل برنامج التقاعد المبكر الذي يستهدف نحو ستة آلاف موظف تقدّموا بالفعل بمطالب التقاعد، إلى جانب المغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية التي تستهدف نحو 20 ألف موظف. لكنّه نتيجة ضعف إقبال الموظفين على المغادرة الطوعية، عمدت رئاسة الحكومة في مايو/ أيار الماضي إلى إصدار قرار يقضي بتحديد فترة جديدة لقبول الطلبات من الثاني من يوليو/ تموز إلى 31 أغسطس/ آب من عام 2018.

تقدّم آلاف الموظفين بطلباتهم للمغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية في مقابل الحصول على منح لإنشاء مشاريع صغرى خاصة. وعلى الرغم من البتّ في ملفات الدفعة الأولى وقبول مئات من الموظفين إلا أنّ المنح لم تصرف وفق ما نصّ عليه القانون، حتى اليوم، علماً أنّ كثيرين من هؤلاء الموظفين أرباب عائلات. فتحي بن إسماعيل من هؤلاء الموظفين الذين غادروا طوعاً الوظيفة العمومية، يؤكد لـ"العربي الجديد": "لم أحصل على المنحة بعد على الرغم من أنّ القانون ينصّ على منحها فور قبول الطلب"، مشيراً إلى أنّه "من حسن حظّي أنّني لست متزوجاً ولا أعيل أسرة، لكنّني في الوقت نفسه أحتاج إلى المنحة التي تبلغ قيمتها 15 ألف دولار أميركي والتي وُعدت بها لإنشاء مشروعي الخاص".




في السياق، يشير النائب عماد الدايمي إلى أنّ "ثمّة موظّفين أقدموا على هذا الخيار الصعب من أجل تأمين رأس مال لإطلاق مشاريعهم الخاصة وآخرين لسداد ديون متراكمة. ومنهم من أراد المبلغ المالي ليتمكّن من تأمين العلاج لأحد أبنائه من مرض خبيث". يضيف: "لكنّه بحسب ما يبدو، تعرّض كثيرون إلى عملية احتيال حقيقية، إذ إنّ رواتبهم توقّفت وكذلك التغطية الصحية لهم ولعائلاتهم من دون أن يحصلوا على المنحة المسمّاة فورية. أمّا الذين حصلوا على منحهم، فقد تعرّض بعضهم لاحتيال من قبل المصارف التي عمدت إلى اقتطاع مبالغ متبقية من قروضهم مرّة واحدة من المنحة".

ويكشف الدايمي أنّه تلقّى "شكاوى كثيرة من قبل موظفين عموميين في هذا الخصوص، فهؤلاء وجدوا أنفسهم في مأزق كبير من دون راتب ولا منحة ولا تغطية صحية". يُذكر أنّ الدايمي وجّه رسالة إلى مجلس الشعب ضمّنها أسئلة إلى وزير الإصلاحات الكبرى، منها الاستفسار عن سبب التأخّر في صرف المنحة وتبرير تجاوز مقتضيات القانون. كذلك سأل عن سبب تحويل عملية الدفع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية في حين أنّ القانون نصّ على صرف المنحة من قبل المشغّل الأصلي. ويشدّد الدايمي على أنّ "ثمّة مأساة أصابت بعض الموظفين الذين اختاروا المغادرة الطوعية"، ويتحدّث عن "موظف اضطرّ إلى ترك الوظيفة للحصول على منحة من أجل معالجة ابنته المصابة بالسرطان، وثمّة حالات اجتماعية مأساوية أخرى. وهذا ما دفعني إلى توجيه رسالتي إلى وزير الإصلاحات الكبرى الذي أعلن هذا المشروع ودافع عنه في مجلس الشعب، إلى جانب وزير الشؤون الاجتماعية ورئيس الحكومة، ودعوتهم إلى تحمّل المسؤولية حفاظاً على مصداقية الدولة".




مراد حسناوي من الموظفين الذين تركوا الوظيفة العمومية للحصول على منحة وبعث مشروع خاص، تخبر زوجته خديجة "العربي الجديد" أنّه "بعدما حُوّلت المنحة إلى حسابه المصرفي، ونظراً إلى ديون له لدى المصرف، سُحب المبلغ كاملاً وقيمته 16 ألف دولار أميركي". أمّا التبرير الذي قدّمه المصرف لحسناوي في ما يخصّ سحب قيمة المنحة كاملة، فهو أنّه سوف يصير من دون وظيفة تضمن للمصرف الحصول على أقساط القرض الشهرية. تضيف خديجة: "هكذا صار من دون وظيفة ومن دون منحة". وتؤكد أنّ زوجها "يمرّ بحالة نفسية صعبة، خصوصاً أنّه حاول في أكثر من مرّة التفاوض مع المصرف لعلّه يوافق على تسليمه ولو نصف قيمة المنحة حتى يتمكّن من إنشاء مشروعه، لكنّ طلبه رفض في كلّ المرّات". وتتابع أنّها باتت "غير قادرة على سداد بدل إيجار المنزل وقيمته 250 دولاراً أميركياً مع ارتفاع مصاريف دراسة الأبناء. فأنا موظفة وأتقاضى فقط 300 دولار أميركي". وتلفت خديجة إلى أنّ "زوجي كان يتقاضى نحو 900 دولار أميركي، لكنّه فضّل ترك الوظيفة ليعمل بحريّة أكبر، لكنّه بات اليوم عاطلاً من العمل وخسر منحته". وتسأل عن "سبب عدم إرسال الحكومة منشوراً للمصارف تطالبها فيها بصرف المنحة كاملة لمغادري الوظيفة العمومية والامتناع عن اقتطاع الأقساط المتبقية من القروض من قيمة المنحة".

دلالات