شهادات مزوّرة في ليبيا

شهادات مزوّرة في ليبيا

23 فبراير 2019
الحرب أفسدت قطاع التعليم العالي أيضاً(عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
"في كلّ منطقة من ليبيا هناك شارع يعرف بشارع من سيربح المليون، متخصص في تزوير الأوراق الرسمية باختلاف أنواعها، ومن بينها الشهادات العلمية" يقول فرج بوظهير، من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، واصفاً حجم الفساد الذي تعاني منه البلاد بسبب غياب القانون.

يتابع بوظهير، مدير إدارة المتابعة بالهيئة لـ"العربي الجديد"، أنّ "مضابط التحقيق لدى مكتب النائب العام تتوفر على سجلات تحقيق مع ثلاث شخصيات تتولى مسؤوليات كبيرة في بنغازي، وخمس شخصيات من طرابلس، تبين أنّهم يتولون مناصب بارزة بشهادات مزورة". يوضح أنه بدأ حديثه برأس الهرم حتى لا يفاجأ المتابع بكمّ الفساد في قطاعات العمل المختلفة في البلاد: "في قمة الهرم الإداري، هناك المزيد بالتأكيد، لكنّ الحالات المذكورة جرى التبليغ عنها، فلو شكلت لجان رسمية من ديوان المحاسبة أو الرقابة الإدارية لفحص قانونية الشهادات التي يعمل بها مسؤولون وموظفون، فإنّ الرقم سيكون صادماً". يشير أيضاً إلى أنّ التحقيق في المسألة يحتاج إلى وقت طويل بسبب الشكاوى الكيدية أيضاً. ويتابع: "وزارة التعليم الحالية ألغت ما عرف بإدارة الابتعاث للدراسة في الخارج، واعتمدت شهادات 300 جامعة عريقة خارج البلاد للحدّ من جلب الشهادات المزوّرة من جامعات غير معترف بها، وهو إجراء أيّدته الحكومة، لكنّ السؤال: ماذا عن التزوير بالداخل، ومن يواجهه ويكشفه؟".




يشير بوظهير إلى أنّ كلّ التحقيقات، حتى في الحالات المثبتة تنتهي بالحفظ، وعدم بتّها، بل إنّ من قبض عليهم باتهامات التزوير يجدون من يخرجهم من ورطتهم بسبب الفساد المستشري في جميع القطاعات، وما فيه من رشاوى، مؤكداً أنّ هذه القضية ما زالت بعيدة عن أيدي المسؤولين المنهمكين في خصام السياسة والحرب. يتابع بوظهير أنّ أحد سبل التزوير هو التعليم الخاص: "كلّ إجراءات وزارة التعليم بحق التعليم الخاص في المعاهد والجامعات الخاصة، لم تصل إلى نتيجة، إذ ما زال هذا النوع من التعليم أبرز سبيل للتحايل من أجل الوصول إلى شهادة علمية من دون جهد". يتساءل: "من يثبت أنّ صاحب هذه الشهادة أو تلك درس بالفعل وتجاوز الامتحانات المقررة، ليحصل على بكالوريوس أو ليسانس يجري توظيفه على أساسها، ما دام مصدقاً عليه من مكتب الجودة الحكومي التابع لوزارة التعليم؟".

بحسب آخر إعلان لمركز ضمان الجودة التابع لوزارة التعليم، في مطلع العام الدراسي الحالي، فإنّ 10 جامعات خاصة في البلاد حصلت جميعها على الاعتماد المؤسسي المتعلق بمقرّها وفصولها، لكنّ 6 منها فقط حصلت على الاعتماد العلمي لشهادات خريجيها. يعلق بوظهير: "هل خريجو الجامعات غير المعتمدة علمياً لا تصادق الوزارة على شهاداتهم؟ الحقيقة عكس ذلك، كما أنّ الاعتماد العلمي للجامعات الست الأخرى لا يعني مراقبة امتحاناتها وحضور الطلاب الحقيقي للدراسة، بل يعني جودة مناهجها وفريقها التدريسي". يؤكد أنّ أغلب تلك الجامعات ملجأ لمن يسعى للحصول على شهادة من دون دراسة، أو للفاشلين في دراستهم بالجامعات العامة.

يعترف عيسى عبد الواحد، وهو مسؤول في المركز الوطني لضمان الجودة، بالتجاوزات لدى دوائر رسمية في البلاد، والتقصير في قانون التوظيف. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "وزارة العمل هي المنوطة بسنّ قانون يمنع توظيف أيّ حاصل على شهادة من جامعة خاصة، من دون مصادقة مركز ضمان الجودة". يضيف أنّ "عدد الجامعات في ليبيا كان 13 حتى عام 2013، لكنّها وصلت الآن إلى 20 جامعة عامّة، وهو عدد ليس في الإمكان مراقبته ومتابعته، في ظلّ الانقسام الحالي والظروف المعروفة في البلاد". يعتبر أنّ مخرجات هذه الجامعات يجب أن تخضع لقانون مراقبة جودتها، كما يلفت إلى الجهات التي يمكن أن تجبر الجامعات على الخضوع لقرارات مركز الجودة، متسائلاً: "من هي هذه الجهات في ظل الفوضى الحالية؟".

بالعودة إلى بوظهير، فإنه يتساءل عن مصير مئات من جالبي الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه من الخارج، قبل أن تلغي الوزارة إدارة الابتعاث للدراسة، وتحدد 300 جامعة عالمية معتمدة: "هم أساتذة يدرّسون حالياً، ومنهم من يتولى مناصب عليا وإدارية حساسة، فكيف يلاحَقون؟". ويلفت إلى أنّ إعلان وزارة العمل تضخم أعداد الموظفين في القطاع العام بنسبة 100 في المائة، يعني أنّ هناك من سعى للحصول على شهادة جامعية، للحصول على راتب من دون أن يكون مؤهلاً للعمل في وظيفته. يقول: "قبل أيام، أعلنت حكومة مجلس النواب تعيين 25 ألف موظف في وزارة الشؤون الاجتماعية وهو ليس القرار الأول، فثلاثة قرارات من هذا النوع سبقتها، ليصل عدد المعينين إلى 100 ألف موظف في عام واحد، وهو ما لا يتطابق مع مخرجات الجامعات في كلّ شرق ليبيا، لو جرت المقارنة، ما يؤكد وجود تزوير في شهادات المتقدمين للوظائف". يؤكد أنّ قرارات التعيين تصدر من دون علم مركز الجودة، ولا الرقابة الإدارية لمتابعتها ومقارنتها مع حجم الموظفين المطلوبين، ويتساءل: "أين سيعمل كلّ هذا العدد... وفي وزارة واحدة!؟".

يستدل بوظهير على حجم الفساد التعليمي بقضية الشباب، الذين تقدموا للنيابة العامة في بنغازي بشكوى ضد "معهد الطارق المتوسط والعالي للمهن الشاملة" الذي درسوا فيه لمدة عامين، وعند تسلمهم شهاداتهم تبين أنّها مختومة بختم مزور، مؤكداً أنّ النيابة لم تبتّ حتى الآن بالقضية التي وقعت في إبريل/ نيسان الماضي، وأنّ المعهد ما زال يستقبل الطلاب.

يضيف: "كلنا على علم أيضاً بإعلان نقابة الشرطة عن كشفها تزويراً في شهادات 700 شرطي في بنغازي كانوا في طور الترقية لرتب جديدة، وجرى تجاوز إعلان النقابة وترقيتهم بالفعل وهم ضباط الآن". يشير إلى أنّ إحدى فضائح التزوير الشهيرة ظهور جامعة في طرابلس باسم "الجامعة الدولية" عام 2008، يديرها أساتذة من جامعات ليبية، افتتحت في مقر مصنع للأثاث في طرابلس، وبدأت عملها فوراً قبل أن تقفل أبوابها بقرار من إدارتها، ليتبين أنّها كانت تدرّس أبناء أصحاب المناصب والمراكز العليا والمتنفذين في الدولة.




لكنّ عبد الواحد، من جهته، يؤكد أنّ حجم الفساد مسؤولية جماعية ولا يتوقف على التعليم، ويشير إلى أنّه بالرغم من أزمات البلاد العميقة والحروب والانقسام السياسي المؤثر على مؤسسات الدولة، فجامعات ليبيا حصلت على ترتيب متقدم في تصنيفات عالمية، مشيراً إلى أنّ ترتيب جامعة "بنغازي" العالمي على موقع "ويبو" هو 4198، فيما ترتيب جامعة "طرابلس" هو 4569.

المساهمون