الدنمارك توقف ترحيل السودانيين... وتعاونها مع المجلس العسكري محتمل

الدنمارك توقف ترحيل السودانيين... وتعاونها مع المجلس العسكري محتمل

24 يونيو 2019
المستقبل رهن بسياسات الحكومة (يورن بوليكس/Getty)
+ الخط -


بعد سجال وانتقادات عنيفة لسياسات دنماركية رسمية ساعية، منذ أشهر، قبل إزاحة الرئيس السوداني السابق عمر البشير وبعدها، لترحيل طالبي اللجوء من السودانيين، على قلتهم، واحتجاز بعضهم في مراكز شبه مغلقة، اضطرت الدنمارك، اليوم الاثنين، من خلال جهاز الشرطة، المسؤول عن تنفيذ قرارات الإبعاد، للتوقف عن سياساتها تلك.

وسبق لبعض الصحف الدنماركية أن كشفت خلال نهاية الأسبوع المنصرم "تفاوض مندوب دنماركي مع سلطة الانقلاب في الخرطوم لقبول استعادة اللاجئين السودانيين"، وهذا ما ذكرته صحيفة "بوليتيكن"، أمس الأحد.

هذا الكشف جاء في أعقاب انتقادات لاذعة وجهتها منظمة العفو الدولية، من خلال الخبير في القضايا الحقوقية فيها كلاوس يوول، لسلطات كوبنهاغن، مؤكدا أن "إجبار طالبي اللجوء على التعاون مع السلطات التي فروا منها أمر يتعارض كليا مع مبدأ اللجوء كله".

تلك الانتقادات ركزت على "التشدد الدنماركي بخصوص التخلص من وجود طالبي اللجوء ولو بإبعادهم دون أي ضمانات بعدم اضطهادهم من سلطات قمعية يعتبر أمرا صادماً ومدمراً معنوياً، وبالأخص محاولات سابقة مع نظام وحشي كنظام عمر البشير"، وفقا لفرع "أمنستي" في كوبنهاغن.

والمثير في تصرفات السلطات الدنماركية، في مرحلة ما بعد الثورة السودانية، بحسب الصحافة المحلية، أنها استدعت بعض السودانيين "إلى لقاءات رسمية لمناقشة موانع تعاونهم على السفر إلى بلدهم، فوجد بعضهم، ممن فروا من دارفور والمطلوبين أمنيا، في مواجهة (مسؤولين رسميين) ممثلين عن سلطات السودان لمناقشة إمكانية استقبالهم في بلدهم الذي فروا من سلطاته".

ورغم أن الدنمارك ذهبت إلى انتخابات فاز فيها اليسار ويسار الوسط، إلا أن حكومة اليمين ويمين الوسط ما زالت تحكم في ظل تعقد مشهد تشكيل حكومة جديدة. وبالتالي يبدو أن تطبيق السياسات القديمة مستمر على حاله. فقد كشف النقاب، يوم أمس الأحد، أن بعض طالبي اللجوء السودانيين ممن جرى احتجازهم في سجون لرفضهم التعاون على الترحيل فوجئوا بعد الإفراج عنهم واتصالهم بأهاليهم مجددا بأن "البشير سقط وأن ثورة تجري في بلدهم"، على ما ذكر تقرير "بوليتيكن"، أمس الأحد، وتناول حالة الشاب المتحدر من إقليم دارفور، نزار حمدان، الذي ظل محتجزا في معسكر مغلق بمنطقة "إلبيك" ثلاثة أشهر بقصد ترحيله، وفقد الشاب خاله في عملية إطلاق الأمن النار عليه أخيرا.

وأثار إعلان الحكومة الدنماركية عن "استئناف التباحث مع السلطة العسكرية في الخرطوم حول الأمر ذاته" حنقا قانونيا ومواقف صحافية ناقدة في كوبنهاغن ركزت على أن الحكومة "تريد التباحث معه في الطغمة العسكرية الحاكمة في الخرطوم هم أنفسهم من فضوا قبل نحو أسبوعين اعتصاما سلميا، ويتزعم مليشيات شبه عسكرية شخص مسؤول عن جرائم إبادة في دارفور".

وتكشف الصحافة ومنظمة العفو الدولية أن الشاب نزار حمدان كان مع سوادنيين اثنين آخرين على وشك الترحيل من محبسه بطائرة تحت حراسة الشرطة الدنماركية نحو الخرطوم في ذات يوم الانقلاب على البشير.

وقبل أن تلغي الدنمارك سياسة الترحيل الإجبارية أرسلت إلى "المجلس العسكري الحاكم مستشارا في وزارة الخارجية من كوبنهاغن لبحث إمكانية الترحيل، وبذات الوقت أبقت على طالبي لجوء سودانيين محتجزين خلف القضبان لدى مصلحة السجون في إلبيك ريثما يتم البت بقضاياهم".

وجاء إلغاء الإبعاد الاجباري بعد انكشاف سفر المستشار الدنماركي إلى الخرطوم والعودة بانطباع يتوافق مع تقييم جهاز "الشرطة الوطنية" في كوبنهاغن بأن الوضع في السودان لا يسمح بالترحيل الآن. فجرى إطلاق سراح المحتجزين السودانيين من طالبي اللجوء. ولم تشأ الشرطة الدنماركية التعليق سوى بالتصريح للصحافة المحلية بأن "خشية ما على رجال الشرطة (الدنماركيين) المرافقين للمرحلين إلى مطار الخرطوم" كانت من الأسباب. ومنذ إبريل/ نيسان تعقد الوضع أكثر في الخرطوم، الذي تصفه وسائل الإعلام الدنماركية "غير آمن وغير مستقر".

وأمام الواقع الجديد في السودان، يصبح ترحيل اللاجئين السودانيين متروكاً لحكومة كوبنهاغن المستقبلية، بعد تشكيلها والتغلب على تعقيدات إنشاء تحالف يسار ويسار الوسط، وخصوصا لناحية "فتح قنوات تفاوض وتعاون مع المجلس العسكري في الخرطوم".

وفي عهد حكم البشير فشلت الدنمارك لسنوات بإقناع الخرطوم باستقبال من رفضت طلبات لجوئهم من مواطنيها، بيد أنه في بداية 2019 استطاعت حكومة يمين الوسط، وخصوصا وزيرة الهجرة والدمج، انغا ستويبرغ، بدعم "الاجتماعي الديمقراطي" في برلمان كوبنهاغن، الوصول إلى اتفاق مع عمر البشير لاستقبال هؤلاء، وعليه جرى حجز حرية بعض طالبي اللجوء الموضوعين على لائحة الترحيل.

وتكشف وسائل الإعلام المحلية أنه في أعقاب سقوط البشير ظلت كوبنهاغن محافظة على ما تسميه "تعاون بناء مع السودان"، وهو موقف سبق موقف الاتحاد الأوروبي الأخير الذي رفض الحكم العسكري في الخرطوم ببيان صادر عن المجلس الوزاري الأوروبي الأسبوع الماضي.

ويبدو أن المجلس العسكري في الخرطوم يدرك حساسية مسألتي الهجرة واللجوء بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وعليه تخرج تحذيرات من بعض رجالات هذا المجلس وتعهدات من الخرطوم عن رغبة بمواصلة التعاون مع الأوروبيين في هذا المجال، كنوع من جذب أطراف أوروبية للتعاون معه.

وشهد 2015 اتفاقا بين الاتحاد الأوروبي والسودان بعنوان "مكافحة تهريب البشر ووقف الهجرة"، وهو الاتفاق الذي استندت إليه سلطات كوبنهاغن لمحاولة إجبار لاجئين سودانيين، وبعضهم مطلوب لأنشطة وأدوار سياسية معارضة لحكومة البشير ولاحقا المجلس العسكري، للعودة إلى بلدهم.

والانتقادات الأوروبية الأخيرة للسلطة العسكرية في الخرطوم، والتحفظ بالتعاون معها أكثر من بريطانيا على سبيل المثال، غيّرت الآن التعاطي مع "المجلس العسكري" بإصدار الإدانات لمهاجمة العسكر للمتظاهرين السلميين والمطالبة بتسليم المجلس العسكري الحكم لحكومة مدنية، كلها ساهمت في تغير الموقف من اللاجئين السودانيين.

ففي كوبنهاغن يبدو اليسار ويسار الوسط أوضح، في مسعاهما لتشكيل الحكومة القادمة، في اعتبار أي تعاون مع ما يسمونها "الطغمة العسكرية" أمرا غير وارد. فقد عبر الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الذي يتوقع أن يتزعم الحكومة القادمة، وحزب راديكال فيسنترا، يسار وسط، أنهما لن يقبلا بأي تعاون مع المجلس العسكري السوداني يجبر السودانيين على الرحيل عن الدنمارك. وكان يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي، من المؤيدين للاتفاق السابق بداية 2019 مع حكومة البشير لترحيل السودانيين.​

المساهمون